17 - 07 - 2024

عَزَّافُ اللّظَىْ

عَزَّافُ اللّظَىْ

لاموا  عليّ  الشدوَ   قلتُ  رُويدكم        

من   ذا   يلومُ   العبقريَّ   الملْهما

غيري يسُوقُ الشعرَ فضلَ بلاغةٍ        

وأنا  أُفجّر   في منابِعه الدما!!

تلك كلمات شاعر مصر الكبير محمود حسن إسماعيل عن نفسه، وهى كلمات بالغة الصدق بالغة الدلالة، فلقد كان الشاعر هكذا تماما، وأنا شخصيا يحلو لى دائما أن أسميه شاعر الشعراء، ولا أعنى بذلك أنه أميرهم أو أولهم أو عمدتهم، وإنما أقصد أنه إذا كان الشاعر المجيد يطرب القراء ويدهش السامعين، فإن محمود حسن إسماعيل يدهش الشعراء ويطرب أرواحهم، ويجد كل منهم لديه ما يستهويه ويؤثر فيه بدرجة أو بأخرى، إلى حد أننا نجد أن من الصعب تماما العثور على شاعر ممن جاءوا بعده، أو حتى ممن جايلوه، قد أفلت من تأثيره ونجا من أصداء لحنه الشعرى الخاص.

منذ أن أصدر الشاعر ديوانه الشعرى الأول "أغانى الكوخ" وهو يمثل لحناً شعرياً بالغ التفرد، يشعرك بأنه يريد لصوته أن يتمايز عن كل الألحان، طريقته فى التصوير الشعرى لا تشبه أياً من طرق الشعراء، تنويعاته التى يبتكرها تحمل سمته وحده وبصمته الذاتية، على الرغم من أنه لا يشذ عن الفلك الخليلى العام، حتى مفرداته لا تشعر معها إلا أنك أمام شاعر يود لو أعاد اختراع اللغة اختراعاً، بل إنك تشعر أنه يتمنى لو سار فى الحياة فى طرق لم يمش بها سواه قبله، اتقاءً لأن تقع قدمه على أثر لقدم سارت على الطريق من قبله.

رأى البعض شخصيته مركبة كشعره، ورأى آخرون أنه فى تفرده لا يخلو إبداعه من صوت برىٌّ حيناً، أو حتى ملمح وحشىٌّ حيناً، لكن الجميع اتفقوا أن ما بين " أغانى الكوخ" و"موسيقى من السر" يجرى نهر فريد من الإبداع الشعرى الهادر يرق حيناً فيكتسب غنائية فريدة، ويهدر حيناً فيحمل عنفواناً وطنياً غاضباً نبيلاً، ويعمق حيناً فتبين ملامح نفس صوفى جميل فى أنسامه، وتتوالى فى مياه هذا النهر موجات إثر موجات ، فمن "هكذا أغنى" إلى "نهر الحقيقة"، و"من هدير البرزخ" إلى "صلاة ورفض"، ومن "لابد" إلى " أين المفر"، ومن "نار وأصفاد" إلى "قاب قوسين" ، ومن "التائهون" إلى "رياح المغيب".

نعم، لقد كان محمود حسن إسماعيل صوتاً شعرياً بالغ الإبداع بالغ التفرد بالغ القدرة على الإدهاش، ولقد ظل دائماً يحمل فى شخصيته وفى أشعاره ملامح التميز والتفرد والنبوغ.

أَنَا شَاعِرُ الْوَادِيْ ! وَعَزَّافُ اللّظَىْ        

إِمَّا شَهَدْتُ جَنَانَهُ  مُتَألِّمَا

أهدي  العطور  لمن  يفي  لبلادهِ        

وأسوق  للطّاغي  الخؤون  جَهنّما

##

##

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة