17 - 07 - 2024

إيمان السداوي من صبي أوسطى في ورش الحرفيين لصاحبة علامتين تجاريتين

إيمان السداوي من صبي أوسطى في ورش الحرفيين لصاحبة علامتين تجاريتين

لكل ست مصرية حكاية، وكل حكاية تسرد تفاصيل حياة مليئة بالكفاح والتحدي، فالمرأة في بلادنا تحمل على اكتافها عبئ الوصول إلى المستقبل بأمان، سواء من خلال أبنائها واستقرار أسرتها، أو من خلال عملها وتحديها لكل الظروف التي تعوق حركتها من أجل تحقيق طموحاتها، وبطلة اليوم هي امرأة تجمع بين الحسنيين، حسن الأسرة والأطفال وحسن الطموح والنجاح في العمل.

قبل الثورة كانت إيمان السداوي موظفة عادية في إحدى الشركات الاستثمارية الخاصة، تعيش حياة روتينية بين الوظيفة والمنزل حيث رزقها الله بطفل صغير كرست له ولزوجها كل وقتها، وظلت حياتها تسير على هذا المنوال دون أي صدمات أو انقلابات تجعلها تثور على وضعها الآمن والسعيد.

مع قيام ثورة 25 يناير وتعرض البلاد لكساد اقتصادي كبير، كانت إيمان واحدة من الذين دفعوا الثمن، فقد سرحوها ضمن عدد كبير من زملائها لتخفيض نفقات العمالة، وفوجئت بنفسها تجلس في المنزل وهي المؤمنة بضرورة عمل المرأة لتأمين نفسها اقتصادياً ضد أي مفاجآت يحملها القدر. وما زاد الطين بلة اكتشافها لأنها حامل للمرة الثانية وهذه المرأة في توأم.

"مررت بلحظات عصيبة فلقد اكتشفت أنني حامل في توأم وأنا بلا عمل ولا يمكن لزوجي الذي تأثر أيضاً في عمله بسبب تداعيات الثورة أن يواجه وحده كل هذه الأعباء المادية".

لم يكن أمامها حل سوى انتظار وضعها لتوأمها ومن ثم التفكير فيما يمكن أن تقوم به، لكنها بعد أن وضعت حملها أحست أنها لا ترغب في البحث عن وظيفة تقليدية أخرى، فهي تحمل في داخلها طموحاً كبيراً للاستفادة من ولعها بالرسم وتصميم الإكسسوارات، بل أنها كانت تصمم أساور وحلقان وأعقاد وتصنعها في المنزل باستخدام خامات بسيطة، لتهديها إلى نساء عائلتها وصديقاتها، تقول:" أنا كنت غاوية شغل فضة وأشغال يدوية بشكل عام وكنت بشتغلها بالفعل بدون مكسب، ففكرت في استغلال موهبتي واستخدام الخامات الموجودة في السوق المصرية لتصنيع إكسسوارات نسائية ومنزلية.

آ 

بدأت إيمان في النزول بمنتجاتها البسيطة إلى معارض اليوم الواحد بالأندية، وهي تصطحب أبنائها معها، لتقف وهي تحمل طفليها التوأم وابنها الأول يلعب حولها لتبيع منتجاتها: " رغم صعوبة البداية وعدم معرفتي لما أرغب بالفعل في الوصول إليه، إلا أنني كنت سعيدة جداً وكان زوجي يشجعني على الاستمرار."

تدريجياً بدأت الصورة تتضح في ذهنها، فهي لا ترغب في الاكتفاء بتصنيع أكسسوارات بسيطة وبيعها بمبالغ زهيدة كلما اشتركت في معرض صغير بأحد النوادي، وإنما ترغب في استغلال معرفتها الواسعة بأنواع المعادن ودراستها لها في الكثير من الورش الخاصة، لتُصمم وتُصنع المجوهرات ثم تتوسع نحو الإضاءات المنزلية، وهذا ما نفذته بالفعل: " بدأت في النزول إلى الورش الحرفية المتخصصة في تشكيل المعادن بشكل عام، وبدأت أتعلم من الحرفيين أسلوب الصناعة، وذلك بالعمل تحت أيديهم كصبي للأسطى الحرفي."

