30 - 06 - 2024

ولو بعد حين ..

ولو بعد حين ..

يحكى أن مريضاً يعالج بإحدى المستشفيات بدولة أوربية لاحظ ذات يوم حراكاً غير عادياً في الطابق الذي يعالج فيه، العشرات من رجال الأمن والشرطة وأصحاب ربطات العنق والنظارات السوداء والياقات البيضاء ينتشرون هنا وهناك، وعندما أستفسر عن سر هذا الحراك قيل له أن حاكماً مريضاً جاء لتلقى العلاج في هذه المستشفى، فتساءل المريض الأوربي: كم تبلغ فترة حكم هذا الحاكم، فقيل له 30 عاماً، فقال كلمته المأثورة: من يحكم وطناً لهذه الفترة ويفشل في توفير رعاية صحية له به يكن ديكتاتوراً فاسداً ظالماً.

عشرات الحكومات والوزراء والمسئولين حول العالم -عدا الشمال الإفريقي والغرب الأسيوي- يعلنون استقالتهم من مناصبهم خلال العام، وتتعدد أسباب هذه الاستقالات بين الفشل في تحقيق برامج الإصلاح الخدمية أو الاقتصادية المأمولة، أو الفساد متعدد الأوجه من قبل الوزراء والمسئولين.

يرى هؤلاء المسئولين أن محكمة التاريخ أقصى وأشد عليهم من سلطانهم ونفوذهم، ويتبعون سياسة الهرم المقلوب في العقاب، يطبقون العقاب على أنفسهم، لذلك يختارون أن يبتعدوا عند أول هفوة قبل أن تدركهم أذناب هذه المحكمة، ويصل الرعب من هذه المحكمة لدرجة أنهم يتراجعون عن قبول تكليفاتهم في بعض الأحيان، ففي كندا على سبيل المثال قدمت وزيرة استقالتها لأنها شربت كاس عصير من أموال الشعب، وفي السويد وزيرة تستقيل بعد اكتشاف شرائها "شوكولاتة" بواسطة البطاقة البنكية للوزارة، وفي بريطانيا استقال وزير الطاقة إثر عدم دفعه لمخالفة تجاوز السرعة، وفى مصر طالب يلقى حتفه نتيجة الإهمال بين مدرسته والمستشفيات، يصاب في المدرسة وتظل دمائه تنزف لعدة ساعات أثناء تنقله بين المستشفيات..فيقيل وزير التربية والتعليم مدير الإدارة والمدرسة متبعاً سياسة الهرم المعتدل، ووزير الصحة يلقى بياناً يتشدق فيه بمحاسن وبراءة مستشفياته..!!

متى يدرك هؤلاء أن تصرفاتهم التي لاترقى إلى مستوى الحدث تسيء إلى حكوماتهم وقادتهم..وبلادهم، متى يدركون أن لنا أعداء يتربصون بكل صغيرة وكبيرة لدينا، لا يألون جهداً في النفخ في مستصغر الشرر ليصنعوا منه ناراً آملين أن تحرقنا، إن أعدائنا يستغلون ردود أفعالكم في التلويح بمستوى الفشل الإداري والثقافي، متى تدركون أن هذه المناصب آلت إليهم تكليفاً وليس تشريفاً، وأنهم بقبولهم لهذا التكليف قد حملوا الأمانة أمام الله بخدمة شعبهم في حدود تكليفاتهم، وهم حال قبولهم بالتكليف أصبحت الدقائق والثواني تحتسب عليهم وليس لهم ، وأن عليهم في النهاية أن يكون لديهم ضميراً يقظاً راضياً بإنجازاتهم، معاتباً على دقائق تقصيرهم، والتاريخ والشعب هما القضاة الحقيقيين لتقييم الأداء إما بالسلب أو بالإيجاب، وستظهر نتائج تحقيقاتهم جلية.. ولو بعد حين.  

مقالات اخرى للكاتب

رئيس البريد المصري يستقبل نائب المدير العام لاتحاد البريد العالمي





اعلان