17 - 07 - 2024

حروب التطرف الداخلية: الجماعات الجهادية تتقاتل وإن وجدت ما تقتله!

حروب التطرف الداخلية: الجماعات الجهادية تتقاتل وإن وجدت ما تقتله!

 

 جماعات التطرف بطبيعتها تطهرية وانقسامية وانشقاقية وتتناسسب درجة انقسامها طرديا مع درجة تشددها، فأكثرها غلوا تكون أكثرها انقساما، كما تتناسب عكسيا مع قصر وطول عمرها، فالحركات طويلة العمر نسبيا أقل درجة من التعرض للانشقاق.

ومثالا على ذلك أنه في الانقسام الداعشي الحالي الراهن، بين الحازمية والبنعلية، لم يتصور أحد أن تكون بداية تفكك هذا التنظيم العسكري العتيد من مسألة منهجية دقيقة تجاوزها العقل المسلم مع ما تجاوزه من مسائل العقيدة والكلام في عصر التحديات الحضارية والصراعات الوجودية التي تعيشها الأمة، ولم يستطع التنظيم رغم بطشه وسطوته حسم هذه المسألة وديًا بين أنصاره وعناصره ولم تفلح دعواته المتكررة لجنوده و"رعاياه" إلى عدم الخوض فيها والنقاش حولها، ومكمن الخطورة في هذه المسألة - أو على الأرجح كما يتصورها تنظيم الدولة - أن المواقف المترتبة عنها لا تتوزع بين: رأي صحيح ورأي خاطئ، بل تتراوح بين رأي سني ورأي كفري! بمعنى إما أن تأخذ برأيي في المسألة فتسمى مسلمًا أو تصر على رأيك فتبقى كافرًا مرتدًا.

في فلسفة الاندماج والتحالف عند الجماعات المتطرفة:

لا يكون التوجه للاندماج إلا رغبة في التقوي والاستفادة أو أخذ شرعية من حركة أكبر، كان هذا حال كثير من التنظيمات الفرعية في بيعتها للقاعدة بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر سنة 2001، أو تحولها ببيعتها لداعش بعد أن أعلنت خلافتها في يونيو سنة 2014 حيث يمكن الحصول على الشرعية والتمويل والدعم الاعلامي والتدريبي، هكذا كانت القاعدة في عهد أسامة بن لادن وهكذا كانت داعش في عاميها الذهبيين عام 2014 و2015، وانقلاب البيعات، ففعلتها مجموعات جهادية في مصر كحركة " أنصار بيت المقدس"  ومجموعات في تونس والمغرب واليمن بل وفي أفغانستان الأقرب لقيادة القاعدة المركزية وفي غيرها.

كما تنشط حالات التحالفات والاندماجات التكتيكية بين الجماعات والفصائل الجهادية المسلحة في بؤر الصراع وفي لحظات الأزمة بالخصوص، ولكن تنشط الانشقاقات في حالات الانتصاروتوقع النصر واستئثار كل فريق به. 

من ذلك مثلا ظهور تحالففي المشهد السوري" هيئة تحرير الشام"  في 28 يناير سنة 2017، في مواجهة مخاطر تنظيم الدولة على الجميع، أو عودة قوة النظام والمجموعات الجهادية الطائفية الموالية له.

وكرد فعل على ذلك كما تعلن حركات منافسة لها ك" أحرار الشام" انضمام تنظيمات ومجموعات أخرى منافسة لها إليها، وتظل داعش استثناء تطلب من الآخرين البيعة والسمع والطاعة دون اندماج أو تحالف أو انفكاك عنها أو خروج عليها، وهو ما سبق تكراره في مراحل سابقة في ليبيا والعراق ومصر/ سيناء بغض النظر عن المرجعيات خارج أطر الصراع.

وهكذا، لا يمكن فصل مشهد الاندماج والانفكاك في المشهد السوري والليبي مثلا عن ارتباك المشهد العام فيها وكجزء من اضطراباته، فضلا عن  شتات الأولويات والثانويات، بين قتال النظام وقتال الفصائل لبعضها البعض، أو قتال المعارضات الأخرى في الساحة السورية، والتأثير الجزئي لولاءاتها خارج ساحة الصراع نفسها.

لكن يبدو المشهد العراقي مختلفا مع صحوة القاعدة في العراق الأولى بين عامي 2004 و2007 بقيادة الراحل أبو مصعب الزرقاوي أو صحوتها  الثانية بعد تحولها لداعش سنتي 2013 و2014 حتى تحريرها من قبضة داعش في 9 يوليو سنة 2017 لوجود الفاعل والمضاد الطائفي، وسيطرة القاعدة أو تنظيم الدولة على المشهد الجهادي في العراق، وليس المشهد السني، فسائر المجموعات الجهادية كجيش المجاهدين الذي كان يقوده أبو عبد الله المنصور، وكان مستقبل الزرقاوي في العراق عند هروبه إليها سنة 2003 من هيرات مجموعات ضعيفة.