لم تخجل إيمان من العمل كمساعد للحرفيين، ولم تخاف من الصعوبات التي واجهتها، فكونها امرأة في عالمنا الشرقي تعرضت إلى الكثير من المشاكل والتحديات التي قد تُجبر غيرها على الفرار هرباً: " لأنني امرأة كان العمال يرفضون دخولي إلى ورشهم من الأساس، والذين وافقوا كانوا يعاملونني على اعتبار أنني فتاة مدللة تحاول القيام بمغامرة للقضاء على الملل، ناهيك عن محاولات التحرش والألفاظ البذيئة التي كنت أسمعها، لكنني لم أهتم وتحملت كل ذلك من أجل الوصول إلى هدفي."

لم يتوقف الأمر على الاستخفاف والتحرش بها بل امتد أيضاً إلى استغلالها مادياً، فلقد كانوا يطالبونها بمبالغ كبيرة، إضافة إلى الهدايا وعزومات الغداء، وعندما اكتشفوا أنها شربت الصنعة وتعلمت بالفعل طردوها من ورشهم.

أصبح لدى إيمان الآن خط إنتاج باسمها، إضافة إلى علامتين تجاريتين لتصنيع المجوهرات والإضاءات المنزلية المستوحاة من التراث الإسلامي، رغم أن الحروب لم تتوقف بعد طردها من ورش الحرفيين، فلقد واجهت الكثير من الأحقاد لأنها كانت تتمكن من بيع كل منتجاتها في المعارض الصغيرة التي كانت تشارك بها، فسعى البعض إلى رفض مشاركاتها بتلك المعارض:" كنت أواجه كل تحدي بتطوير أدواتي سواء في التصميم أو التسويق، لذلك قررت في تلك الفترة أن أُصنع بنفسي فاستدنت من أجل فتح خط إنتاج باسمي.

توجهت إيمان إلى وزارة الصناعة والغرفة التجارية الخاصة بالحرف اليدوية لمعرفة إمكانية مساعدتها في تطوير أعمالها، وبالفعل رحبوا بها وبدأت في المشاركة بالمعارض الدولية الكبرى: " شجعتني الوزارة والغرفة للاشتراك في معارض الحرف اليديوية التي ينظمها المجلس التصديري للحرف اليديوية وغرفة التجارة، وبالفعل أخذت أول طلبية تصدير للسعودية وهي عبارة عن مائة مشكاة بمخطوطات يدوية مطعمة بالنحاس من تصميمي وتصنيعي."

ورغم أن إيمان السداوي تعمل في هذا المجال منذ ست سنوات منها ثلاث سنوات احتراف، إلا أنها تشكو من الكثير من الصعوبات، مثل عدم توفر عمالة ماهرة ومدربة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخامات، والمبالغة في أسعار الإيجارات، فهي حتى الآن لا يوجد لديها منفذ للبيع خاص بها:" للأسف السوق المصري أصبح راكداً بسبب ارتفاع الأسعار ولذلك كل تركيزنا على التصدير إلى الخارج، كما أن غياب الرقابة على السوق يسهل سرقة تصميماتي وتصنيعها بخامات رخيصة ومن ثم ضرب أسعار منتجاتنا في السوق، نحن نحتاج إلى حماية من وزارة الصناعة."

رغم ذلك إيمان مصممة على المضي قدماً في تحقيق حلمها، فهي سعيدة بتمضية يومها بين منزلها وعملها، ورغم تأكيدها لأنها لا تنام أكثر من أربع ساعات فقط في اليوم، إلا أنها تشعر بالرضى وتحلم بأن تلمس أصابعها السماء يوماً.آآآ 

آآآآ