29 - 06 - 2024

كلمة السيسي.. الصراع بين أسس الدولة المحترمة.. والواقع !

كلمة السيسي.. الصراع بين أسس الدولة المحترمة.. والواقع !

رغم أنه خطاب بدأ بمقدمة سيئة ، وإنتهي بخاتمة سيئة ، إلا أنه بوجه عام تمت كتابته (فيما يتعلق بالأفكار النظرية ، أو الموقف المصري من السياسة الخارجية) بصورة جيدة ، بغض النظر عن أن ما إحتواه من أفكار ، يناقضه الواقع تماما.

كما أنه واضح تماما أنه تدرب عليه نحويا ولغويا ، عشرات المرات، ولم يخطئ فيه إلا مرات قليلة، علي عكس خطابه الأول، الذي لم يقل فيه جملة واحدة صحيحة تقريبا.

بدأ الخطاب بعبارة سيئة لتحية من وصفهم "بآلاف المصريين" الذين قدموا معه من مصر وعديد من الولايات الأمريكية (أي أنه جابهم معاه عشان يهيصوله) ، ولا يوجد رئيس في العالم يفعل ذلك ، إلا لو كانت لديه أزمة شرعية.

وختم بعبارة "تحيا مصر" أكثر من مرة ، التي لا تحدث ربما إلا لدول مستقلة حديثا ، أو ما شابه.

نقاط الخطاب الجوهرية :

أولا : تأكيد أن ثورة 25 يناير .. ثورة عظيمة تمت ضد "الفساد وسلطة الفرد ، وطالبت بالحق في الحرية والكرامة".

وهذا إعتراف قاطع منه ، وفي الأمم المتحدة ، أن أي حديث عنها كمؤامرة .. هو نوع من الخبل والإنحطاط والعته.

ثانيا : أنه تحدث عن 30 يونيو كثورة ضد الإخوان كجماعة تستخدم الدين، وتعلي من مصلحتها علي حساب مصلحة الشعب، ولقيامها بالإستقطاب والإقصاء (أي أن الإقصاء والإستقطاب مبرر من مبررات الثورة ضد النظام!).

ثالثا : حاول التلاعب بالربط بين ما فعله ضد الإخوان في مصر بداعش ، وأن الإرهاب يصيب الدول الفقيرة والغنية ، ليستغل المناخ المعادي لداعش، لكن أي خبير أو محلل أو ديبلوماسي غربي يدرك أن ذلك غير صحيح، وأن "إقصاء" الإخوان رغم مساوئهم، سيؤدي لتقوية المعسكر الأشد تطرفا مثل داعش، أو أشباهها.

رابعا : حاول دغدغة مشاعر الدول الرأسمالية ، بالتأكيد أن الهدف هو الإلتزام "بإقتصاد السوق الحر" ، وأن ما أسماها "قناة السويس الجديدة" ، تعتبر كهدية من الشعب المصري للعالم.

خامسا : أكد مرارا أمام الأمم المتحدة أن "مصر الجديدة" التي يسعي إليها ضمن "عقد إجتماعي جديد" ، هي دولة "مدينة ديمقراطية" ، تطبق مبدأ المواطنة، وسيادة القانون وإستقلال القضاء والمساواة ، وتحترم الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والعيش المشترك، وتقوم بالواجبات، والعدالة الإجتماعية ، وتضمن حرية العقيدة وممارستها.

وهذا ما يناقضه كل ما يحدث في مصر منذ 3 يوليو ، من إعلام منحط موجه ، يشيع مناخ ليس فقط الإستقطاب والإقصاء ، بل الفاشية والتعطش للدماء والإبادة، وقضاء غير مستقل يحكم بالإعدام في جلسة واحدة علي المئات، ويخرج كل قتلة مئات المواطنين ، بل وحتي قادة ورموز النظام الذي وصفه هو نفسه "بالفساد وسلطة الفرد، وحرمان الشعب من الحرية والكرامة" .. ببراءة للجميع.

وبلا ضمان للكرامة ولا حقوق الإنسان مع قتل المئات والحكم بإعدام المئات، والتعذيب والإعتقالات السياسية، ومنع أبسط حقوق الإنسان مثل الحق في التظاهر، وإصدار أحكام بحبس المتظاهرين 15 عاما.

وإصدار قوانين في اليوم الذي يلقي فيه هذه الكلمة ، بتجنيد طلاب مخبرين ضد زملائهم والأساتذة، وبفصل الأساتذة المعارضين ، وحبس أي شخص يتعامل مع أي مؤسسة أجنبية أو محلية 25 عاما ، وغرامة 500 ألف جنيه.

ناهينا عن كل الفضائح والفظائع التي أرتكبت خلال العام الأخير.

