16 - 08 - 2024

تحليل إخباري: هذا ماتريده الولايات المتحدة الآن من مصر

تحليل إخباري: هذا ماتريده الولايات المتحدة الآن من مصر

- مصر ستقود تحالفا بمظلة عربية وبطلب من البرلمان الليبي لفرض الاستقرار في ليبيا

- تقرير"هيومن رايتس ووتش" ليس تعبيرا عن رأي واشنطن.. لكنها تنتظر انتخابات برلمانية حرة لتهمش دعمها لـ"الإخوان"

- مسؤول أمريكي يتساءل تعليقا على زيارة السيسي لروسيا:  "لماذا  تريد مصر سلاحا وهل  هناك عدو محتمل؟"

لم تكن  زيارة  عضو الكونجرس  الجمهوري  داريل عيسي قبل اسبوع لمصر زيارة اعتيادية، ولن تكون الأخيرة،  فهناك استعدادات تجري في واشنطن هذه الأيام  لزيارات أخري  يقوم بها أعضاء من الكونجرس الأمريكي، المعنيين بشئون الدفاع، والميزانية، والأمن و التجارة، وهو الأمر الذي يعكس جانب كبير من نوايا واشنطن في التعاطي مع الشأن المصري علي المدي المنظور.
وحسب معلوماتي فإن  زيارة عيسي شأنها  شأن زيارات أمريكية أخري، علي الأقل  خلال -العام الأخير -  لم يخرج منها  الجانب الأمريكي أو يحصل علي شيء من القاهرة كما كانوا اعتادوا علي مدي سنوات منصرمة، لكنهم مستمرون في محاولتهم للحفاظ علي العلاقة مع مصر ومعالجة ما يوصف بـ"اخفاقات من قبل سياسة إدارة أوباما الخارجية هددت بخسارة مصر".
 لذا  كانت تصريحات داريل عيسي بعد اجتماعاته بالقاهرة متماشية مع هذا التوجه، ولمن لا يعرف عيسي اللبناني الأصل-هو أغني عضو بالكونجرس  ثروته  قدرت العام الماضي بـ 450 مليون دولار-  ورئيس اللجنة المعنية بمراقبة أداء الحكومة، والتي تراقب وتتابع التحقيقات في أداء الخارجية  الأمريكية بشأن حادث مقتل السفير الأمريكي في بنغازي  بليبيا، ناهيك عن عضويته بأكثر من 45 "CAUCUS "، أو التكتلات المتخصصة لأعضاء الكونجرس لعل أهمها  بالنسبة لنا تكتلات "الجيش، والانترنت، والسياحة، والصناعات الصغيرة".
لذا رأينا داريل عيسي بعد لقائه الرئيس السيسي، يفصح بأن النقاش تناول "التحديات السورية، والوضع في سيناء، والسلاح القادم من ليبيا"، وذلك قبل أن يؤكد علي رغبة الولايات المتحدة، في تطوير التعاون مع مصر خلال المرحلة القادمة لتشمل التعاون العسكري والتصنيع العسكري، مثل تجميع الدبابات "أم1 أيه1" في مصر، والعديد من المشروعات المشتركة الأخرى، بالإضافة للتعاون في مجالات "التجارة، والاقتصاد"، بما في ذلك مشروعات التنمية الجديدة في منطقة قناة السويس.
وإذا كانت هذه التصريحات حملت في طياتها الكثير من ملامح التعاطي الأمريكي الحالي سواء، داخل الإدارة، أو بالكونجرس، تجاه  مصر كلاهما "بيت أبيض، و كونجرس" متحدين دوما تحت راية المصلحة الأمريكية، عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع الخارج، وكثيرا مايمارسون لعبة "تبادل الأدوار"، فما الذي تريده واشنطن الآن من مصر؟، الإجابة علي هذا السؤال تتلخص في 3 ملفات "ليبيا- إسرائيل- المحافظة علي مصر كحليف عضوى"، ولعل ذلك يفسر بعض من غضب واشنطن الأخير، ردًا علي تصريحات الخارجية المصرية، بشأن احتجاجات فيرجسون، فمن وجهة النظر الأمريكية، "الانتقادات المصرية جاءت في وقت كانت واشنطن تبذل فيه جهدًا غير معتاد لإعادة العلاقات إلي سابق دفئها".
