17 - 08 - 2024

الكنيسة والنظام .. من الحشد للرئيس إلى الدعاء بسقوطة بعد إغلاق الكنائس

الكنيسة والنظام .. من الحشد للرئيس إلى الدعاء بسقوطة بعد إغلاق الكنائس

الكنيسة والدولة علاقة اتسمت بالود والصداقة،بدأت ذروتها منذ عهد الراحل جمال عبد الناصر، مما جعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يصف علاقة البابا وقتها بعبد الناصر فى أحد كتبه بانها "علاقة إعجاب بين رجلين".

 تعمقت علاقة الكنيسة بالدولة فى عهد مبارك وازداد تقارب البابا شنودة الراحل والرئيس الأسبق حسني مبارك ، ولكن كانت الكنيسة علي الحياد في ثورة 25 يناير ولم تدخل الي عالم السياسة ولكن بعد وصول جماعة الإخوان الي الحكم بالتوازي مع رحيل اليايا شنودة وتولي البابا تواضروس سدة الكرسي المرقسي بدأت الكنيسة تنخرط في عالم السياسة ووصل هذا الانخراط  ذروته فى عهد الرئيس السيسي.

كانت الكنيسة، على مدى عقود، وثيقة الصلة بالنظام وبمثابة الصوت السياسي الوحيد للطائفة القبطية المصرية التي تشكّل أكبر أقلية دينية في البلاد. غير أن ذلك الصوت تشتّت عقب إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، حيث بدأ الأقباط بالانخراط في ميدان السياسة بأنفسهم.

في الفترة المضطربة التي أعقبت انتخاب محمد مرسي رئيساً للبلاد ، أصبح قادة الكنيسة أيضاً أكثر نشاطاً في ميدان السياسة. بيد أن الأهم من ذلك هو أن بطريرك الكنيسة، البابا تواضروس الثاني، أيد تدخل الجيش، ضدّ مرسي ونظامه المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الحين، اعتبرت جماعة الإخوان وأنصارها الأقباط جزءاً مما يقولون إنه كان مؤامرةً ضد مرسي. وبالتالي، هاجم المحتجون المؤيدون لمرسي، الذين شعروا بالغضب إزاء دعم الكنيسة لاستيلاء الجيش على السلطة، الكنائس والممتلكات القبطية.

مع انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد حاولت الكنيسة إعادة ترسيخ نفسها باعتبارها الصوت الموحد للأقباط في مصر فضلاً عن الرغبه الأمنية في التعاطي مع الأقباط  من خلالها باعتبارها الممثل الوحيد لأقباط مصر وسيطرتها علي اقباط المهجر تاره وتارة اخري القضاء علي الحركات القبطية التي تزعج النظام فضلاً عن انجراف الكنيسة في العمل السياسي والدعم الشعبي والاعتماد علي القوي الناعمة في علاقة مصر الخارجية وكان ابرزها دور الكنيسة في سد النهضة والحشد الكنسي لزيارات السيسي الخارجية .

انخراط رجال الكنيسة في العمل السياسي بشكل ملفت وواضح علي المستوي العالمي جعل العديد من المفكريين والسياسيين يعبرون عن قلقهم إزاء تصرفات الكنيسة تجاه النظام ووصفه بـ"خلط الدين بالسياسة" متسائلين "لماذا حاربنا الإخوان الذين ضخوا دماء الدين في السياسة ؟".

تاره اخري علي الجانب القبطي والحركات القبطية التي اندثرت منذ تولي السيسي السلطة مع تكرار الأعتداءات علي الأقباط بشتي انواعه من قبل إرهابيين ومتطرفين  وجهاز وزارة الداخلية التي تمنع صلاة الأقباط بحجة عدم وجود تصاريح علي حد قولهم جعل حالة الغضب يجتاح الوسط القبطي وينتشر من التأييد للنظام الي الدعاء من أجل سقوطه .

الحشد الكنيسي للسيسي

رغم تصريحات البابا تواضروس الذي اكد فيه في وقت سابق" إن «الدين والسياسة عندما يختلطان يتسببان في فساد أي نظام دولة، لذا لضمان نجاح أي دولة عليها فصل الدين عن السياسة"،إلا ان البابا تناسي هذا التصريح منذ اولي زيارات السيسي الخارجية وإرسال رجال من أساقفة المجمع المقدس لتوعية أقباط المهجر بأهمية الحشد للرئيس ومهاجمة جماعة الإخوان في عظتهم علي احدي المنابر في امريكا وهو ما يتنافي مع تصريح البابا معللاُ" بان دور الكنيسة وطني ".