والمشكلة أنه لا يمكن أن يتخيل أن ينجح في توجيه خطاب خيالي للخارج ، بينما الواقع يكذب كل ما قاله، كما أن ما ذكره سيعد وثيقة ملزمة ، لا يمكنه التنصل منها بأي حجة فيما بعد.

القضايا الخارجية :

سادسا : تحدث عن التوافق مع ليبيا في إطار مكافحة الإرهاب، وهو موقف ليس بالموفق، لأن مشاكل ليبيا مختلفة عن مصر، من مجتمع قبلي ، وصراعات مناطقية، وحالة سيولة وأسلحة في كل يد ، وأي تدخل لصالح طرف ضد آخرين، ستفجر الوضع هناك.

لكن في نفس الوقت فكرة مساهمة مصر في بناء الجيش الليبيي، لو تمت بالتوافق مع الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وبقبول الأطراف الليبية المتعددة، دون أي تدخل فظ ، بدو كعدوان خارجي ويهدد بمشاكل أخطر، تصل لدرجة جر مصر ليمن جديدة لسنوات طويلة، في حرب أهلية تصل لتقسيم ليبيا.

سابعا : ما ذكره عن العراق إيجابي، حول تشكيل حكومة وحدة وطنية ، وحصولها علي تصديق البرلمان العراقي، كخطوة في طريق عودة سلطة وسيادة الدولة العراقية والحفاظ علي وحدة أراضيها ، وإستعادة الأراضي التي سيطرت عليها داعش.

ثامنا : ما ذكره عن سوريا إيجابي ، من أنه لا بديل عن حل سياسي ، يحمي وحدتها وسلامة أراضيها وإستقلاليتها، وضمان عدم تفتت الدولة ، أو سيطرة الإرهاب علي أرضها ، وحماية حق الشعب السوري في الحياة الكريمة والآمنة. 

تاسعا : كان جيدا تركيزه علي جوهرية القضية الفلسطيينة للإستراتيجية المصرية ، مع تأكيده علي إقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من يونيو 1967 ، وعاصمتها القدس الشرقية، بإعتبارها مبادئ مصرية لا تخضع للمساومة ، وإلا فلن يكون هناك سلام ، ولا إستقرار.

عاشرا : تحدث عن حتمية تعاون الشعوب الأفريقية لتحقيق طموحات شعوبها في الحرية والتنمية ، والحفاظ علي كرامة الفرد، والإهتمام بالشباب وبضمان مستقبلهم، وأن نجاحها في ذلك ، هو فقط ما يضمن مستقبل دولها.

(وهو ما لم يقم بأي شيء منه في الداخل المصري حتي الآن ، بل علي العكس).

حادي عشر : تحدث بإيجابية عن مكانة مصر ومكانتها اللازم أن تقوم بها، بمسئولية خاصة، وبالذات تجاه الأمن القومي العربي، الذي يعد في نفس الوقت جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري,

وكذلك حديثه عن حتمية إستقلالية القرار المصري، بأن يكون الشعب وحده هو ما يحدد قرارات مصر الداخلية والخارجية، وهو ما يبدو مجرد شعارات لم تتحقق علي أرض الواقع حتي الآن.

ثاني عشر : جيد إعادة التركيز علي ضرورة إصلاح نظام الأمم المتحدة ، والترويج لأن تكون مصر عضوا غير دائم في مجلس الأمن في عامي 2016 و 2017. ، بل وإمكان أن تكون عضوا دائما في حالة إصلاح منظومة الأمم المتحدة كممثلة لأفريقيا والعالم العربي والإسلامي والشرق الأوسط ، ولكن طبعا حين تصبح فعلا دولة مدنية ديمقراطية مستقلة.

الخلاصة أنها كانت صياغة جيدة من وزارة الخارجية المصرية ، تحتاج إلي تعديلات بسيطة في القضايا الخارجية ، لكن تخالفها كل الوقائع علي الأرض، وحتي لحظة إلقاء الكلمة ، من مناخ وقوانين وإجراءات وتصرفات ، تدعم الدولة الإستبدادية ، وليس ما ينادي به.

ويكون واهما جدا إذا إعتقد أنه بما قاله ، ضحك علي الغرب وحصل علي الشرعية الدولية، فالغرب يدرك ما يحدث في مصر بالتفاصيل، ويكفي إنتقاد السفير الألماني الجديد للأحكام القضائية الجائرة ووصفها بأنها تخالف المعايير العالمية، وتأكيده أن المستشارة ميركل ستلتقي السيسي في برلين في مطلع العام المقبل، ولكن فقط .. لو تم إجراء الإنتخابات البرلمانية.

لكن الميزة الأكبر، أنه أجبر في الأمم المتحدة علي قول .. أسس الدولة المحترمة التي يقبلها العالم ، ويكون الإنسان فخورا بالإنتماء لها ، وليس .. لا مؤاخذة ما نعيشه حاليا !

##

مقالات اخرى للكاتب

بشرة خير !





اعلان