وهذا أيضا يجعلنا نتوقف عند موضوع التقارب "المصري- الروسي" الأخير، وبعيدا عن تفسيرات معظم وسائل الإعلام المصرية وردود الأفعال المتداولة في مصر بخصوص تقييم إدارة أوباما لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة لموسكو، فإن نظرة فاحصة وواقعية لحقيقة كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية، و كذلك مختلف وسائل الإعلام تشي بصورة مختلفة. ونورد هنا تفسيرات مصادر أمريكية عدة ممن ناقشتهم في الأمر و كلهم علي علم  بتفاصيل هذه الصورة، لقد أجمع معظم من تحدثت معهم علي أن المتحدثة كانت تعبر ودون تفصيل عن واقع مسلم به في واشنطن، وأن واشنطن قررت دعم  مشروعات تنموية في مصر، لاسيما في مجال السياحة والتكنولوجيا، بالإضافة إلي دور تنتظره من مصر للمشاركة في مشروعات  تنموية بالقارة الأفريقية في المدي المنظور.. أنقل هنا رأي مسئول أمريكي سابق كانت وظيفته لعقود تحليل الموقف في مصر، والشرق الأوسط  لمجلس الأمن القومي الأمريكي، فالرجل قال ببساطة: "لا يوجد أي غضب في أمريكا بسبب هذه الزيارة أو الاتفاقات المزمع عقدها بين القاهرة وموسكو"  في إشارة لصفقة السلاح.
و قال تحديدا: "هناك علاقة استراتيجية بين المؤسستين العسكريتين في البلدين (أمريكا و مصر)، وهناك نوع من التكامل اللوجستي و في التدريب و نظم التسليح والذخيرة، والإدارة، والإتصالات وغيرها..، و كل  نظم المراقبة الجوية وعمليات السيطرة (أرض - جو)، وغيرها..، كلها توضح إلي مدي بعيد أن العلاقات بين البلدين استراتيجية وعضوية"، متابعا: "بالتالي فمصر والتي لها طبعا الحق في الحصول علي سلاح من أي مكان، ونحن نعلم أنه مازال بحوزتها بعض نظم السلاح السوفيتي، وأن كان هناك الآن الأحدث منها، و لكن سيكون أمامكم وقت طويل لإحلال السلاح الأمريكي، لن يقل عن مدة قيام مصر من قبل وبعد "كامب ديفيد" من إحلال نظام تسليحها للنظام الأمريكي، عموما فمصر لازلت لديها خبرة التعامل مع السلاح الروسي السوفيتي"، موجهًا حديثه لشخصى: "دعيني أسألك هنا لماذا تريد مصر سلاحا وهل هناك عدو محتمل؟"، أجبته بأنه يفترض أنني الصحفية، ومن يوجه الاسئلة، وبأنه ليس بالضرورة لأي بلد أن يكون لديها عدو متربص بالحدود لتحمي نفسها!!، هكذا أنتم تفعلون أليس كذلك؟.
وكانت أجابته: أنه "بغض النظر عن المعني المدفون في تعليقي، فإنه حتي في حالة اصبحت إسرائيل أو قامت بفعل عدائي تجاه مصر فإن عقيدة مصر العسكرية دفاعية بالدرجة الأولي، لذا كان ولازال سلاح المدفعية هو الاقوي في الجيش المصري، و التطور كان كبيرًا لديكم في المدفعية، والصواريخ  (قصيرة ومتوسطة المدي)، وهو مايمكن مصر من توجيهها عبر سيناء كمنطقة عازلة، ولكن في كل الأحوال فإنه وبإفتراض حتي أن قررالسيسي  اعتماد علاقات كاملة وأساسية مع موسكو ذلك لن يؤثر علي علاقات واشنطن والقاهرة، فلدينا نحن أيضا عقيدة سياسية تصرعلي ضرورة الحفاظ على كل اللاعبين في لعبة الأمم، أن صح لي استعارة التسمية فقط من مايلز كوبلاند".
سؤالي الأخير لك ولن أخرج قبل أن تحلل لنا وعلي أساس معلوماتي -كما اعتدت منك-  ماوراء مايتردد في واشنطن هذه الأيام حول الرغبة في أن تقوم مع مصر بالتنسيق لحل يحمل كل الفروض للوضع المتأزم في ليبيا؟