ثلاث سنوات عمر تولي السيسي السلطة ومؤسسة الرئاسة تعتمد اعتماداً كلياً علي الكنيسة في الحشد لها خارجياُ لأستقبال السيسي في شتي زيارته الخارجية والاعتماد علي خطابات المكلفين من البابا بالحشد امام مقر لقاءاته المختلفه .

في امريكا اهم محطات زيارات السيسي الخارجية للمشاركة في الجمعية العمومة للأمم المتحدة 71 العام الماضي تغير خطاب الكنيسة بعد دعوات عدد من أقباط المهجر هشتاج علي موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" يحمل "لا للترحيب بالرئيس" بسبب كثرة الاعتداءات علي الأقباط وكان ابرزها سحل سيدة مسنه قبطية في شوارع المنيا تحت عيون رجال الشرطة وجاء خطاب الكنيسة يعبارات من الأنجيل بطاعة أمر الحاكم وفرض عقوبات كنسية لمن يعصي أمر البابا في أستقبال الرئيس

انتقادات

يقول حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، إن جميع المؤسسات في مصر تمارس العمل السياسي، حتى إن لم يكن من اختصاصها، وعلى رأسها الأزهر والكنيسة، حيث إن النظام يوظفها لخدمة مصالحه، وهو أمر غير مقبول في أي دولة مدنية ومتحضرة، مضيفا "يجب أن يكون هناك معايير واضحة يسير عليها الجميع، ليتحدد دور واختصاص كل مؤسسة».

وأوضح نافعه أن «الكنيسة بهذا الشكل تحول نفسها إلى حزب سياسي ، بشأن ما أعلنته الكنيسة رسميًا عن قيامها بكل ما في إمكانها لإنجاح هذه الزيارة، وحشد الأقباط للوقوف أمام مقر الأمم المتحدة أثناء إلقاء الرئيس كلمته.

 وأردف نافعة إن ما يحدث يناقض دعوة السيسي بتجديد الخطاب الديني، بمعنى فصله عن السياسة، كما أن هذا «الدعم المفضوح» الذي تقوم به الكنيسة يسىء إليها و«يعد جرمًا في حق الأقباط». ويرى أن الدولة تتعامل مع الكنيسة «بنظام القطعة»، أي أن إصدار قانون بناء الكنائس لا بد أن يكون في مقابله شىء آخر، متسائلا: "أليسوا هؤلاء أقباط المهجر الخونة، فلماذا تحتاجون لدعمهم الآن؟".

فيما انتقد ايهاب الطماوي عضو مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار  تدخل الكنيسة في استقبال السيسي قائلاً " موقف الكنيسة قائم على أساس وطني وليس دينيًا كما يفعل الأزهر الشريف، بهدف دعم الدولة ورئيسها، الذين يواجهون تحديات من الداخل والخارج”.

 وأوضح الطماوي "عندما يتحرك الإخوان في أمريكا لإفساد زيارة الرئيس، يجب أن يكون هناك تحرك من كل مصري حر هناك". «ليس معنى وجود بعض الأشخاص من أقباط المهجر معاديين للدولة، أن يكون جميعهم كذلك، فأغلبهم وطنيون ولديهم مواقف مشرفة في مواجهة جماعة الإخوان".. حسب قوله.

فشل خطاب الكنيسة 

بعد دعوات اطلقها عدد من اقباط الداخل والخارج برفض أستقبالهم للرئيس خلال مشاركته الأخيرة في اجتماع الجمعية العموميه للأمم المتحدة  والتي حرصت الكنيسة على إرسال وفد من أبنائها من الأقباط صحفيين وعلمانيين برئاسة الانبا أرميا الأسقف العام والذي حث اقباط المهجرعلي أستقبال السيسي حتي نمنع تسلل الإخوان للتظاهر ضده ،إلا أن هذه الدعوة لم تلاق ترحابا من عدد كبير من أقباط المهجر ورفضوا المشاركة في استقباله والترحيب به بسبب الوعود الزائفه التي وعد بها السيسي الأقباط علي حد قولهم وتزايد وتيره الأعتداءات علي الأقباط منذ وصولة للكرسي الرئاسي .

