17 - 07 - 2024

فضيحة: شكري بشارة وزير المالية الفلسطيني يساهم في تهويد القدس

فضيحة: شكري بشارة وزير المالية الفلسطيني يساهم في تهويد القدس

ذكر موظف كبير في سلطة النقد الفلسطسنية أن وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة ، وبعد اجتماع مع وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون أصدر تعليمات للمصارف الفلسطينية  بوقف إعطاء تسهيلات وقروض لمؤسسات مقدسية تعنى بشؤون البناء والترميم والحفاظ على الأرض والبيوت العربية في القدس .

وقال المصدر إن هذا القرار شل تماما حركة البناء العربية لمواجهة سياسة التهويد الإسرائيلية في القدس الشرقية ، وبذلك يكون وزير المالية قد ساهم وساعد الإسرائيليين في منع العرب من البناء على أرضهم في القدس الشرقية  لعدم توفر القروض والتسهيلات التي كانت المصارف الفلسطينية تمدهم بها بضمانة من سلطة النقد الفلسطينية .

ويضيف الإجراء الجديد  آلية أخرى لأليات الطرد الصامت التي اتبعها الاحتلال الإسرائيلي ولكن هذه المرة بيد فلسطينية

فقد لجأت إسرائيل منذ اليوم الأول لإحتلالها مدينة القدس عام 1967م، حسب دراسة نشرتها وكالة وفا الفلسطينية  إلى وضع سياسة سكانية مجحفة بحق الفلسطينيين، اعتمدت على مواقف الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة والتي وضعت أسسها حكومة حزب العمل منذ عام 1967م، منطلقة من مبدأ تحجيم وتقليص عدد الفلسطينيين في القدس بما لا يزيد على 24% من النسبة العامة لسكان القدس بشطريها.

وفي عام 1992م، شكلت وزارة الداخلية الإسرائيلية لجنة للتحقيق في ضم أراض تقع شرق المدينة، حيث أكدت هذه اللجنة على إبقاء النسب السكانية التي حددت في العام 1967م.

 وبناء على نفس التقرير الذي قدمته لجنة "كبرسكي" لوزارة الداخلية فإن نسبة اليهود في القدس ستصل إلى 77% من الحجم العام للسكان في عام 2020م، وذلك بالعمل على زيادة عدد المستوطنين اليهود داخل حدود البلدية، جنباً إلى جنب مع زيادة الاستيطان في المستوطنات المحيطة بالمدينة، التي تقع خارج حدودها الحالية.

وبسبب الإجراءات الإسرائيلية  هاجر من القدس المحتلة حتى عام 1993 نحو 16.917 فلسطيني ، كما هاجر إلى خارج فلسطين  نحو 12.080 إضافة إلى أكثر من 7 آلاف فلسطيني هاجروا من القدس إلى خارج حدودها البلدية لأنهم كانوا خارج البلاد عندما وقع الاحتلال عام 1967م؛ فلم يشملهم الإحصاء الإسرائيلي ولم يحصلوا على حق المواطنة في القدس منذ ذلك الحين.

وشملت سياسة تضييق الخناق على المقدسيين مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد السكان العرب بهدف تقليص تنامي هؤلاء السكان ولعل أهم هذه الإجراءات هي:

* تحديد حجم وأماكن رخص البناء:

لقد عملت السلطات الإسرائيلية وفق سياسة تجميد البناء العربي داخل الحدود البلدية. ولضمان ذلك ماطلت في إعداد مخططات هيكلية للمدينة، والتي بدونها لا يسمح قانونياً بالبناء.

لكن في عام 1970م، وبموجب خارطة هيكلية جزئية شملت البلدية القديمة والمناطق المحاذية مثل الطور ووادي الجوز، وسلوان، والثوري، رأس العمود، والمنطقة الجنوبية من القدس  بمساحة اجمالية قدرها 10800 دونم.

فقد أعطيت لأول مرة منذ بداية الاحتلال رخص تسمح للفلسطينيين بالبناء، ولم يزد عدد هذه الرخص عن 50 رخصة.

 وأمام الضغط الناتج عن هذه السياسة اضطرت البلدية إلى إحداث تغيير راديكالي عام 1971م، ومنحت المقدسيين نحو 400 رخصة مقابل 7000 رخصة منحت لإقامة شقق سكنية للمستوطنين اليهود بالقسم الشرقي من المدينة.

وللوصول إلى هدف تحجيم وتقليص التواجد السكاني الفلسطيني في المدينة؛وضعت سلطات الإحتلال نظاماً قهرياً يقيد منح تراخيص المباني، وحصرتها بصورة غير مباشرة في التقدم بطلبات رخص فردية للبناء، وأخضعتها لسلم بيروقراطي وظيفي مشدد، بحيث تمضي سنوات قبل أن تصل إلى مراحلها النهائية. وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية المعنية بالإسكان في القدس، قد وافقت على 30.000 وحدة سكنية للمستوطنين في سبتمبر عام 1993م، إلى أنها لم تعط التراخيص اللازمة لبناء 10.000 وحدة سكنية للفلسطينيين، برغم إقرار بلدية القدس في عام 1980م، بأن فلسطيني القدس بحاجة ماسة لبناء 18.000 وحدة سكنية فوراً.

ومن ناحية أخرى لقد وظف الاحتلال عدة اتجاهات أخرى في هذا الجانب أهمها عدم السماح بارتفاع المباني العربية في القدس لأكثر من طابقين أو ثلاثة؛ مما يحد من إمكانيات التوسع العمراني العمودي.

وأمام النقص المتزايد في أعداد الشقق المتاحة للفلسطينيين داخل حدود البلدية، لم يكن هناك مفر سوى البحث عن مساكن خارج الحدود البلدية. إما بالضواحي المجاورة للمدينة، أو في المدن الأخرى، مثل رام الله والبيرة، وهكذا فإن هذا الاتجاه يحقق بصورة غير مباشرة أحد الأهداف التي خططت لها إسرائيل في مسألة التهويد.

وإزاء مشكلة تسجيل السكان الذين يهاجرون من المدينة المقدسة قسراً، بسبب الإجراءات الإسرائيلية بمنع البناء، ردَّ "كوليك" رئيس بلدية القدس السابق في مقابلة مع جريدة الأنباء الإسرائيلية بتاريخ 15/8/1980م القول: "إن الجهات المختصة لم تأخذ حتى الآن بطاقة هوية من أحد، وقد توصلت البلدية إلى اتفاق مع المسؤولين في وزارة الداخلية، وتم الحصول على قرار حكومي بعدم المس بأي مواطن عربي يضطر للبحث عن حل للضائقة السكنية خارج حدود المدينة".

وبخلاف مشكلة ترخيص البناء، يعاني المقدسيون وخاصة الأزواج الشابة، من مشكلة الحصول على سكن، حيث لا يكون بوسعهم سوى الهجرة من المدينة إلى المناطق المجاورة. وتحتدم المشكلة إذا كانت الزوجة لا تحمل هوية القدس، بحيث لا يسمح لها بالإقامة في المدينة، مما يعزز مسألة الهجرة لدى الأزواج الشابة؛ ويحد ذلك من النمو الطبيعي لأهالي القدس.

* المناطق الخضراء والمحميات الطبيعية:

انتهجت سلطات الاحتلال سياسة وضعت بموجبها أراض فلسطينية صالحة للبناء والتوسع العمراني، تحت بند المناطق الخضراء والمحميات الطبيعية؛ وحرم الفلسطينيون من إستخدامها لأغراضهم السكنية، في الوقت ذاته، يتم بناء وحدات سكنية استيطانية بشكل مكثف عليها بعد أن تتم مصادرتها!

وأوضح مثال على ذلك؛ مصادرة أراضي جبل أبو غنيم جنوبي مدينة القدس، الذي يمتلكه فلسطينيون من بيت ساحور وأم طوبا، وتبلغ مساحته (1850) دونماً- كانت قد أعلنت عنه السلطات الإسرائيلية مناطق خضراء تابعة لأراضي الدولة اليهودية، في حين وافقت على إقامة حي استيطاني عليه يستوطنه 45.000 مستوطن. وفي حين تعاني قرية أم طوبا والأحياء الفلسطينية الأخرى من ضائقة سكنية خانقة، يحرم السكان من التوسع.