، رد قائلا: "إنك تابعت القمة الأفريقية هنا قبل أسبوع، وتعلمين ربما عن بيان وتوافقات في اجتماعات أمريكية ودول الجوار الليبي، وسأترجم لك مابين السطور، وربما ما تم في الاجتماعات المغلقة، بإختصار لقد اتفق الجميع بمن فيهم مصر، والجزائر، وتونس، وآخرين علي ضرورة السيطرة علي الأوضاع في ليبيا، كانت ذلك الواجهة السياسية لكنني أري أن التحرك سيكون  بتواصل هذه الجهات مع أطراف داخلية في ليبيا، بهدف تبني استراتيجية موحدة يتم بموجبها دعم الطرف الليبي، وتزويده، بأذرع القوي اللازمة له، وقد يتطلب ذلك ضبط الأمر عسكريا بشرط أن يكون ذلك بناء، علي طلب صريح بمساعدة خارجية من قبل البرلمان الليبي، واعتقد أنهم علي هذا الدرب، وفي هذه الحالة فإن مصر هي المرشحة لقيادة هذا الدعم والذي لن يكون بالضرورة عسكريا مباشرة ولكن قد يكون سياسيا أو لوجستييا أو استخباراتيا، وهذا يشمل معظم دول الجوار، وربما تنضم إليهم المغرب والسعودية، أيضا لدي فكرة عن تأييد معظم دول جامعة الدول العربية للأمر  ومعارضة دولتين "قطر والسودان"، إلا أنني اعتقد أن السودان ستقتنع وتنضم للأغلبية!، وربما يمكن الحصول علي قرار من الجامعة شبيه بالذي اتخذ من قبل  لتسهيل مهمة الناتو في ليبيا، ولكن قوات الأطلسي لن تقوم بعمل مباشر فهناك معارضة دولية لأي تدخل أجنبي آخر في ليبيا، لكن الناتو سيقدم  دعما غير مباشر مع المجموعة العربية لمساعدة الليبيين علي  التخلص من الميليشيات المسلحة هناك.
هذا  الكلام الهام اتفق بشأنه مصدر أمريكي آخر لا يقل أهمية عن المصدر الأول لكنه أفاض بشأن السياسة الأمريكية تجاه مصر لاسيما رد الفعل الأمريكي الرسمي بخصوص تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش، حيث آصر علي أن تلك المنظمة ليست أحد الأذرع السياسية  للإدارة الأمريكية، وهنا أود أن  الفت نظر القاريء  إلي أن تأسيس هذه  المنظمة كان  بقرار أمريكي سياسي لمواجهة منظمة العفو الدولية "امنستي"، وفي ظرف دولي  وجدت فيها أمريكا نفسها في حاجة لدعم  إنشاء منظمة حقوقية تكون بواجهة حيادية فتأسست المنظمة عام 1988 باسم "هيومن رايتس ووتش"، من   كنف "لجنة مراقبة اتفاقيات هلسنكي"، و التي كانت  تعني بمراقبة مدى امتثال دول الكتلة الاشتراكية للأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان في الاتفاقية، ومن لجنة لمراقبة الأميريكتين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
وعودة لما قاله المصدر الأمريكي الثاني و الذي اعترف في نهاية الأمر بأن كثيرًا ما تتماشي اهتمامات "هيومن رايتس"، مع اهتمامات السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه أكد أن تصريحات الخارجية الأمريكية الأخير بخصوص ذكري فض اعتصامى ميداني رابعة العدوية والنهضة، بأن الإدارة الأمريكية تقوم حاليا بمراجعة التقرير لبحث الوقائع المذكورة فيه وأن رد الفعل المبدئي الأمريكي هو الشعور بالانزعاج، تأتي لتعكس سياسة امريكية ثابتة بالحفاظ علي العلاقات مع كل اللاعبين، وحيث أن إدارة أوباما تدرك أن التقرير كان مرضيا لـ"الإخوان"، في نفس الوقت الذي لم يزعجها ردة الفعل الغاضبة في مصر تجاه التقرير وتجاهها -يقصد أمريكا- والكلام مازال لنفس المصدر: "مازالت بإنتظار تنفيذ آخر خطوات خارطة الطريق المصرية، أي الانتخابات التشريعية، والتي أعدت العدة لمتابعتها عن كثب، إذ تعتقد إدارة أوباما أنه لو سمح للإخوان بخوض هذه الانتخابات وحرصت مصر، علي تفعيل الشفافية وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة، وجاءت النتيجة بهزيمة الإخوان أوعدم حصولهم علي حجم كبير من تأييد   الشارع المصري، فستكون هذه النتيجة أكبر برهان لواشنطن علي تمكن وقوة منافسيهم، وبالتالي سقوط الإخوان، أمريكا  ستتعامل مع الأقوي، وستقلل كثيرًا من دعمها للإخوان، حتي لو احتفظت بعلاقات هامشية معهم، وأضاف: "وقتها ستتأكد لنا هزيمتهم لكن بشرط تأكدنا أيضا من نزاهة الانتخابات".