28 - 09 - 2024

الظالم والمظلوم

الظالم والمظلوم

رغم مرور ما يقرب من 15 شهرا على أحداث 3 يوليو وما تلاها من تداعيات ، إلا أن الخواطر لم تهدأ ، والنفوس لا تزال بحالة كمد وغيظ  ، والاستقطاب بين مناصري الإخوان ومناصري الدولة يزداد وتتسع فجوته كل يوم ، فالمظاهرات اليومية التي هدأت او انكسرت شوكتها بهراوات الشرطة وهراوات الإعلام ، لاتعني أن حالة رضا قد استجدت ، فالغضب يعلن عن نفسه إما بتفجيرات عبثية هنا وهناك وإما بغضب مكتوم كلما أطفأته في مكان اشتعل في مكان آخر.

بين أنصار الدولة وأنصار الجماعة جسر من الشوك لا يستطيع أحد العبور عليه من جهة إلى أخرى ، أنصار الدولة يرون أن الإخوان ومؤيديهم ، ينبغي اجتثاثهم تماما من الواقع بعد التفجيرات وأحداث الإرهاب الأسود والمظاهرات العنيفة التي سيطرت على الشارع لفترات طويلة ، فعطلت مصالح وكدرت أمنا ، وعطلت حياة اقتصادية أحوج ماتكون إلى الهدوء .

وأنصار الجماعة أغلقت قلوبهم وعقولهم وبصائرهم ، وآخر ذكرياتهم عن الوطن تجمدت عند يوم 30 يونيو ، هم لا يرون إلا ماصوره قادة الجماعة لهم على أنها مؤامرة على الشرعية ، ومن أجل صنم الشرعية هذا تسببوا في نهر من الدماء ، تساوت فيه دماء انصارهم وأعدائهم من الشرطة والجيش ، من أجل الشرعية ، نقضت الجماعة غزلها "من بعد قوة أنكاثا" ، ومن أجل ذلك الصنم عادوا الجيش وقطاعا عريضا من الشعب أعلن رفض سياساتهم ورؤاهم القاصرة ، وتغليبهم مصلحة الجماعة على المصالح العليا للبلاد ، بل وارتضوا أن يكونوا أدوات لمخططات خارجية ، تتلاعب بهم الدول التي اضيرت من عدم دخول مصر نفس الدوامة العبثية والحرب الطاحنة.

وبسبب حقد دفين بين أنصار الدولة (الذين وصلوا بعد تجربة الإخوان إلى حد كره ثورة يناير والتعريض بها )، وأنصار الإخوان (الذين وصلوا إلى حد الكفر بالدولة وجيشها العظيم الذي بناه المصريون جيلا بعد جيل ) لم يعد هناك مكان للوسطية والتعقل ، إما مع أوضد ، يجب ان تتبنى وجهة نظر أحادية بحذافيرها لتكون مقبولا ومرحبا بك .

انصار الدولة يخرجون انصار الجماعة من ربقة الوطنية وينتظرون كارثة تحل بهم وتخلص البلاد منهم ، ومن ثم فإن يستبيحون قتلهم (باعتبارهم قتلة) واعتقال عشرات الآلاف منهم (باعتبارهم متآمرين) ، وأنصار الجماعة  أصبحوا يتبنون أسطورة مثل اسطورة الإمام الغائب لدى الشيعة ، الذي ستنتهي غيبته ليقيم العدل في الأرض ، ينتظرون معجزة سماوية تخرج مرسي وبديع المتهمين بعشرات القضايا ، ليدخلوا قصر الرئاسة من جديد على حصان أبيض ، ويقتصوا من الشعب الذي عاداهم والجيش الذي ساند خصومهم!!

كل طرف يرى الآخر ظالما ويرى نفسه مظلوما ، بالطبع كان هناك أبرياء لوقود المعركة من الطرفين بعضهم فقد حياته ولاقى وجه ربه ، وبعضهم فقد حريته فأصبح رهين السجون والمعتقلات ، قد يكون هناك أفراد أبرياء من الجماعة وأنصارها ظلموا ، لكن الجماعة نفسها بقيادتها التي تتسم بغباء سياسي منقطع النظير لم تظلم ، بل ظلمت الدولة حين تسببت ، بغشم، في إراقة دماء بريئة من الجيش والشرطة والمواطنين كان يمكن تجنبها، وظلمت أنصارها بزجهم في أتون معركة خاسرة تمت الاستهانة فيها بالأرواح والحريات ، وظلمت مفهوم الوطنية حين أعلت مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن ، ورفضت آليات ديمقراطية – متمثلة في انتخابات رئاسية مبكرة- وتسببت في قتل ثورة 25 يناير وتبشيعها وأبلستها.

لا الزمن سيعود ولا القتلى سيحيون من جديد ولا مكان لأساطير وعمى بصائر ، وإن كانت الحلول الأمنية لازمة فيما مضى ، فيجب على السياسة الآن أن تفيق من غيبوبتها لتعيد الوطن إلى سلامه الاجتماعي وأمنه القائم على التراضي الوطني وليس على العصا.

سيقولون أعنتم ظالما وأعدتم البلاد إلى أجواء ماقبل ثورة يناير ، وحتى إن كان قولهم صحيحا ، فكل شيء يهون ، وحده لا يهون أن تتحول مصر إلى دولة ميليشيات كالتي كانوا يقودوننا إليها ، إن غابت الحرية فستعود بنضال المناضلين ، وإن عاد الفساد فسيتم اجتثاثه يوما ، وإن تصدر اللاعنون لثورة يناير المشهد السياسي والإعلامي لفترة ، فسيعاد الاعتبار لها يوما ، لكن إن تحاربت مصر وحملت السلاح ضد بعضها ، فستنتهي تماما أسطورة أقدم دولة مركزية في التاريخ .

نحن بحاجة شديدة إلى أن يرى الناس الأمور ببصائرهم وليس ببصرهم القاصر ، ولا بوعي بعضهم الذي تجمد عند يوم 3 يوليو .. لقد جرت في النهر مياه كثيرة ، تعافت البلاد من مخاوف الفوضى وتعافت من مخططات العدو القريب والبعيد ، تبقى مظالم حدثت في سبيل ذلك الهدف الأسمى علينا أن ننظر لها بعين تجعل الوطنية جامعا ، وعباءة لكل أبناء الوطن مهما كان خطؤهم في حفه.

نحب مصر حين نبنى جسورا بين متناقضين ، ستصب على بناة الجسور آلاف اللعنات ، سيتم تكفيرهم او تخوينهم ، سيتم اتهامهم بتهم ما أنزل الله بها من سلطان .. لكن عليهم أن يصمدوا .. ويواصلوا نقدهم البناء لمظالم الطرفين حتى تستقيم الأمور وحتى تعود مصر حاضنة دافئة لكل أبنائها.

##

مقالات اخرى للكاتب

ومتى يعتذر بقية الأحياء من تحالف كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام؟