 ومع بدء تنفيذ البناء الإستيطاني على الجبل، فان الحزام الإستيطاني حول القدس من الجنوب سوف يكتمل ليشكل حزاما عازلاً بين جنوب الضفة الغربية ومدينة القدس.

* سياسة هدم وإغلاق المنازل:

انتهجت سلطات الاحتلال سياسة هدم وإغلاق المنازل الفلسطينية في القدس، إضافة للأساليب السابقة. بحجة البناء بدون ترخيص، وفي أغلب الأحيان لأسباب سياسية، ما أدى إلى إبقاء 21.000 نسمة في ظروف معيشية صعبة في القدس، تعيش إما في كهوف أو أكواخ خشبية أو خيام، وإذا استطاع هؤلاء الأفراد بناء منازلهم مرة أخرى، فسيعرضهم ذلك إلى هدمها مرة أخرى، لأن الأراضي التي بنيت عليها أراض فلسطينية أخضعتها إسرائيل لمناطق تخطيط وبناء للأحياء الاستيطانية، أو تعلن عنها مناطق خضراء، فقد أعلنت سلطات الاحتلال عن 86% من أراضي القدس 1967م، إما مناطق إستيطان أو أراضى خضراء، أبقت على 14% فقط من المساحة الكلية للتوسع الفلسطيني المقدسي، والتي تم البناء عليها في الغالبية الساحقة.

 تهويد الشخصية المقدسية:

بعد تهجير غالبية عرب القدس، سعَت سلطات الاحتلال إلى تذويب ما يمكن من الأقلية العربية الباقية في المدينة، فلجأت إلى فصل هذه الأقلية عن سكان الضفة الغربية، وأصبح هؤلاء بالاسم جزءاً من سكان "دولة إسرائيل"، لكنهم ظلوا بمثابة أجانب محرومين من حقوق المواطنة، ومن الخدمات البلدية، وتعرضوا لجميع أنواع القهر والتمييز العنصري.

وخلال عملية التهويد الشاملة، أصدرت السلطات الإسرائيلية (في 28/8/1968م)،  أسمته "قانون التنظيمات القانونية الإدارية" لسنة 1968م. ومن القيود والشروط التي يفرضها هذا القانون على أبناء القدس ما يلي:

- كل عربي صاحب عمل أو مهنة وكان يمارس عمله أو مهنته، يجب عليه أن يحصل على رخصة إسرائيلية وبموجب القوانين الإسرائيلية.

- كل شركة عربية في القدس، ومسجلة بموجب القوانين الأردنية، عليها أن تعيد تسجيل نفسها لدى المحاكم "الإسرائيلية"، وبموجب القوانين والأنظمة "الإسرائيلية".

- كل عربي يعمل طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو مدقق حسابات، عليه أن يتقدم للسلطات "الإسرائيلية" بطلب موافقة تتيح له الاستمرار بمهنته، بموجب القوانين "الإسرائيلية".

- على كل عربي صاحب امتياز أو علامة تجارية أو اختراع  أن يعيد تسجيل امتيازه أو علامته أو اختراعه لدى السلطات "الإسرائيلية"، وبموجب القوانين "الإسرائيلية".

ويلاحظ هنا، أن تكرار عبارة "بموجب القوانين الإسرائيلية" يعني إعادة تشكيل الهوية الخاصة بجميع أشكال الأنشطة والأداء العام لفلسطينيي القدس، لتكون النتيجة تهويداً للشخصية الفلسطينية المقدسية، حسب الأهداف الإسرائيلية.

تهويد القضاء:

اتخذت السلطات الإسرائيلية بعد احتلال القدس عام 1967م، جملة من الإجراءات الرامية إلى إخضاع القضاء في القدس للقانون الإسرائيلي، ومنها:

- أغلقت جميع المحاكم النظامية في القدس، وفصلت القضاء النظامي في المدينة عن شؤون الضفة الغربية، وألحقته كلياً بالقضاء الإسرائيلي.

- دمجت محاكم البداية والصلح في القدس بالمحاكم الإسرائيلية المماثلة، والقائمة في الشطر الغربي المحتل من المدينة، ونقلت إليها جميع سجلاتها وأثاثها.

- طالبت القضاة والموظفين بتقديم طلبات للالتحاق بوزارة العدل الإسرائيلية.

واعتبر الجهاز القضائي الفلسطيني، هذه الإجراءات وسواها تجسيداً لتهويد القدس؛ فرفضها رجال الجهاز وامتنعوا عن التعاون والعمل مع سلطات الاحتلال، وشارك المحامون في القدس والضفة، الأسرة القضائية بهذا الرفض.

وبشأن المحاكم الشرعية الإسلامية التي أرجأت سلطات الاحتلال بادئ الأمر إغلاقها، حاولت السلطات استمالة قضاتها وموظفيها للالتحاق بأجهزتها. بيد أن هؤلاء القضاة والموظفين رفضوا التعاون مع سلطات الاحتلال، وواجهوا جزاء ذلك، الكثير من الضغوط التي وصلت إلى حد الإبعاد خارج الوطن.

 الضائقة السكنية:

تعددت أساليب التضييق الإسرائيلية على عمليات البناء والإسكان الفلسطينية، فتم تقليص المساحات المخصصة للإنشاءات السكنية للفلسطينيين في القدس، وتصنيف غالبية الأراضي الخاصة بهم كمسطحات خضراء، يمنع فيها البناء، لتكون احتياطاً استراتيجياً للاستيطان اليهودي، وشقت شوارع تهدف إلى منع البناء الفلسطيني، وصودرت أراض واسعة لاعتبارات واهية متنوعة.

وفي نطاق هذه الممارسات الخبيثة، لم تخصص السلطات الإسرائيلية للأبنية السكنية الفلسطينية سوى خمسة كيلومترات مربعة في المناطق الواقعة في القدس، من أصل 17.5 كم2 ، أي نحو 7% من مجموع الأراضي التي صودرت منذ العام 1967م.

 وفي الوقت ذاته، لا تسمح سلطات الاحتلال للفلسطينيين بتشييد أكثر من ثلاثة طوابق في المبنى الواحد (مقابل السماح بثمانية طوابق لليهود)، وتضع أمام البناء الفلسطيني عقبات وشروطاً تعجيزية، منها رسوم وضرائب تصل إلى مئات آلاف الشواقل، فضلاً عن المصاعب القانونية والبيروقراطية؛ لذا يواجه الفلسطينيون خيارات صعبة منها: مواصلة العيش في المكان ضمن أوضاع وظروف خانقة، وتكبد تكاليف البناء (القانوني) الباهظة، أو المغامرة بالبناء دون ترخيص، أو مغادرة المدينة.

 الاحتلال الإسرائيلي قوة طاردة للفلسطينيين من القدس:

وفي هذه الأجواء، وصل معدل الاكتظاظ السكاني في الغرفة الواحدة 2.2 شخصاً للفلسطينيين (مقابل 1.1 شخصاً لليهود). ويصل النقص في عدد الوحدات السكنية للفلسطينيين إلى أكثر من 20 ألف وحدة، حيث يشكل البناء لاحتياجاتهم نحو 12% فقط من مجموع الوحدات السكنية التي أقيمت في مناطق  القدس (بينما يشكل البناء لاحتياجات اليهود 88% من هذا المجموع).

وكمؤشر آخر على الضائقة السكنية للفلسطينيين في القدس، ذكر تقرير فلسطيني (عام 1997م)، أن 34% من مساكن القدس القديمة مستأجر، 11% مملوكة لأسر، 6% مملوكة لعائلة، 12% أوقاف إسلامية، 20% أوقاف مسيحية، 6.5% أوقاف ذرية، 12% من الغرف دون نوافذ، 50% تعاني من الرطوبة العالية، 41% من الغرف يعيش في الواحدة منها 3 إلى 5 أفراد.

والنتيجة نشوء قوة طاردة تدفع الفلسطينيين للنزوح عن المدينة. ولا يخفى ما لهذا النزوح من آثار كارثية على مستقبل القدس، في المنظوريْن السياسي والاستراتيجي.