الهيئة القبطية الامريكية تتدخل للانقاذ 

قبيل زيارة السيسي لأمريكا بأسبوع باتت الرؤية واضحة في تخاذل البعض عن استقبال الرئيس رغم المؤتمرات والمناشدات التي اطلقتها الكنيسة للحشد إلا انها باءت بالفشل  .

مصدر قبطي رفيع المستوي بأمريكا أكد أن زيارة الأنبا ارميا الي امريكا لم تكن مرغوبا فيها من قبل عدد من قيادات اقباط المهجر بسبب خلافات قديمة مع الأسقف ،موضحاً ان قيادات اقباط المهجر تعلم ان الانبا ارميا رجل لكل الانظمة علي حد قولة .

وأضاف المصدر ان الكنيسة لجأت الي الهيئة القبطية الأمريكية للتدخل السريع لانقاذ الموقف وحشد اتباعها الذين لا يتجاوز عددهم 200 من العاملين بها او من الأسر المهاجرة وتخضع لرقابه الحكومة الامريكية في تقدم طلب اللجوء وتعد الهيئة بمساعدتهم لدى الإدارة الإمريكية مقابل الحشد للرئيس.

بيان شديد اللهجة 

 انتقد شباب وباحثون أقباطا ما سمّوه بـ«تعامل الكنيسة - سواء بناء على عمل طوعي منها أو بطلب ‏من ‏النظام - مع المسيحيين بمنطق الشحن والتعبئة».

 يأتي ذلك بعدما أثارت دعوات الكنائس المصرية «الأرثوذكسية» ‏و«الإنجيلية»، الخاصة بحشد الأقباط في أمريكا لدعم الرئيس ‏، جدلًا بين ‏مؤيدين ‏لهذه الدعوات معتبرين أنها «مصلحة ‏وطنية»، ‏ومعارضين لها بسبب الأختلاف مع سياسات وأداء النظام الحالي، تحديدًا بعد تكرار الأزمات الطائفية مؤخرًا، ‏وآخرين ‏رافضين تدخل المؤسسات الدينية بالسياسة في كل الأحوال.

وقالوا خلال بيانهم، الذي صدر بتوقيعهم "استحسن النظام الزج بالكنائس ‏في المعادلة السياسية كممثلين -وحيدين- عن عموم ‏المسيحيين، ‏وتجلى ذلك في تشكيل لجنة الخمسين لتعديل دستور 2012؛ حيث ظهرت ‏الكنائس ‏الثلاثة كممثلين عن عموم مسيحيي مصر، ونتج دستورا يضم مواد تعزز من ‏سطوة ‏المؤسسات الدينية، من خلال المادة الثالثة في ‏أهم الملفات الشائكة وهو الأحوال الشخصية». ‏

 وأضافوا: "لذا نرفض أن تتصدر الكنائس المصرية ‏‏الحشد والتعبئة لمظاهرات سواء داعمة أو مناهضة للرئيس؛ وهو أمر يمثل ‏خروجًا ‏عن القواعد الديمقراطية وإقحام للدين في السياسة". ‏

 ورغم العلاقة التي وصفوها بـ"الدافئة" بين النظام القائم والكنائس، ظل بسطاء ‏المسيحيين في القرى ومحافظات الجنوب، يعانون من ‏العنف ‏الطائفي والتمييز - وفقًا للبيان.

 ‏وتابع البيان: "لم تختلف سياسات النظام الحالي في التعاطي مع أحداث العنف الطائفي عن سابقيه، ‏حيث ظلت ‏منازل ومتاجر المسيحيين عرضة لهجمات المتطرفين، وظلت ‏أزمات بناء ‏الكنائس حاضرة وبقوة، كما استمرت سياسات إفلات مرتكبي تلك الجرائم ‏من العقاب ‏واللجوء إلى جلسات الصلح العرفية بدلا من إعمال القانون". ‏

 لم ينتقد البيان حشد الكنيسة لدعم السيسي في نيويورك وحسب، بل تطرق إلى اقتصار جولات مناقشة مشروع قانون بناء الكنائس على ممثلي الكنائس والحكومة، وعدم طرحه ‏لحوار مجتمعي، وتمريره في مجلس النواب ‏دون الاكتراث ‏لكثير من التحفظات التي أبداها عدد من الشخصيات والجهات عليه.

وناشد الموقعون على البيان، الكنائس المصرية الابتعاد عن السياسية والاكتفاء بالدور ‏الروحي ‏والديني المنوط بها.