30 - 06 - 2024

قصة تهويد حي سلوان منذ 25 سنة، وابو مازن يبيعها في امريكا

قصة تهويد حي سلوان منذ 25 سنة، وابو مازن يبيعها في امريكا

يحكي "الياس الكركي" أنه استيقظ في الساعة الثانية صباحا على صوت ضجيج صادر من البيت المجاور، والذي كان يملكه سابقا ابنه "نبيل"، ويقول "رأيت مستوطنين يدخلون البيت، وسألت أحدهم عما يفعله. قال، "هذا منزلي"، دخلنا معهم في جدال واشتبك ابني مع الشرطة، ولكن كل ذلك كان من دون جدوى، فلا يزال أثاث ابني داخل البيت الذي استولى عليه المستوطن بمساعدة الشرطة".

بدأت القصة منذ ثلاثة اشهر، عندما باع نبيل بيته لعربي إسرائيلي يُدعى "فريد حاج يحيى" والذي كان قد التقاه خارج مكتب الأوقاف الإسلامية في الحرم القدسي، ادعى حاج يحيى، والذي كان يقوم بتوزيع الطعام على المصلين خلال إفطار رمضان، أنه يعمل مع الحركة الإسلامية في إسرائيل، التي يرأسها الشيخ رائد صلاح.

وقالت صحيفة "تايمز اوف يسرائيل" أنه على ما يبدو قام حاج يحيى ببيع المنزل لـ"مؤسسة مدينة داوود"، والمعروفة بإسم "إلعاد" والتي تعمل على شراء منازل في الأحياء العربية لتحل محل السكان العرب سكانا يهودا، وهي تقوم على ذلك منذ إنشائها قبل 25 عاما، وأوضحت الصحيفة أن إلعاد قبل اسكنت 500 يهودي في حي سلوان، الذي يقع لعى مسافة امتار قليلة جنوبي الحرم القدسي، قبل شروعها في حملة الشراء الجديدة، وبالإضافة إلى شراء منازل لليهود في الحي، تدير "إلعاد" الحفريات الأثرية في حديقة مدينة داوود الوطنية، في موقع يُعتقد بأنه كان النواة الأصلية للقدس التي شيدها الملك داوود قبل 3,000 عام.

وقال الكركي "لا يريدون ترك أي عربي في سلوان، أو في كل القدس"، أما "دورون سبيلمان" نائب رئيس جمعية "إلعاد"،فيقول أن هدف منظمته هو عكس ذلك تماما.

##

وأوضح سبيلمان "منذ تأسيس إلعاد أدركت منظمتنا على الدوام أن نجاح مدينة داوود مرتبط بنجاح العرب واليهود على حد سواء، وتقوم إلعاد حاليا بتشغيل عشرات العرب، واستفاد السكان المحليين من الطرق والإشارات الضوئية التي أدخلت على الحي"، وأضاف "أنا أفتخر بأن أقول أنه بشكل عام، العلاقات بين اليهود والعرب في سلوان علاقة جوار ودية" .

وادعى سبيلمان للصحيفة أن "السكان الفلسطينيين قد يخشون من الإعتراف علنا بالعلاقات الودية مع اليهود خوفا من الإنتقام، ولكن هذه العلاقات الودية موجودة، وتعد قاعدة، رغم بعض الإستثناءات".

وقالت الصحيفة ان حكاية الكركي تكررت مع 25مرة في تلك الليلة التي دخل فيها اليهود لبيت ابنه، حيث ترافقت حادثته مع دخول 25 اسرة يهودية الى 25شقة سكنية في سبع مبان سكنية، وسمع أحد السكان المحليين حراس الأمن الإسرائيليين يقولون أنه تم شراء عشرات البيوت العربية الأخرى في سلوان سرا، وسيدخلها يهود للسكن فيها بعد يوم الغفران يوم السبت.

غطت الشباك السلكية نوافذ منزل عائلة الكركي الذي بيع مؤخرا لمنع إلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة من قبل الفلسطينيين الغاضبين، ويقف حارس أمن بلباس مدني ويحمل مسدسا وهو يدخن سيجارة ويتحدث مع خمسة أو ستة عناصر من الشرطة يحملون البنادق ويبدو عليهم الملل.

وقالت الصحيفة أن الذين سكنوا في تلك الشقق "شبان يهود دخلوا للمنازل مع حقائب ظهر كبيرة، ومن الواضح أنهم مستعدون للبقاء طويلا، ورفضوا التحدث إلى تايمز أوف يسرائيل، ولكن المسؤول عنهم قال "انظر، نحن مجرد بيادق هنا"، وقال أحد الوافدين الجدد أن بإمكانه مغادرة المجمع في الوقت الذي يريده لشراء الكولا أو السجائر في محلات البقالة في المنطقة "ولكن يجب الخروج في مجموعة، لا تجرؤ على الخروج لوحدك".

وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء الشبان الـ"بيادق" هم ضمن الشباب الذين تجاوبوا مع اعلانات كانت قد نشرتها "إلعاد" مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت صحيفة "هآرتس" قد كشفت عنها الأربعاء الماضي، حيث جاء في اعلانات "عرض 500 شيقل يوميا الى مقاتلين سابقين عملوا في وحدات قتالية، وعلى استعداد للسكن في المنازل لمدة 10 أيام على الأقل، حتى وصول العائلات اليهودية".

ويقول سبيلمان من "إلعاد" للصحيفة أن "الأمن المشدد في الحي موجود لخدمة العرب واليهود على حد سواء".

##

واشارت الصحيفة الى إنتقادات الخارجية الأمريكية، والبيت الأبيض، والاتحاد الاوروبي الشديدة لتوسع الوجود اليهودي في سلوان، وكذلك نية إسرائيل بناء آلاف الوحدات السكنية لليهود والعرب في حي "غفعات هماطوس" جنوبي القدس، وهي الانتقادات التي رفضها نتنياهو وقال أنه سيكون من الظلم منع "الأفراد اليهود الذين اشتروا شقة في حي عربي من دخولها، في حين أنه يُسمح للعرب العيش بحرية في الجزء الغربي اليهودي من القدس".

واشارت تايمز اوف يسرائيل الى اعترافات وزير الإقتصاد "نفتالي بينيت" عبر مقطع فيديو تم تحميله من قبل مكتبه على موقع يوتيوب يوم الثلاثاء، ما يؤكد على أن الأمر ليس مجرد مبادرة من بعض الأفراد، وإنما تقود "إلعاد" جهودا مشتركة مع أبعاد تاريخية، في محاولة لإرجاع مدينة داوود إلى أياد يهودية.

وقال بينيت في الفيديو الذي تم تصويره في ليلة الحادثة ذاتها في سلوان "قبل حوالي 25 عاما، قررت مجموعة رائعة أنه يجب إرجاع مدينة داوود إلى الأيادي اليهودية، ببطء، وبصبر كبير، قاموا بشراء منازل بسعرها الكامل وبدأوا بإدخال عائلات يهودية للسكن فيها"، مضيفا "على مدى بضع سنوات، تم تنفيذ المعاملات بهدوء، وفي ليلة واحدة إستطاعوا إدخال سكان إلى عشرات المنازل وقاموا بمضاعفة عدد العائلات اليهودية هنا في مدينة داوود"، وقال أن "مدينة داوود أصبحت الآن ذات غالبية إسرائيلية، مما يعني أنها ستظل إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية، إن هذا حدث تاريخي يشعرنا بسعادة كبيرة".

وقالت "يهوديت أوبنهايمر" المديرة التنفيذية لمنظمة "عير عاميم" غير الحكومية والتي تسعى إلى جعل القدس مدينة أكثر إنصافا واستدامة للإسرائيليين والفلسطينيين، أنه "سواء كانت المعاملات في سلوان قانونية أم لا، تقع على الحكومة مسؤولية منعهم عن فعل ذلك لمنع تصاعد الإحتكاك بين المجموعات القومية في المدينة"، واكدت على أن "المستوطنون لا يجرون الحكومة إلى ذلك، بل أن الحكومة تتعاون معهم في تنفيذ هذه السياسة، فحتى من دون منع شراء المنازل الخاصة بإمكان الحكومة وقف تمويل الأمن الخاص للمجمعات اليهودية من ميزانية وزارة الإسكان، التي تقدر قيمتها بملايين الشواكل سنويا، وبإمكانها أن فرض مخالفات على انتهاكات البناء بصورة عادلة في حي تم تشييد جميع المنازل فيه من دون تصاريح تقريبا".

واشارت أوبنهايمر إلى أن "بعض العقارات التي سكنها المستوطنون أعطيت لهم من قبل مدير عام الدولة، والتي يتم تأجيرها لهم من دون مقابل"، موضحة أن "كل خطط التطوير في المنطقة تتطرق فقط إلى مشاريع للمجموعات الإستيطانية، فهل هناك حاجة لدلائل أخرى؟".

وعلق سبيلمان على ذلك قائلا أنه "يسمح لليهود بكل تأكيد شراء عقارات في هذه المنطقة من القدس، هذا حقنا القانوني الذي تضمنه دولة إسرائيل".

