29 - 06 - 2024

44 عاما .. وما زال ناصر حيا (صور نادرة)

44 عاما .. وما زال ناصر حيا (صور نادرة)

تتلاشى رويدا رويدا صورة عبدالناصر «الواقع» لتحل محلها صورة عبدالناصر «الاسطورة». فعل التاريخ ذلك مع كل أبطاله من يوليوس قيصر الى الاسكندر الى نابليون. ومن السموأل والمهلهل الى أحمد عرابي وأدهم الشرقاوي.. كلما تباعد الزمن بالأبطال صعب عليك ان ترى التجاعيد التي ترتسم فوق وجوههم، إذ  تلفهم هالة ضوء تساعدهم على نفض رداءة الواقع وانكساراته.

لم يعد أحد الان معنيا بانكسارات عبدالناصر.. نحن معنيون الان به مناضلا وطنيا.. وزعيما ثوريا.. ومفجرا لأحلام القومية والكرامة.. وثائرا حمل هموم الامة في قلبه فحملته في نن العين. معنيون به الان كبطل اسطوري هز الامة العربية وايقظها من المحيط الى الخليج.. كان يجسد حلما بالنسبة لهم.. حلم البطل الشعبي المفقود الذي يحارب الأعداء بسيف باتر لوحته شمس التاريخ وزادته صلابة عبقرية الجغرافيا.. وليس بسيوف خشبية مهترئة.

طرح الرجل احلاما بعضها اصبح واقعا وبعضها الاخر لم يمهله القدر حتى يحققه تاركا اياه لنا.. كأنه القدر يختبر صلابتنا وقدرتنا على تحقيق الاحلام. حلم الرجل بوطن متحرر من الاستعمار.. وكان. وحلم بعدالة وطنية.. تتكافأ فيها الفرص ويصبح الوطن ملكا للجميع وحقق ذلك. حلم بصناعة وطنية متينة.. تضع أساس مستقبل لا يستطيع احد ان يفرض ارادته عليك.. ونجح في ذلك. أمم القناة ومصر المدارس والممتلكات ودعا الفقراء ان يرفعوا رؤوسهم بعد ان كانوا يعانون السخرة.. «ارفع رأسك ياأخي فقد انتهى عصر الاستعباد». فلما رفعنا رؤوسنا.. سقطت رأسه هو واختاره الله الى جواره.

وبعد أن كان حقيقة تحول الى خيال.. وأغنية نرددها على امتداد الوطن.. أغنية عفوية لا مؤلف لها ولا ملحن الا الضمير العام. «الوداع ياجمال.. ياحبيب الملايين» وقف عبدالناصر الى جوار كل محاولة للتوحد بين العرب وضد كل محاولة للفرقة وحتى حينما فشلت تجربة الوحدة المصرية السورية بسبب أخطاء ومؤامرات صغيرة رفض التدخل لمنع الانقلاب الذي يستهدف الانفصال.. اراد دائما ان يسير وراء مشاعر الناس. أخلص لهم الحب فعشقوه قدرهم فرفعوه الى سماء احلامهم لم يكن ناصر يفكر في مصر وحدها.. بقدر ما كان يفكر في مكانتها وسط بحرها العربي ومحيطها الاسلامي وفضائها الافريقي. كان هاجسه ان يصنع كيانا قويا يستعصي على عودة الاستعمار.. كيانا قويا يستغني بذاته من الاخرين ويفرض ارادته في وجه الطامعين. اراد لنا ان ننعم بثرواتنا.. والا يشاركنا احد خيرات امتنا الا برضانا وان يطرد كل قدم غازية تحتل ارضنا.

ولانه رجل من طراز نادر، وزعيم لا يتكرر، وشخصية كاريزمية رآه كل الطامعين في مقدرات الامة والخائفين من مشاعر الناس وارادتهم باعتباره خطرا وشرا مستطيرا عليهم. حينما كان على قيد الحياة كانت للعرب هيبتهم رغم الخلافات والتمزق وبقايا ايادي الاستعمار والانكسارات. وحينما مات ضاعت الهيبة رغم محاولات التخندق ضد الخطر وتوحيد الصف وزوال الاستعمار المباشر وما تحقق من بعض انتصارات.

من يؤمنون بالوحدة بين الدول العربية يؤكدون انه لابد من انبعاث ناصر جديد. فشخص بمواصفاته وحده يمكن معه ان يتحول هذا الحلم المزمن الى واقع.. يحلم به المصريون احيانا.. حينما يجدون صناعتهم الوطنية وهي تباع في اطار الخصخصة وحينما يجدون ان العدالة الاجتماعية التي أفنى عمره من أجلها اصبحت شعارا ليس له علاقة بالواقع. وحينما يجدون بعض الاصوات المتخاذلة وهي تدعو مصر للانكفاء على ذاتها ووضع استراتيجية مبنية على مصالحها فقط والانسحاب من التزاماتها العربية.

 اما العرب فيحلمون به دائما.. ربما يتذكر من يعيش بيننا من الجيل السابق علينا كيف كان ينتظر واضعا الراديو على اذنه خطاب الزعيم الذي ينتشله من الواقع الذي كان مزريا الى بهجة الحلم.. يحلم به العرب حينما يجدون الغرب يتطاول علينا. على اسلامنا ومقدساتنا، ورغبتنا في التحرر، ورغبتنا في صيانة قرارنا الوطني واستقلالنا الذاتي، وحقنا من ان نجتمع او نتفرق ـ حقنا ان نرفع اسعار البترول او نخفضها او حتى نسكبه في مياه المحيطات.

لذلك كان ناصر حاضرا في ثورة 25 يناير ، بأحلامه وأحلامنا ، بصوره وأغاني عصره ، بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، كلما داعب مخيلتهم زعيم شبهوه بناصر ، لعل وعسى ، يمشي على خطاه ، فيرفع رؤوس البسطاء ، ويأخذ من الأغنياء ليمنح الفقراء ، يستقوي على القوي ويحنو على الضعيف ، يموت وليس في حسابه غير راتب الشهر الأخير.

سيظل ناصر حلما جميلا ، لم تفلح 44 عاما منذ شيعه المصريون في تحويله إلى مجرد ذكرى ، بل ظل المصريون حالمين بأن يأتي ذات يوم على حصان أبيض او ينبعث من تحت الركام مثل عنقاء اسطورية ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 






اعلان