27 - 09 - 2024

معركة الإنهاك المتبادل

معركة الإنهاك المتبادل

إنفجار عبوتين ناسفتين أسفل نفق كفر الزيات بمحافظة الغربية.. العثور على قنبلة بدائية الصنع بجوار شريط السكك الحديدية بمدينة مغاغة بمحافظة المنيا ..ابطال مفعول قنبلة  بدائية الصنع  على طريق محور 26 يوليو بالقاهرة....كانت هذه بعض العناوين  التي  نشرتها الصحف  والمواقع الاخبارية  صباح  اليوم الاربعاء/ 1 اكتوبر /،فلا يكاد يمر يوم دون  أن نسمع  أو نقرأ خبرا  عن تفجير قنبلة هنا وإبطال مفعول عبوة هناك ، واحيانا  يسقط قتلى ومصابون واحيانا  يكون التفجير بلا اصابات.  وفي ظني أن هذه العمليات الإجرامية ستستمر لفترة من الزمن وقد يتسع نطاقها الجغرافي  لأنها ببساطة  جزء من حرب استنزاف  تستهدف  إنهاك السلطة الحالية أمنيا وسياسيا واقتصاديا على أمل اسقاطها .فمن يقفون وراءها  يسعون لإرباك  الحكم الجديد برئاسة المشير السيسي  ومضاعفة  متاعبه وإظهاره  بمظهر العاجز على تحقيق الأمن بالإضافة  للترويج  لفكرة أن مصر تعيش حالة  من عدم الاستقرار السياسي  وبالتالي  حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل . يدرك  من يقومون  بزرع وتفجير هذه العبوات   أن هذه الأعمال  ربما تستنزف بعضا  من قدرات السلطة  وتربك بعضا من حساباتها  لكنها لن تتمكن من اسقاط النظام  ولن تعيد الامور لما كانت عليه قبل 3 يوليو 2013، ويدركون أيضا أن  الدولة  المصرية  وعلى ضوء خبرات سابقة  كانت أقوى من  أي جماعة او تنظيم   يلجأ  لمواجهة عنيفة معها، لكنهم  يراهنون على أن  تؤدي  هذه الأعمال لمضاعفة الأزمات  في وجه  النظام وبالتالي اضعاف قدرته على حل مشاكل البلاد والعباد  المزمنة ما قد  يؤدي الى  اتساع رقعة السخط الشعبي عليه وبالتالي خروج الجماهير إلى الشوارع  للمطالبة  بإسقاطه. هذا الرهان يبدو حتى الآن خاسرا ، فكلما تكررت عمليات التفجير  والعنف كلما زادت قناعة الناس  بأن النظام الحالي  يبقى هو صمام الأمان لبقاء البلاد متماسكة ومستقرة والضمانة  الوحيدة لعدم تكرار سيناريوهات أكثر دموية  وفوضى  مثلما يحدث  في بلاد مجاورة. هناك حالة من السخط  بين قطاعات من المصريين من المعاناة المعيشية  وانفلات الاسعار والغلاء الذي يقصم ظهور غالبية المواطنين  وهناك غضب من تردي  الخدمات والمرافق وانقطاع الكهرباء والمياه بصورة غير مسبوقة ، لكن في المقابل هناك قناعة  لدى كثيرين في هذه اللحظة  بأن الوطن لم يعد يتحمل انفجارا آخر ربما لن  يكون كسابقيه  بل سيكون  مخيفا وهذا ما يدفع الغالبية للصبر والتحمل  والأمل في قدرة النظام الجديد على تحسين الأوضاع .هذا ما لا يريد  أن يدركه بعض خصوم السلطة  ممن قرروا اللجوء لاستخدام العنف  سبيلا للمواجهة. وعلى الجانب الآخر فان جناحا داخل السلطة  وقد يكون هو الأكثر نفوذا وتأثيرا يبدو حتى اللحظة منحازا  للمعالجات الأمنية  على حساب المعالجات السياسية  واللجوء لأساليب قمعية بل وتوسيع دائرة المواجهة الامنية لتشمل كل معارضي السلطة  تحت لافتة الحرب  على الإرهاب  .هذا الجناح بقدر ما يجد في أعمال الجماعات الإرهابية  مبررا  للتدليل على صحة موقفه  والتأكيد على سلامه حساباته ، فإنه في الوقت نفسه  ومن خلال بعض الممارسات  يقدم  الذريعة والغطاء الأخلاقي  ربما  لهذه الجماعات لمواصلة  أعمال العنف العشوائي الذي يضرب هنا وهناك    باعتبار أن ذلك رد وثأر من الممارسات القمعية  والانتهاكات  التي ترتكبها أجهزة الأمن  بحق  بعض المعارضين  وهذا ما  يدخلنا في دائرة مفرغة  من العنف . أما الأخطر من ذلك فإن  اطلاق يد أجهزة الامن وحدها وعدم ضبط ممارساتها  من شأنه  أن  يوجد حاضنة اجتماعية لجماعات العنف التي ستجد في مشاعر الغضب والاحتقان  لدى بعض ضحايا ممارسات الأمن  المأوي والملاذ. نحن إذن امام حرب استنزاف  متبادلة  ربما تطول  ولن يدفع ثمنها سوى الدولة المصرية   ومقدراتها ومستقبل شعبها ويستدعي اعادة النظر في الرؤى المعالجات. وإذا كان كان من غير المنطقي  دعوة المجرم  او الارهابي للكف عن إجرامه بل التصدي له وإجباره على ذلك ، فإن من الضروري  في المقابل  مطالبة السلطة بالعمل  على إعادة النظر في استراتيجيته مواجهة هذه العمليات الإرهابية  من خلال جملة من الخطوات  لاحتواء  هذا الخطر  ومحاصرته  والحيلولة  دون توفير أي حاضنة شعبية أو مجتمعية له ، وأولى هذه الخطوات  هي  تصحيح  الأخطاء التي ترتكبها أجهزة الأمن  سواء  ما يخص توسيع دائرة الاشتباه والاعتقالات العشوائية ،وتبييض السجون  من كل من جرى الزج بهم ظلما أو بدون تهم واضحة ودون أن يتورطوا في أعمال عنف .كما ينبغي إعادة الاعتبار للمعالجات والحلول السياسية التي توارت بشكل كبير في الفترة الاخيرة لصالح الحلول  الأمنية لكثير من الأزمات والملفات.

 

مقالات اخرى للكاتب

وحدهم الأحرار من عبروا  إلى النصر!