19 - 10 - 2024

تناقضات الموقف الروسي من الربيع العربي

تناقضات الموقف الروسي من الربيع العربي

في مقابلة مع قناة" روسيا ــ 24 " التلفزيونية، وصف وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف المعارضة السورية بالتشدد ، واعتبر أن موقف الغرب من الأحداث في سورية خاطئ لأنه يضغط فقط على نظام بشار الأسد . وقال لافروف "  عندما نرى أن موقف شركائنا الغربيين حول سورية ينحاز بشكل واضح للضغط فقط على أحد طرفي النزاع، على الحكومة والرئيس بشار الأسد، فإننا نعتبر ذلك خطأ، لأن المعارضة خاصة وأنها معارضة متشددة تتوهم أنها إذا أصبحت أكثر إصرارا فإن الوضع في البلاد سيصبح أكثر حرجا وخطورة، وعندها سيأتي الغرب للمساعدة كما فعل في ليبيا".

وطالب الوزير الروسي الغرب بالتعامل مع الثورة السورية كما يتعامل مع الثورة اليمنية ، قائلا " نحن نريد أن يكون الموقف تجاه سورية كما هو الموقف الآن تجاه اليمن. فعلى الرغم من أن اليمن شهد اشتباكات مسلحة خطيرة، فلا أحد يحاول إثارة الوضع هناك أو ينحاز لأي طرف من طرفي النزاع أو يرفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي. وهذا ما نريده لسورية ونحن نرى أن شركاءنا الغربيين يجب أن يتخذوا الموقف ذاته". واللافت أن تصريحات لافروف جاءت بعد لقاء موسكو نهاية يونيو الماضي بين ممثل الرئيس الروسي ميخائيل مارجيلوف ووفد من المعارضة السورية برئاسة رضوان زيادة مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية في واشنطن . وعلى الرغم من أن الخارجية الروسية قاطعت عمليا زيارة وفد المعارضة السورية عندما استبق الناطق الرسمي للخارجية الكسندر لوكاشيفيتش الزيارة  بالقول إنها زيارة خاصة وغير رسمية وإن موسكو لن تعقد أي لقاءات رسمية مع وفد المعارضة السورية ،  إلا أن ميخائيل مارجيلوف الممثل الخاص للرئيس الروسي أوصل رسالة لافتة للنظام السوري بالتصريح " بأن الصديق الوحيد لروسيا هو الشعب السوري لأن الأنظمة تأتي وتذهب ، والشعوب هي الباقية " .

هذا التباين أو التناقض في الموقف الروسي الرسمي تجاه الأحداث في سورية تجلى بوضوح أكثر عندما ألمح الرئيس الروسي دميتري ميدفيدف إلى أن بلاده ستستخدم حق الفيتو لمنع استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين سورية أو يفرض عليها عقوبات وذلك في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في باريس أن روسيا ليست لديها علاقات خاصة مع سورية ، غير مستبعد مناقشة الأزمة السورية في الأمم المتحدة من أجل الضغط على الأنظمة التي تشهد اضطرابات دموية على حد قوله . وبهذا التصريح يبدو وكأن بوتين يحاول استبدال موقفه المتشدد تجاه الأحداث في ليبيا عندما شبه العمليات العسكرية للناتو بالحروب الصليبية في وقت كان فيه الرئيس الروسي ميدفيديف أكثر قربا من الموقف الغربي تجاه القذافي . كما أن وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف عاد مؤخرا وأعلن أن بلاده لا تعترف بالمجلس الانتقالي الليبي كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي ولكنها تعترف به كمحاور فقط . وانتقد لافروف واشنطن والدول الأخرى التي اعترفت في اسطنبول بالمجلس ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الليبي ، معتبرا ذلك انحيازا لأحد طرفي النزاع .

توزيع الأدوار هذا ، كما يحلو لبعض المراقبين تسميته ، كان غائبا بدرجة كبيرة أثناء ثورة 25 يناير في مصر . فموسكو الرسمية  كانت أميل وحتى اللحظة الأخيرة إلى دعم الرئيس المخلوع حسنى مبارك حتى إنها أرسلت إليه الكسندر سلطانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي في الثامن من فبراير الماضي ، أي قبل يومين من خلعه ، تعبيرا عن تأييدها له . وعبر عن ذلك الرئيس الروسي ميدفيديف بتصريح حاد حذر فيه من خطورة المساس بوحدة الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة واحتمالات تفكك هذه الدول إلى أجزاء صغيرة ، ووصول المتطرفين إلى السلطة في البلدان العربية ، قائلا " إن مثل هذا السيناريو كان معدا لنا من قبل ، وسيحاولون تنفيذه " . ميدفيديف أطلق تصريحه هذا خلال وجوده في شمال القوقاز الذي يشهد ، كما يعرف الجميع ، توترات كبيرة منذ التسعينيات من القرن الماضي . وظلت وسائل الإعلام الروسية الرسمية وغير الرسمية خلال أيام ثورة 25 يناير تصف ما يجري في مصر بأعمال الشغب ، في حين اكتفت بيانات الخارجية الروسية بالدعوة إلى الحفاظ على الاستقرار ورفض الضغوط الخارجية على مبارك وتجنب العنف وضرورة الحوار بين طرفي الأزمة .

ويسود اعتقاد في الدوائر الرسمية الروسية بأن الربيع العربي من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وأن النتيجة ستكون وصول الإسلاميين إلى السلطة . فالخبير الروسي الكسندر إيجناتينكو يصف الثورات العربية بالملونة على غرار ما جرى في جورجيا نهاية 2003 ، وفي أوكرانيا في 2004 . أما الدبلوماسي الروسي السابق أوليج بيريسيبكين ، فيبرر الموقف الروسي الرسمي المتذبذب والمتردد بمصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية مع الأنظمة العربية . والملاحظ أن الموقف الرسمي من الثورات العربية لا يتفق بالكامل مع رأي الشارع الروسي . فوفقا لاستطلاع الرأي الذي جرى في روسيا في مارس الماضي فإن اثنين في المئة فقط من المواطنين الروس يعتقدون أن الثورات الشعبية في العالم العربي مفتعله ويقف وراءها الغرب ، ونسبة أقل تعتبر الإسلاميين قوة دافعة لهذه الثورات . ولكن الأخطر بالنسبة إلى روسيا أن 49 % من الروس الذين شاركوا في الاستطلاع عبروا عن استعدادهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد السلطات الرسمية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في روسيا . ويرى الرئيس الأسبق للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف أن استمرار الأوضاع على حالها من غياب الانتخابات الحرة الديمقراطية النزيهة وانتشار الفساد وتهريب الأموال إلى الخارج قد يؤدي إلى تزايد احتمالات وقوع السيناريو المصري في روسيا .

ويؤكد رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفجيني بريماكوف أن الثورات العربية فاجأت الغرب وروسيا ، ويقول " لقد ظننا أن الثورات الاجتماعية ضد الأنظمة الاستبدادية باتت من الماضي ، ولم نأخذ في الحسبان التطورات التي جرت في العالم مثل تطور الانترنت والاتصالات عبر الهاتف المحمول " .