20 - 10 - 2024

دون عصفور.. حروب الخيال القديم

دون عصفور.. حروب الخيال القديم

(وقال لي سرفانتس: "تعال لتكتب عن دون عصفور"، قلت: "في بلادي يسمح الوزراء بانتقاد الأنبياء ويحبسون من يبين أخطاءهم هم، الوزراء معصومون يا سيد سرفانتس عصمة قتلة شهداء ثورة يناير"، قال لي: "جرب، ألم تسمع عن البطة العرجاء؟" قلت:" ذلك في فرنسا". قال: " لكنني شاهدت كاريكاتيرا ساخرا في روزا اليوسف ينتقد الوزراء". قلت: "كان ذلك أيام النحاس باشا، الآن رئيسة روزا تهدد الصحفيين بعلاقاتها بالأمن.. اسمع يا سرفانتس أنت تريد أن تكتب عن دون عصفور.. وقلبي الصغير لا يحتمل أن يشاركك.. تفضل وتحمل)

أين تكون البداية يا سيد؟ من حمل قميص أمل دنقل بعد غض الطرف عن معاناته طيلة حياته، أم من رفع لواء رفاعة رافع الطهطاوي ومحمد عبده وأحمد لطفي السيد وطه حسين دون الانتصار لأبسط مبادئهم: الحرية الفكرية.. أم من التشبث بمدارس نقدية غربية ترجمة وتبنيا وغرسا وحماية واعتناقا مفرط التطرف دون النظر إلى البيئة التي نقلت منها المدرسة ولا إلى الأهم: إلى البيئة التي ستستقبل؟

الأمر إذن هو البحث عن مكان ومكانة.. كيف؟ لا يهم.. أين.. لا يهم.. إن كانت معركة فلنطلق تصريحاتنا من خلف خطوط المنتصر.. وإن لم تكن.. فلنصنع معركة.. 

النقلة الكبرى كانت في هندسته للحظيرة، وتحويل مقدرات وزارة الثقافة إلى منح للمرضي عنهم أو من يظن أنهم ذوو خطر، وقد اعتمدت الحظيرة على المبدأ الأثير للتفكيكي الأسير بحلم الهيمنة والحظوة: ترويض النمور دون الوصول إلى اليوم العاشر، والاستيعاب المستمر.

لم يكن غريبا إذن حين تبين سقوط مبارك أن يتم الاستعانة بسيد الأقوال البلاستيكية؛ إنه المنقذ.. لكن السيد يعرف الحقيقة، هو من يلبس القط ثوب الأسد ثم يقف إلى جواره مرتعدا.. لذلك فهو أدرى بنفسه.

في الاجتماع الأول| الأخير وجد أنه مستدعى إلى مهمة إن نجحت كتب الفضل فيها لغيره دون أن يحصل هو على (عرقه) و (حلوانه)..كما أن أنف الفأر شمت الماء من كل مكان فكانت القفزة.. هناك روايتان أن انتهاءعصره جاء لقبوله الوزارة، والرواية التي نميل لتصديقها: أن البصيرة الثورية التي عمت الأجواء كانت كاشفة مما ألجأ رجال مبارك إلى التواري.

لقاء مع الرئيس ملأته وجوه رجال مبارك، وكان نطق الرئيس باسمه أكثر من مرة مؤشرا على أن هناك جائزة في الطريق؛ وبدا أن التفكيكي حل الشفرة الجديدة وحجز لنفسه مكانا آمنا دافئا.

أذكر أنه كتب مقالين عن فساد الجوائز في هيئة ما، ورد عليه رئيس الهيئة بما يليق بهما، وحين وجد الدون نفسه وزيرًا بدلا من أن يبطش بربيب الهانم تركه مكانه وجعل طلباته مجابة.

أخرج التفكيكي من جواله ما لديه، هذا كيس القضايا البراقة، هؤلاء فرسان الحظيرة الجدد، هذه الأوراق اتفاقيات خلابة.. لأبدأ العمل.

ما فاتك يا دون أنك تعمل بالخيال القديم نفسه، الخيال الذي تجاوزه الصغار الذين صاروا فتية ثم فرسانا ناهيك عن أن جرابك لم يعد يحوي إلا الألعاب البالية، ثم إن من سكان الحظيرة من يرون أنهم شركاء وورثة مثلما أنت شريك ووريث.. لذلك فكل ما لديك على المحك.. 

ولئن كان على دون كيشوت أن الزمان تغير؛ فإن على دون هذا الزمان أن يعرف أن سكان الحظيرة يرون أنه لا شيء تغير بالمرة غير أننا حين فتحت الحظيرة كان هناك راع.. الآن راعينا مِنا إن تفضلنا عليه بذلك.

لا يدرك الدون أنه بين شقي الرحي؛ فلا الثوار يصدقون أنك ثوري.. ولا سكان الحظيرة سيسمحون لك حتى بتغيير لون القناع.. 

(اسمح لي يا سرفانتس، "لم يعد الأمر كوميديا.. بل كوميديا سوداء.. عبث أسود.." نظر لي سرفانتس: "وما علاقتك؟ "أنت محض راو، حامل رسالة، وإنا ميخائيل سرفانتس من يتحمل مغبة ما جرى) 

 

مقالات اخرى للكاتب

الغلبان سُلطانًا ..  كيف قاومَ المصريون الكوارث والأخطار والطغاة؟