16 - 08 - 2024

د. منير فياض في محاضرة بمركز سلطان بن زايد: الإعلام المسؤول ينتج خطاباً آمناً

د. منير فياض في محاضرة بمركز سلطان بن زايد: الإعلام المسؤول ينتج خطاباً آمناً

 

في محاضرة بعنوان " الخطاب السياسي في وسائل الإعلام" استضاف مركز سلطان بن زايد بدولة الإمارات العربية الباحث الدكتور منير فياض أستاذ الإعلام بكلية الإمارات للتكنولوجيا، أوضح فيها كيف أن التطور التكنولوجي السريع لوسائل الاتصال انعكس إيجاباً على وسائل الإعلام بكافة أنواعها المكتوبة والمسموعة والمرئية، ليجعل منه رافعة العمل السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية، حيث أصبحت معظم دول العالم، تتخذ من وسائل الإعلام منصة لتنفيذ سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، فيما أضحت العلاقات العامة عاملا هاما في نجاح أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، وامتد الاهتمام بها إلى أبعد من ذلك، حيث تستخدم العديد من دول العالم الإعلام والعلاقات العامة في تحسين صورتها من خلال حملات مدروسة ومنظمة.

بيَّن الباحث أن السؤال حول مدى تأثير العلاقات الدولية المعاصرة على الإعلام لم يعد مناسباً في ظل النظام الدولي الراهن، بل يمكن أن تكون الحاجة أكثر إلحاحاً إلى طرح السؤال بشكل مقلوب عن تأثير الإعلام على الخطاب السياسي، إذ أصبح التبادل الإعلامي الدولي واحداً من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام، نظراً للإمكانات الهائلة والمتقدمة التي تبشر بتأثير تلك التطورات على التواصل والاتصال الدوليين، خصوصاً بعد أن أصبح "التوتر" مثلاً لسان حال معظم قادة وسياسي العالم، مشيرا إلى أن التحدي المطروح أمام وسائل إعلام الدول النامية اليوم هو ضرورة اللحاق بثورة التكنولوجيا بالسرعة اللازمة والكفاءة المميزة، وإلا تخلفت عن سوق المنافسة.

ونبه للتأثير القوي لوسائل الإعلام في تعرض العالم لأزمات مالية واقتصادية بسبب خضوع العالم للشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت فوق الدول، وأخطار فرض مفاهيم وأسلوب التفكير والحياة الأمريكية على العالم، وخطر تعميق الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وخطر اتساع ظاهرة إضعاف دور الدول القومية، وعولمة الإرهاب، والتضييق على الثقافات واللغات القومية ومحاولة القضاء عليها، وإثارة الفتن والقلائل والاضطرابات الدينية والعرقية في الدول متعددة القوميات، ولا يُخفي القادة الأمريكيون سعيهم الحثيث لتوظيف كل القدرات الاقتصادية والمالية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية من أجل فرض السيطرة الأمريكية على العالم في القرن الحادي والعشرين.

وأشار إلى أن الهيمنة الثقافية الأمريكية اليوم تتمثل من خلال تحويل اللغة الإنجليزية باللهجة الأمريكية إلى لغة وحيدة لعولمة وسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية،طبقا لما جاء في كتابيّ البريطاني د. كريستال "اللغة الإنجليزية لغة العولمة"، و"موت اللغات"، كما بين العلاقة بين الإرهاب والعولمة مُستشهداً بما حدث مِن أعمال إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية في 11/9/2001 وماتبعها من أعمال تطرف شملت الكثير من الدول، وهو ما دفع  الملتقى الدولي الذي عقد في كرواتيا خلال نوفمبر 2002 لمناقشة مشاكل الدبلوماسية العلنية، ووسائل الإعلام الجماهيرية والإرهاب، وكيف أنه لولا عولمة بث الإذاعة المرئية لما كان الإرهاب، لأن الهدف الرئيسي للإرهاب كما أشار البعض، ليس قتل بضع مئات أو حتى آلاف الناس، بل إخافة ملايين البشر.

 ألمح د. فياض إلى أن معظم الإعلاميين ينظرون لأخلاقيات العمل الإعلامي على أنها مجموعة من المبادئ والنظريات الفلسفية المعقدة التي تهتم بصنع القرارات استمداداً من الدين والعرف والقانون، ولكن يعارضها البعض نظرا لصعوبة تطبيقها، وكيف أنها تتناقض مع ظروف العمل الإعلامي ومتطلباته، وتحد من حريتهم في الحركة وقدرتهم على تغطية الأحداث، بينما ترفض كذلك وسائل الإعلام المختلفة تبني مواثيق الشرف حتي لا تستخدم ضدها في المحاكم.

بينما يرى المؤيدون أن الإعلام إن لم يكن مسؤولاً فسينتج بالتأكيد خطاباً سياسياً واجتماعياً وثقافياً غير آمنٍ، ويفقد مصداقيته، ويقترن ذلك بتناقص احترام الجمهور وبالتالي تناقص عددهم، وقد أكدت معظم نتائج الاستطلاعات التي أجريت في هذا المجال أن الجمهور أصبح لا يثق في أخلاقيات الإعلاميين وأن الصحافة تتبع سبلا غير أخلاقية وغير قانونية للحصول على الأخبار، فضلاً عن قيام الصحفيين أو العاملين بالمجال الإعلامي بسرقة الأفكار ونشر القصص المفبركة كسباً للشهرة، كما أن التوسع في وسائل الاتصال أدى إلى تزايد الأغراض التجارية، وإفلاس المضمون، وغلبة الاتجاه التجاري للحصول على أكبر قدر ممكن من الإعلانات إرضاء للمعلنين لا الجمهور، بل واتجاه بعض الصحف لنشر القصص الغريبة والفضائح تعبيراً عن إفلاسها الأخلاقي.

وأخيراٌ يدعو الحكومات ألا تقف موقف المتأمل أمام  التعاطي السلبي للعديد من وسائل الإعلام والإعلاميين تجاه أخطر القضايا المثارة في هذه الأيام، كالفتن المذهبية والقومية والمناطقية، حيث تجري محاولات حثيثة لإحداثها واشاعتها خدمة لأغراض هدّامة ومشاريع خبيثة، ومع أن هناك وسائل إعلامية عديدة تتحلى بروح المسؤولية الى حد معقول حيث تعي مسؤوليتها في مواجهة هذه الفتن ومثيريها، وتساعد في الجهود المخلصة المتصدية لها من قبل العلماء وأصحاب الرأي والمواقف البنّاءة، إلا أنها تحتاج لدعم قوي ومباشر من الحكومات بشكل يجعلها قادرة على ترسيخ دورها.