 إهمال البنى التحتية في القدس:

بغرض زيادة قوى الطرد الداخلية الموجهة ضد فلسطينيي القدس؛ لحملهم على مغادرة المكان، تعمدت سلطات الاحتلال ترك مكونات البنية التحتية المقدسية في حالة من التآكل المستمر، فماطلت في إجراء الصيانة والإصلاحات الضرورية لهذه المكونات، وما قامت به لا يرقى إلى الحد الأدنى اللازم للحياة الإنسانية. أما في المناطق السياحية من مدينة القدس، فقد سعت سلطات الاحتلال إلى إيجاد بعض المظاهر التي تقدم مظلة عن الواقع.

وعلى سبيل المثال، ذكر تقرير منشور (عام 1995)، أن نصف خطوط المياه في الأحياء العربية بحاجة إلى تبديل، وأن نصف الأحياء العربية يفتقر إلى شبكات صرف صحي منظمة، وفي قسْمٍ كبير من هذه الأحياء توجَد طرق ترابية غير معبدة، وغير مرصوفة، ودون إنارة، هذا على الرغم من مبالغ الضرائب الضخمة التي تفرضها سلطات الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأنشطتهم. وتعكس ظروف التمييز العنصري ضد هؤلاء المواطنين الحالة المتردية للبنية التحتية، في مختلف المجالات. فبينما ينعم الجزء الغربي (اليهودي) من القدس بخدمات عالية من مقومات الحياة المدنية، بينما يغرق الجزء الفلسطيني من القدس في العديد من المشكلات الخدمية والاجتماعية الناجمة عن الإهمال "الإسرائيلي" للبنية التحتية، وهي مشكلات لا تعاني منها عموماً الأحياء والمستوطنات اليهودية في هذا الجزء من المدينة.

سحب الهويات المقدسية:

يبين الإحصاء السكاني الذي أجرته سلطات الاحتلال لسكان القدس  المحتلة عام 1967 م، أن هناك 66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ظلوا داخل حدود المدينة. آنذاك لم تقم السلطات بمنح هذا العدد الحق للمواطنة بموجب القانون الصهيوني، بل منحتهم "حق الإقامة"، والفرق واضح بين الحالين، إذ أن الأول يعني حقاً أبدياً لا يملك أحد إلغاءه (إلا ضمن ظروف معينة تتعلق بأمن الدولة، ومن السلطات الشرعية وليس سلطات الاحتلال)، أما الثاني فيعني أن وزير الداخلية الإسرائيلي يملك الصلاحيات في كل وقت لإعطاء تعليماتٍ يمكن بموجبها حرمان الشخص من الإقامة في المدينة، ويطبق موظفو الداخلية هذه التعليمات بصورةٍ آلية دون الرجوع إلى أي مرجع آخر.

كان النص القانوني المعتمد في هذه الحالة ما ورد في "قانون الدخول لإسرائيل" (للعام 1952م)، الذي طبق على سكان القدس، واعتبروا بموجبه مقيمين موجودين بتصريح هوية تتيح لهم السكن والعمل، وذلك على غرار أي أجنبي مقيم في القدس ويحمل هذه الهوية. وفي العام 1974 م، صدرت أنظمة تحكم مسألة الدخول إلى "إسرائيل"، وكانت المادة الحادية عشرة من هذه الأنظمة، تنص على أنه يكون الشخص خارج "إسرائيل" إذا وجِد خارج حدود دولة "إسرائيل" مدة 7 سنوات أو أكثر، أو حصل على الإقامة الدائمة والجنسية في دولة أخرى "وفسرت الأجهزة الإسرائيلية هذه المادة بأن أي مقدسي يقيم خارج القدس، في الضفة الغربية أو خارجها، ينطبق عليه هذا التعريف، أي إمكان سحب هويته المقدسية.

وفي عام 1988، أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثل في ما سمي "مركز الحياة" الذي يكتنفه الكثير من الغموض في التعريف، حيث يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات.

وفي التطبيق، سمحت السلطات الإسرائيلية للسكان المقدسيين (وسواهم من المناطق المحتلة)، بالسفر إلى الدول العربية عن طريق الأردن، أو السفر إلى الخارج عن طريق مطار اللد، وذلك على أمل ألا يعودوا إلى موطنهم. وكانت مدة تصريح الخروج عبر الجسور مع الأردن ثلاث سنوات، أما الخروج من مطار اللد، فكان يتم بواسطة وثيقة سفر (ال سي با سيه)، التي تصدرها وزارة الداخلية الإسرائيلية، ومدتها سنة واحدة.