وقالت الصحيفة أن "مسألة التغيير الديمغرافي في سلوان ليست مسألة مبيعات مزورة بقدر كونها مسألة مجتمع فلسطيني محروم ومنقسم على نفسه يقوم ببيع أملاكه لمن يدفع أكثر، حتى لو كانت هوية المشتري مشكوك فيها".

##

*ابو مازن يبيع سلوان في امريكا

ويقول "محمد شحادة" 23 عاما، والذي قام جاره ببيع منزله إلى "إلعاد" قبل ثماني سنوات "أنا ألقي باللوم على السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، فالبيت الذي يرفرف عليه علم إسرائيلي كبير، مجهز بثلاث كاميرات مراقبة وغرفة محصنة ضد الرصاص على السطح، فعباس في أمريكا يقوم ببيعنا هنا في القدس، عندما يقول أن رام الله هي فلسطين"، مضيفا "نحن غاضبون، ولكن ما الذي بإمكاننا فعله؟ لا أحد يساعدنا".

ولفهم مدى التعقيد في الظروف التي تحيط معاملات سلوان، إليكم قضية عائلة سرحان، فقبل ثلاثة أعوام، قام "ناصر سرحان" ببيع شقته في منزل عائلته المكون من أربع طوابق إلى رجل من رام الله يُدعى "وائل أبو صبيح"، ثم انلعت الخلافات بينهما مطلع العام الماضي، فقام سرحان بإطلاق النار على أبو صبيح، وهو الآن يقضي عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات في إسرائيل، في وقت باكر من صباح يوم الثلاثاء الماضي، عندما دخل حراس الأمن الإسرائيليين شقة في الطابق الثاني، مستخدمين مفتاحها، أدرك أنس ابن سرحان،أن أبو صبيح قام ببيع البيت إلى اليهود، لإغاظة والده.

وقال أنس سرحان لتايمز أوف يسرائيل، بينما كان واقفا أمام باب الشقة، الذي تم حرقه على أيدي أطفال فلسطينيين بعد دخول الإسرائيليين، ثم تم استبداله بباب فولاذي "لقد قرروا بيع البيت لأي شخص ماعدانا".

تقدم أنس وأخوه بشكوى ضد والدهم لجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، أدعيا فيه أنه لا يحق له بيع الشقة لأب شخص من خارج العائلة في المقام الأول، ويوضح أنس ان "والدي يقول أنه باع الشقة إلى شخص من الشمال، وليس لليهود، كل شخص يلقي بالمسؤولية على الآخر، إنها عملية احتيال كبيرة شاركوا فيها جميعا".

أما "أحمد قراعين" ناشط محلي فيتوقع مستقبلا قاتما لسلوان إذا استمر استيلاء اليهود على الشقق الفلسطينية، ويقول "على مدى اليومين الماضيين، أصبح الحي مجمعا عسكريا، هؤلاء الناس لم يأتوا إلى هنا لصنع السلام معنا، لديهم هدف خلال 10-20 عاما، يريدون إفراغ المنطقة من العرب وتحويلها إلى منطقة يهودية"، واضاف أن "باعة البيوت الفلسطينية كانوا مختلين عقيا، ولكن المبالغ الكبيرة التي عرضها عليهم وكلاء "إلعاد" العرب، ومؤسسات يهودية مشابهة مثل "عتيريت كوهانيم" الناشطة في سلوان أغرتهم"، موضحا "إنها منطقة لا يساوي فيها المتر شيكلا واحدا، لذلك إذا جاء شخص وعرض عليك مليونا، عليك الإشتباه بأن هناك شيء مريب".

وقال قراعين "يعيش سكان سلوان من اليهود في خوف دائم نتيجة الطريقة المخادعة التي تم من خلالها شراء المنازل، حياتهم لا تستحق العيش من أجلها، فمن بإمكانه العيش مع حارس أمن بجواره لمدة 24 ساعة يوميا؟ إذا ذهب للعمل، فهو بحاجة إلى حارس، إذا أخذ أطفاله إلى المدرسة، هو بحاجة لحارس، إذا أراد الذهاب للتسوق، هو بحاة إلى حارس، انهم يدعون أنهم يعيشون بحرية، ولكنهم يعيشون في سجن لأنهم يعرفون أن الأرض ليست لهم، الأرض تتكلم العربية".

وفي المقابل يقول سبيلمان أن "مدينة داوود هي أقدم موقع أثري في القدس القديمة، أنها المكان الذي كُتب فيه الكتاب المقدس، أن يكون شخص قادر على الإستيقاظ كل صباح والسير في نفس الممرات التي سار فيها الملوك والأنبياء مرة، والتي يتم التنقيب عنها في العصر الحديث – فإن ذلك يمنح معنى لعودة الشعب اليهودي إلى دولة إسرائيل".






اعلان