19 - 10 - 2024

المشكلة - رد الفعل - وضع الحل

المشكلة - رد الفعل - وضع الحل

فليكن مقال اليوم حدوتة، حدوتة عن ذلك المدير الديكتاتوري، الذي ينشر فكرة أنه ديمقراطي ويراعي مصالح الأقليات بين العامة فقط لخداعهم، لكنه في حقيقة الأمر يهتم بمصالحه الشخصية فقط، ويسعى للسيطرة التامة على الجميع.

هذا المدير يعلم جيداً أن إستخدام العصا والسوط في السيطرة على الموظفين العاملين لديه أو حتى العاملين معه في نفس الشركة سيضعه في صورة المدير الفاشي (فاشي وليس فاشل)، شيئاً فشيئاً سترفض الشعوب (أقصد الموظفين) ذلك، مع مرور الوقت سينكشف أمره ويطرد من الشركة شر طردة .

لكن المدير عنده مدير مكتب (سكرتير يعني) يفكر له، وفي الحقيقة هو سكرتير لم تنجبه ولادة، لو كان يهودياً لما كان بهذا الخبث والدهاء والمكر، السكرتير وضع إستراتيجية خطيرة تمكن المدير من السيطرة على الموظفين كافة دون حتى أن يظهر في الصورة، إستراتيجية تسمى "المشكلة - رد الفعل - وضع الحل".

كتالوج هذه النظرية بسيط جداً، ويتلخص في الأتي، اصنع المشكلة وانتظر حتى تكبر وتحقق نتائجها المرجوة، دع رد الفعل التلقائي يظهر وينتشر ويتوغل دون تدخل منك (لا مانع من بعض التاش الخفيف)، يلجأ إليك الجميع لوضع حل لكل تلك المشاكل (التي من المفترض لا دخل لك بها) فتظهر في صورة المخلص وحامي حمى الجميع.

في أقرب حركة ترقيات يقوم المدير بترقية شخص فاشل لمنصب رئيس القسم، الشخص الفاشل لابد من وجود مبرر لاختياره وإلا أصبحت اللعبة مكشوفة، أو وصف المدير نفسه بالفاشل، لذلك تم اختيار رئيس قسم توجد في حياته نقطة إيجابية، فلقد كان مشاركاً في عملية إسترداد أرض الشركة التي إستولت عليها الضرائب، رغم أن إسترداد الأرض كان عمل جماعي، إلا أن الموظفين ظلوا على تطبيلهم لرئيس القسم، واصفين إياه بأنه صاحب أول جلسة قضائية.

الأن يبدأ رئيس القسم العمل دون توجيه من أحد، لكن شخص فاشل ماذا تنتظرون منه؟؟ أكيد لن يأتي بجديد، وأكيد لن يخترع الذرة، قرارات فاشلة مستمرة ستؤدي في النهاية لأن يصبح مرفوضاً مرفوضاً مرفوضاً يا ولدي، بديهي رئيس القسم يدين بالولاء للمدير، هو ولي نعمته وهو من أجلسه على الكرسي، وكلما إستعان به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كان المدير إما يرفع يده عنه مطالباً إياه بالتصرف وحده، أو يتسبب في إغراقه أكثر وأكثر.

رد الفعل  الطبيعي والبديهي أن الموظفين بدأوا في التذمر، والتذمر تحول إلى شكوى، والشكوى تحولت لصراخ، والصراخ تحول لغضب، والغضب تحول لإعتراض صريح على وجود رئيس القسم على هذا الكرسي، لا يوجد مانع من أن يقوم المدير من حين لآخر بإستقطاب بعض المعارضين الذين يتوسم فيه أن يصبحوا خليفة رئيس القسم، لا يوجد مانع من أن ينصرهم عليه معتبراً أنه أخطأ عندما اختاره في هذا المنصب، لا يوجد مانع من أن يعبر صراحة أنه خدع فيه.

الموظفون المعارضون كثيرون، ويختلف كل موظف عن الآخر في الطريقة المثلى لانقاذ القسم، منهم من يرفع شعارات اسلامية، منهم من ينادي بالشفافية، البعض يطلب الليبرالية، الكل مختلف، في نفس الوقت الكل متحد على الإطاحة برئيس القسم بعد أن فاحت رائحة فساده، لا مانع من أن يقوم المدير بإقناع كل صاحب تيار فكري انه هو الأنسب في المرحلة القادمة، لا يعلم أصحاب التيارات المختلفة أن المدير لا يفهم سوى تيار واحد فقط... التيار الكهربي.

يأتي وقت وضع حل لتلك المشكلة، بعد أن أصبح رد الفعل الطبيعي والتلقائي كبيراً وملحوظاً ويمكن أن يخرج عن سيطرة المدير نفسه، بل إن رد الفعل لو ترك دون وصاية لربما طال المدير نفسه، لذلك يسرع المدير بدعم الموظفين، الاشادة بمواقفهم، بل ويطلب من رئيس القسم أن يستمع لهم ويحقق مطالبهم... وباي باي رئيس القسم.

طيب كرسي رئيس القسم يفضل كده فاضي؟؟ ده حتى يبقى فال وحش، الحل بسيط جداً، والحل يتمثل في تطبيق نفس إستراتيجية "المشكلة - رد الفعل - وضع الحل" مرة أخرى :] .

خلو كرسي رئيس القسم هو في حد ذاته مشكلة، ورد الفعل الطبيعي والبديهي هو بحث الموظفين عن شخص جديد يصلح رئيس قسم، طبعاً كل تيار سيقول أنا الأحق، لكن غالبية الموظفين سيرتمون في أحضان أكثر فصيل تعرض للظلم في عهد رئيس القسم السابق، على الرغم من أن الجميع تعرض للظلم، الجميع على علاقة خفية بالمدير، الجميع يريد تحقيق ذاته لنفسه وليس إرضاء لباقي الموظفين الذين وقفوا بجواره في يوم من الأيام.

يظهر الحل في تولي شخص رئاسة القسم، الذي سيكون (للصدفة السعيدة) أيضاً أكثر الموظفين فشلاً، لتتكون المشكلة مرة أخرى، ويظهر رد فعل طبيعي بديهي مرة أخرى، ويتدخل المدير لوضع الحل مرة أخرى، ويستمر المسلسل إلى ما شاء الله، أو إلى أن يأتي شخض يكسر هذه السلسلة ويطيح بالمدير نفسه أو على أقل تقدير يكشفه أمام كافة الموظفين مقلماً أظافره مكبلاً يديه بالأغلال.

الخوف كل الخوف أن إنكشاف الحقيقة وتكبيل اليد بالأغلال سيكون لفترة مؤقتة، والسبب بسيط، سكرتير المدير مازال موجوداً، ذلك السكرتير الذي نسيتموه في ظل الأحداث المتتالية المتلاحقة، ذلك السكتير الذي سيعود حتماً بفكرة جديدة، وإستراتيجية جديدة.

##

مقالات اخرى للكاتب

أجدع من عتريس !