وفي أوائل العام 1996م، قامت سلطات الاحتلال بتبليغ المئات من السكان المقدسيين، أن عليهم ترك مدينة القدس وتسليم هوياتهم؛ بحجة أن تصريح إقامتهم الدائمة قد انتهى،ووجهت هذه الإجراءات على وجه الخصوص للمقدسيين المقيمين خارج حدود بلدية القدس. وطبقته بأثر رجعي، مما عرض الآلاف منهم إلى خطر سحب الإقامة الدائمة، وشطب أسمائهم من سجلات السكان، بحجة أنهم نقلوا مركز حياتهم إلى خارج المدينة أو البلاد. ولوحظ أن حملة مصادرة هويات الإقامة قد تصاعدت في عهد حكومة اليمين الصهيوني (برئاسة نتنياهو)، وأنها استمرت في عهد حكومة ايهود براك الائتلافية.

وحسب إحصائية فلسطينية بلغ عدد المقدسيين الذين صودرت هويات إقامتهم في المدينة خلال السنوات 1996- 1999م، ما مجموعه 2955 حالة مبلغ عنها، وذلك من أصل نحو 6179 حالة صودرت هوياتهم المقدسية منذ العام 1967.

وتعبيراً عن الرفض التام للإجراءات الإسرائيلية، أقامت عشرات العائلات المقدسية، التي سحبت هوياتها، (مخيم الصمود والرباط)، على أرض وقفية في  حي الصوانة المقدسي، وذلك بالتنسيق مع الشهيد فيصل الحسيني/ بيت الشرق، والقوى الوطنية والإسلامية، بهدف الضغط على سلطات الاحتلال وحملها على التراجع عن إجراءاتها، والكف عن حرمان العرب من الإقامة في مدينتهم.

وفي الوقت ذاته، كانت إجراءات الاحتلال بمثابة ضربة مرتدة، إذ شهدت مدينة القدس عودة كثيفة من أبنائها إلى الاستقرار في مدينتهم، ونشطت مؤسسات أهلية وغير حكومية في تمكين العائلات من مواجهة الظروف القاسية التي تكتنف الإقامة في المدينة. وقامت الأطر والفعاليات الفلسطينية بتنظيم المسيرات والإعتصامات، وتفعيل أنشطة إعلامية وحقوقية وسياسية واجتماعية  لتعزيز صمود أبناء القدس وتثبيتهم في مدينتهم.

فأقلقت هذه الظاهرة السلطات الإسرائيلية، فقامت بتهدئة التوتر باعتماد مناورة جديدة، تقضي بالكف عن سحب هويات المقدسيين (أواخر العام 1999م)، وأخذت تطبق مناورتها هذه بصورة محدودة، وذلك بانتظار فرصة أخرى يتم الإعداد لها، وتكون بمثابة حل جذري يترتب عليه تفريغ القدس من أكبر عدد من مواطنيها الفلسطينيين.

وفي أول فرصة أتيحت للاحتلال الإسرائيلي، وبعد استشهاد المرحوم فيصل الحسيني بفترة وجيزة، قامت هذه السلطات الإسرائيلية وبقرار من أرئيل شارون شخصياً، بإغلاق بيت الشرق وجمعية الدراسات العربية والغرفة التجارية وعدد آخر من المؤسسات الوطنية، الداعمة باتجاه تعزيز صمود المواطن المقدسي في أرضه ومدينته، وذلك في ليلة 9/10/ 2001م.

هذا بالإضافة إلى الهجمات الإسرائيلية من قبل اليمين المتطرف المتكررة، التي تعرض لها بيت الشرق والمؤسسات الوطنية المقدسية المختلفة، من إغلاق وتفتيش وفرض غرامات مالية باهظة، وملاحقات قضائية مختلفة، وغيرها من الانتهاكات المتعددة؛ فقد تعرض بيت الشرق للعديد من هذه الإجراءات والملاحقات المتطرفة وأعمال التحريض، حيث اعتصم وتظاهر المستوطنون المتطرفون لعدة أشهر أمام بيت الشرق عامي 1995 و 1996م، وكان يقودهم آن ذاك كل من أرئيل شارون، وبنيامين نتنياهو، اللذين كانا يشاركان في هذه المظاهرات التي كانت تطالب بإغلاق بيت الشرق والمؤسسات المقدسية الأخرى؛ كونها مؤسسات تدعم  المواطن المقدسي وتدافع عنه، في سبيل تثبيته في مدينته وأرضه.

