29 - 06 - 2024

هل داعش موضوع صراع أم بناء للخراب

هل داعش موضوع صراع أم بناء للخراب

لقد سرى هذا المرض كسريان النار في الهشيم و قد انتقلت عدواه بسرعة متناهية من بلد إلى بلد، في الصحاري و البراري، و عبر البحار و الأقاليم و القارات، لقد تخطى الحدود و لم يتوقف و تجاوز الحراسات المشددة و لم يكتشف و لقد اخترق الأجهزة الدقيقة ، فما هو هذا المرض و هل يمكن التصدي له و الشفاء منه .

نعم انه مرض سرطاني خبيث، مرض العصر الداهم و هو الإرهاب.

إن ظاهرة الإرهاب حاليا قد طغت على المشهد السياسي العالمي، فبعد أن كان الجهد منصبا للتصدي لتجارة المخدرات و ملاحقة عصابات المافيا حفاظا على الإنسان من الآفات السامة للجسد و الفكر على حد السواء، و بعد أن طوقت البحار للقضاء على القرصنة و القراصنة   ، حلت ساعة الجد و استقر الرأي من قبل بعض البلدان الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد تفاهمات مع شق من بلدان الشرق الأوسط و الخليج لضرب معاقل الإرهاب عموما و داعش خصوصا في العراق و سوريا.

إن الحرب التي أدار رحاها الاتحاد السوفيتي سابقا ضد أفغانستان لم يخرج منها منتصرا بل خرج منهزما و مندحرا بعد إن تكبد خسائر فادحة في الأرواح و العتاد و الأموال و لم يستطع استئصال التشدد أو القضاء على المتشددين و على اثر إحداث الحادي عشر من سبتمبر و ضرب أمريكا في عقر دارها ، قررت هذه الأخيرة خوض حرب دون هوادة على أفغانستان و العراق، فاسقط نظام طالبان و نظام صدام حسين ، إلا أن الغرب لم يفلح في لجم هذه الجماعات أو القضاء على منتسبيها، فظلت قوى طالبان تضرب بكل قوة و في كل مكان في عمق تواجد القوى الغربية على ارض أفغانستان ، بينما تحولت العراق إلى ارض للفتن و الاقتتال بين العراقيين أنفسهم ، مما سهل على هؤلاء الدخول إلى بغداد بدعوى محاربة التطرف الشيعي و مناصرة أهل السنة...

أن اغتيال بن لادن بعد تنسيق امني و استخبراتي كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية و باكستان أثار ردودا دولية ايجابية و اعتبرت العملية بمثابة الضربة القاسمة للإرهاب ، إلا انه سرعان ما تسلم الظواهري القيادة و تواصلت العمليات في اليمن و الصومال وصولا إلى بلدان المغرب العربي ، الشيء الذي جعل فرنسا تقوم بعمليات عسكرية في مالي مؤازرة المجهود العسكري الأمريكي. فهل تم إفشال مخططات هذه الجماعات أو القضاء عليها؟

أن العكس هو الصحيح ،فقد استغلت هذه التنظيمات شبه الفراغات السياسية و الأمنية التي تمر بها بلدان ما يسمى "بالربيع العربي"  لتقيم قواعد عسكرية بليبيا و تونس إيمانا منها بإمكانية إحداث فوضى خلاقة في هذه البلدان لمزيد من المد الجغرافي و الفكري . فهل توصلت هذه التنظيمات إلى تحقيق أهدافها و بالمقابل هل تمكنت الأنظمة المستهدفة من محاصرتها و القضاء عليها؟

و اليوم تدور الدوائر من جديد على العراق ، هذا البلد الجريح و الممزق ،فها هو شعبه يئن تحت أزيز الطائرات و نيران المدافع، و ها هي أرضه تستباح من قبل ما يسمى بـ"داعش" و اجواؤه تنتهك من قبل طائرات الأطلسي، و ها هو واقع بين فكي كماشة أما الاستعمار الغربي المباشر أو حكم السيف و قطع الرؤؤس و الارتداد به و بحضارته إلى الوراء. فهل من منقذ صادق للعراق و شعبه؟ أم يراد به إن يكون كبش فداء يتحمل أخطاء غيره و يدفع ضريبة عدم الركوع و الخنوع.

أن الحرب دقت نواقيسها على ارض العراق و الشام و طبول الحرب قرعت رسميا معلنة قرب نهاية بشار الأسد بعد أن أعلن رئيس البيت الأبيض عزمه تسليح المعارضة السورية لتكون خير سند له مبينا في الوقت ذاته أن الحرب على داعش لا تخدم النظام السوري.

أما تركيا، و على لسان رئيسها اردوغان ، الذي أكد على ضرورة إسقاط النظام السوري و محاربة الدولة الإسلامية، و هذا ما حدا به إلى التفكير في إقامة منطقة عازلة بسوريا على غرار ما قام به التحالف لإسقاط نظام صدام حسين في حرب العراق.

انه من الخطأ أن ينخرط العرب في هذه الحرب لأنها موجهة أساسا لإسقاط النظام السوري و من ثم غزو سوريا بدعوى ملاحقة داعش و أنصارها ، و هكذا تصطاد رؤوس الممانعة من العالم العربي و بذلك يراد له أن يكون تابعا، مقيدا بميول الغرب و نزعاته، مرتبطا بأوامره و نواهيه.

انه من باب أولى و أحرى أن توكل مهمة القضاء على الإرهابيين و المتطرفين على مختلف مسمياتهم إلى البلدان العربية مجتمعة ، بعد تنسيق امني و عسكري محكم بينها، فهذه البلدان أولى بالدفاع عن أراضيها و اقدر على وإذ الفتن بين أبنائها و اعدل إن تحكم في قضاياها...

##

مقالات اخرى للكاتب

العرب بين ماض متوازن و حاضر مغتصب





اعلان