16 - 08 - 2024

متى يثور الصعيد؟!

متى يثور الصعيد؟!

 كانت الوجوه كالحة، والعيون تبتسم ابتسامة باهتة تخفي حزنا عميقا ربما يسكنها منذ آلاف السنين، كل شئ يبدو بائسا على طول الطريق من القاهرة حتى مدينتي الصغيرة (ديرمواس) في محافظة المنيا. المدن والقرى تقريبا متشابهة على طول الطريق الزراعي الذي يبدأ من نهاية محافظة الجيزة ويمتد حتى أسوان.

لو توقفت في قرية أو مدينة لن يميزها عن القرية التي تليها سوى لافتة يكتب عليها مرحبا بكم في مدينة مغاغة أو مدينة ديرمواس تتمنى لكم السلامة. لا فرق كبير سواء في وجوه الناس البائسة أو مظاهر الفقر التي لا تُخفى على عين. كان قرار السفر بالسيارة الخاصة مغامرة كبرى اضطرنا  لها عدم توفر تذاكر في قطارات الوجه القبلي، وعدم وجود رقابة من الدولة على سيارات السيرفيس(الميكروباس)التي تجعل السائقين يتحكمون في مصائر من يفكرون في تمضية العيد مع ذويهم.

فكرنا في مخاطر ركوب السيرفيس والزحام الشديد، وعنف السائقين والمبالغة في أسعار السفر، فوجدنا أن سيارتنا الخاصة هي الاحتمال الأكثر قبولا بالنسبة لأسرتي الصغيرة.كانت مناظر البؤس والفقر في قريتي تعذبني، لا يكفي حتما أن تساعد كل هؤلاء الفقراء والمرضى بفعل الخير!كان قلبي يعتصره الحزن والخجل وأنا أسمع شكاوى الناس الذين يظنون أن لي قوة ما لمجرد أن رأوني مرة في قناة فضائية أو سمعوا أنني أكتب في جريدة تساءلت عن دور الدولة في محاربة كل هذا البؤس والفقر.

كنت ابتسم في أسى وأنا أرد على تساؤلات الناس الذين حضروا لبيت أبي حين علموا بقدومي: هل السيسي  قادر فعلا على أن يخرجنا من دائرة الفقر المدقع؟هل يعرف السيسي أن هناك أناسا تموت من عدم وجود ثمن علبة دواء ؟ جمعيات الإخوان الخيرية كانت تسد بعض عوز الناس هنا ما البديل الذي تقدمه الدولة لتعوضنا عن ذلك؟!كنت أرد في تردد :المشاكل كثيرة.السيسي ليس بيده عصا سحرية.الأمل ما زال قائما.الناس يجب أن تُسمع شكواها لمن يمثلها في مجلس الشعب، وأن البرلمان القادم يجب أن يمثل مصالح الناس فعلا ولا تتحكم فيه الكتل التصويتية التي تعتمد على العصبيات القبلية ، وأن كل هذا البؤس والفقر لا يجب أن يعالج عن طريق الجمعيات الخيرية، بل يجب أن تقوم الدولة بدورها في النهوض بالناس الذين يفتقدون الحد الأدنى من الخدمات.

كانت الابتسامة الحزينة التي تغلف صوتي وأنا أجيبهم تجعل الكثيرين منهم يزداد إحباطا وكآبة وينصرف عني دون كلام، وتجعل البعض الآخر يلعن السيسي ومن قبله مبارك ويرى أنهم أضاعوا حكما كان يمثل أملا في أن ينهض بهؤلاء الفقراء المعوزين.

انتهت أيام الإجازة وقررنا العودة للقاهرة.كانت السيارة قد فرغ منها الوقود. ظللنا ساعات نبحث عن بنزين بطول القرى الواقعة من مدينة ديروط آخر مركز في محافظة أسيوط وحتى مدينة ملوي ثاني مركز في محافظة المنيا وبينهما مدينتي ديرمواس، لم نكن نبحث في أماكن شحن الوقود التي تضخ فيها وزارة التموين البنزين والسولار لأن هذا يمثل حلما بعيد المنال في الأيام العادية ، فما بالك بأيام الأعياد، بل كان بحثنا يطمح في خيارات أقل كثيرا من خيارات منافذ توزيع الدولة،

كنا نبحث في السوق السوداء فهل وجدنا وسعر السوق السوداء يمثل أربعة أضعاف السعر الرسمي؟!! لا لم نجد، وأخيرا وبعد معاناة وجدنا في بلدة صغيرة رجلا يبيع لتر البنزين 80 بستة جنيهات، والسؤال الذي لا أعرف له إجابة من المسؤول عن إيقاف فساد تسرب البنزين المدعم من الدولة إلى السوق السوداء ؟ متى يتم محاربة منظومة الفساد المقنن والمسكوت عنها من قبل وزارتي التموين والداخلية ؟ إلى متى يترك المواطن لكل هؤلاء الفاسدين؟!

بل السؤال الأكثر إلحاحا متى يثور الصعيد وهو لا يجد ماء نظيفا ولا تعليما جيدا ولا علاجا حين يمرض مواطنوه ولا وقودا ولا أي شئ؟! هل سيظل الصعيد غارقا في كل هذا البؤس تاركا لنا نحن أبناء القاهرة أن نقوم بالنيابة عنه بالثورة التي لن يصله أبدا أثرها وتغييرها؟!!

##

مقالات اخرى للكاتب

وهل تداوي بالتي كانت هي الداء ياسراج ؟!!