وخلال السنوات اللاحقة، قامت إسرائيل بتصعيد حملات مصادرة إقامة المقدسيين فخلال العام 2007 قامت وزارة الداخلية الإسرائيلية بإسقاط حق الإقامة عن 229 مواطناً مقدسياً، بينما سجل العام 2008 أكبر نسبة لسحب البطاقات الشخصية، وإسقاط حق الإقامة عن أصحابها وصلت إلى 4672 مواطناً، وترجح التقديرات بأن العام 2009، سوف يشهد آلاف عمليات سحب الإقامة من المقدسيين.

خطة إسرائيلية لتصنيف فلسطينيي القدس:

في إطار التوجّهات الإسرائيلية المستقبلية إزاء مسألة المواطنة المقدسية في المدينة، وضع طاقمٌ من المسؤولين والخبراء الإسرائيليين خطة جديدة، من المتوقع تطبيقها لدى إنضاج ظروفها الذاتية، تتضمّن تقسيم الفلسطينيين في (القدس الكبرى) إلى خمس مجموعات، كما يلي:

- المجموعة الأولى: تشمل سكان القدس 1967م، الذين شملهم الإحصاء الإسرائيلي عام 1967م، والذين يقطنون رسمياً داخل حدود بلدية القدس، ويحصلون على تأشيرات إقامة دائمة. وهؤلاء تعترف السلطات الإسرائيلية بإقامتهم، ويمكنهم الحصول على حقوقهم الإدارية والاجتماعية والخدمية...الخ.

- المجموعة الثانية: تشمل سكان القدس الذين كانوا يحملون تأشيرة الإقامة الدائمة، التي ألغتها سلطات الاحتلال بأي ذريعة كانت، ويقيم هؤلاء في تجمعات محيطة بالقدس، وعددهم نحو 70 ألف مواطن. وترى سلطات الاحتلال أن من حق هؤلاء السكان الاحتفاظ ببطاقاتهم (الزرقاء)، لتكون بمثابة تصريح لعبورهم أراضي عام 1948م، لكنهم يحرمون من الحقوق المدنية والاجتماعية والصحية والتعويضات، ولا يملكون حتى المواطنة في القدس.

- المجموعة الثالثة: تتكون ممن جاؤوا للسكن في القدس عن طريق جمع الشمل، وكان هؤلاء يعامَلون كمقيمين أجانب، ثم سمِح لهم بالإقامة الدائمة، وتعتزم السلطات الإسرائيلية حرمانهم من جميع الحقوق المدنية والاجتماعية والصحية.. الخ.

- المجموعة الرابعة: تضم مواطني القدس الذي يقيمون فيها، لكنهم يحملون بطاقات الضفة الغربية (مثل سكان: بيت حنينا القديمة، الشيخ سعد، بيت إكسا، الولجة، بيرعونة)، ممن ليس لهم مدخل أو مخرج بين قراهم  والمناطق المجاورة، إلا عبر حدود بلدية القدس الغربية.

وهؤلاء ستكون بطاقاتهم شبه تصاريح خاصة تخولهم الدخول أو الخروج إلى مناطقهم، وإلى حدود غربي القدس فقط، دون منحهم حق المواطنة المدنية والاجتماعية وسواها، وعدم اعتبارهم مواطنين مقدسيين، رغم استمرار فرض الضرائب على ممتلكاتهم وأنشطتهم.

- المجموعة الخامسة: تتألف من سكان القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، التي شملها حق الاقتراع للمجلس التشريعي الفلسطيني (مثل: العيزرية، أبو ديس، بدّو، حزما، مخماس، الرام، والسواحرة الشرقية)، وهي تجمعات لن يكون لسكانها أي حقوق، ويمكنهم الحصول على تصاريح دخول القدس، مع إرغامهم على دفع الضرائب لأنهم ينتمون إلى المجال "الإسرائيلي"، بينما سيكونون من الناحية الإدارية تابعين للسلطة الفلسطينية.