تنسيق مؤقت وذوبان مستحيل:

أن فكرة الكيانات التنسيقية وفشلها سمة بارزة في تاريخ التنظيمات الجهادية والفصائل المسلحة عربيا وإسلاميا على مدار تاريخها، فتوحدها، يكون مؤقتا وإن وقع يكون مدفوعا بأطراف وتحديات خارجية، وسريعا ما ينفك ويتحول لصدام بعد تحقيق الهدف، هكذا كان في تجربة الجهاد الأفغاني بعد جلاء الاتحاد السوفيتي سنة 1989 وهكذا عادت مجموعات الجهاد المصري للتفكك بعد نجاحها في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات سنة 1981 بعد أن كانت توحدت لهذا الهدف قبل العملية بشهور قليلة، وهو ما تكرر أيضا بعد سيطرة داعش على الموصل في يونيو  سنة 2014 بالتعاون مع فصائل أخرى كجيش المجاهدين والجيش النقشبندي المحسوب على البعث ثم ما لبثت أن تخلصت منهما.

لكن تظل محاولات الاندماج في المشهد السوري رغبة واصطفافا بينينا ضدالنظام وحول صراعه، وبين مصارعيه وما يسيطرون عليه هو علامة المشهد المضطرب، والجهادي المسلح فيه أكثر تشظيا وصداما وأقل تنسيقا من سواه، خاصة لو قسناه بتجربة كقوات سوريا الديمقراطية( ذات الأغلبية الكردية)  التي تأسست في 10 أكتوبر سنة 2015 وضمت 27 فصيلا، وحققت نجاحات مهمة لوضوح هدفها الإثني والمناطقي وقوة ولاءاتها الخارجية التي تدعمها، أو كتائب البنيان المرصوص في ليبيا التي تأسست في مايو سنة 2016 نصرة لحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة عبد العزيز السراج. 

وكذلك هيئة تحرير الشام ليس أكثر من حالة " رد فعل" وتنسيق مؤقت يواصل أقصى طموحات واقع العلاقة بين هذه الفصائل، وهو تكوين جبهة تنسيقية فيما بينها ليس أكثر، مثل جبهة الفتح في سوريا في في 24 مارس سنة 2015 أو تأسيس ما عرف بجبهة ثوار سوريا في تأسست في نوفمبر سنة 2013 وانتهت في نفس الشهر من العام التالي، نتيجة إصرار جبهة النصرة على ذلك! أو" مجالس الشورى"  الجهادية التي كانت في العراق مع الزرقاوي سنة 2005 أو مجالس شورى بنغازي ودرنة في ليبيا التي تأسست منذ العام 2013 ولا زالت، ولكنها لا تمثل مشاريع كبيرة لأنها تملك خططا ولا أهدافا كبيرة ولكن مؤقتة.     

وهنا تبدو التنظيمات السنية مختلفة عن التنظيمات المسلحة الشيعية، حيث يزيد من خلافات التنظيمات والفصائل المسلحة المحسوبة على السنة في سوريا أو العراق، وصداماتها ومحدودية تنسيقها عمليا أنها لا ترتبط بمرجعية ولا رعاية وإدارة لها شأن التنظيمات والفصائل الجهادية الشيعية التي وحدها ويديرها خطواتها أمير وولي واحد هو الولي الفقيه، لذا كانت حالة تنسيقها وتشكيلها" الحشد الشعبي" هيئة واحدة تجمعها منذ أغسطس سنة 2014 وتم تقنينها رسميا في العراق في 26 نوفمبر عام 2016، أو توحد هدفها الاستراتيجي وتنسيقها العالي بإشراف مباشر  من الحرس الثوري الإيراني المقرب من المرشد الإيراني على خامنئي.

أما الذوبان المستحيل، فسنأخذ مثالا جبهة فتح الشام- أو النصرة سابقا-  والكيان الذي أعلنته" هيئة تحرير الشام" في 28 يناير سنة 2017 وضم خمس فصائل رئيسة هي (جبهة فتح الشام (النصرة سابقا)، حركة نور الدين الزنكي، جبهة أنصار الدين، لواء الحق، جيش السنة) تحت قيادة  "أبو جابر هاشم الشيخ" القائد السابق لـ"حركة أحرار الشام" ويعد تكتلا للرافضين لمفاوضات الآستانة وما تمخض عنها، وهو ما عبر عنه أبو جابر الشيخ في بيان إعلانها، معتبرا ما حدث في الآستانة إذلالا للمجاهدين، وبشر بكونها كيانا اندماجيا جديدا وليس امتدادا لتنظيمات سابقة، ولكن لم يجب ولن يجيب بيان الهيئة عن أسئلة من قيبل:

لكن قد فشل اتفاق الآستانة كسوابقه، هل ستعود تنظيمات هذا الكيان الجديد أفرادا كما كانت؟ وماذا لو انتهت صيغته بخروج بشار نفسه مثلا؟ هل سيقبل بها ويفك تنظيمه.