17 - 07 - 2024

شهداء الوطن .. وشهداء التوك شو

شهداء الوطن .. وشهداء التوك شو

محمد حسن عطوة .. مواطن مصري لايعرفه أحد ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام أو الفضائيات أو برامج التوك شو لأنه ببساطة ليس من السادة النشطاء ولا من دكاكين حقوق الإنسان ولم يسافر للخارج ليتلقى دورات تدريبية للتحريض على العنف أو ضرب الشرطة والجيش ..

محمد حسن عطوة مجرد مواطن مصري تم تجنيده في السبعينات مع أقرانه من الشباب الذي دخل الجيش وهو يتمنى أن يحارب إسرائيل لاسترداد الكرامة المصرية التي ضاعت في 67 على أيدي بعض القيادات غير المسئولة التي ألقت بزهرة شبابنا في الصحراء ليلقوا حتفهم بالآلاف على أرض سيناء التي ارتوت وما زالت ترتوي بدماء جنودنا البواسل

محمد حسن عطوة شارك في حرب أكتوبر 73 .. قاتل اليهود واستشهد دون أن يشعر به أحد .. حتى انتهت الحرب وتم اعتباره من المفقودين .. احتوته الرمال في طياتها فكانت له الأم التي تحتضن ابنها الذي دافع عنها وقاتل ومات في سبيلها

ظل محمد حسن عطوة في الرمال لمدة 41 عاما لم يشعر به أحد ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام ولا برامج التوك شو التي تجيد قلب الحقائق وتحويل الكذب إلى حقيقة والحقيقة إلى كذب .. لم يعلم أحد عنه شيئا حتى اكتشف العاملون في حفر قناة السويس الجديدة وجود رفاته مدفونة في الرمال ومعها حافظته وبها بطاقته الشخصية وبطاقته العسكرية التي توصلوا عن طريقها إلى اسم صاحب الهيكل العظمي لنكتشف جميعا أننا أمام رفاة بطل مصري صنع تاريخا لمصر ولم يعرفه أحد ولم يتحدث عنه أحد رغم أنه غاب لمدة تزيد عن أربعين عاما وتم اعتباره من المفقودين في الحرب

لم تخرج علينا فضائية واحدة ممن صدعونا بالحديث عن شهداء ومصابين  اكتشفنا أن كثيرا منهم بلطجية ومسجلون خطر .. اعتبروهم شهداء رغم أنهم ماتوا أمام أقسام الشرطة في محاولات لاقتحامها وقتل الضباط والجنود والاستيلاء على الأسلحة والأحراز ورغم ذلك اعتبروهم شهداء وعاملتهم الدولة على أنهم شهداء وتم تكريمهم وصرف تعويضات لأسرهم وتوظيف أبنائهم ورغم كل ذلك كانوا يعترضون ويتظاهرون ويعتصمون أمام مجلس الوزراء ليطالبوا بحقوقهم بكل بجاحة والجميع يعلم حقيقتهم

أما الشهداء الحقيقيون فلم يعرف أحد عنهم شيئا ولم يخرج أحد من عائلاتهم يتظاهر ويطالب بحقوقهم .. لم يخرج أحدهم ليطالب بشقة ولا معاش استثنائي .. لم تطارنا أسرهم بكل بجاحة على شاشات الفضائيات وبرامج التوك شو ليتحدثوا عن بطولة أبنائهم ولا أمجادهم الحقيقية التي صنعوها في حروب حقيقية مع العدو .. وسطروها بدمائهم في صمت وبدون دعاية ولا أبواق تصرخ فينا ليل نهار لتقنعنا أن هؤلاء شهداء وهم أبعد ما يكونون عن الشهادة

إن ظهور رفاة المجند محمد حسن عطوة هي شهادة حقيقية تؤكد أن في مصر أبطالا صنعوا التاريخ وسطروه بدمائهم ولم يعلم عنهم أحد شيئا لأنهم لم يكونوا يقاتلون بحثا عن شهرة ولا عن مجد ولا عن مال ولا دولارات .. كانوا يقاتلون ويموتون دون أن يشعر بهم أحد لأنهم على قناعة تامة أن الوطن في حاجة ماسة إليهم .. كانوا يؤمنون بأوطانهم إيمانا راسخا لايقبل الشك ولا التشكيك .. كان الواحد منهم يعيش حياته كلها في خندق في انتظار لحظة يحقق فيها النصر على العدو التاريخي دون انتظار جائزة أو مكافأة أو نيشان .. كان كل همهم هو الوطن أولا وأخيرا ..عاشوا وماتوا وحب الوطن هو غايتهم والنصر حلمهم

شهداء الجيش المصري الذي يهاجمه البعض الآن ويردد شعارات يسقط حكم العسكر .. هم فعلا الشهداء الحقيقيون .. وليسوا شهداء التوك شو والمنظرة والدعاية الكاذبة .. هؤلاء الشهداء هم من يردون على المشككين في الجيش المصري الوطني الآن .. وظهور رفاة الشهيد بأمر الله محمد حسن عطوة هي رسالة واضحة لكل المصريين أن جيش مصر هو جيش الوطن .. جيش الشهداء .. الجيش الذي دافع عن مصر طيلة تاريخه المجيد ولم يكن فيه الخونة ولا العملاء على مر التاريخ .. إنها رسالة من العالم الآخر لمجاهدي الفضائيات والمقاتلين من فنادق قطر ذات النجوم السبعة .. جيش مصر أشرف منكم وأعز وأعلى من كل خائن وعميل .. أعتقد أن الرسالة واضحة .. حتى الشهداء في العالم الآخر يحزنون على حال مصر الذي وصلت إليه على يد بعض أبنائها .. رحم الله شهداءنا وتقبلهم مع الصديقين والشهداء ..اللهم آمين   

 

مقالات اخرى للكاتب

الأيدي المرتعشة.. و حقوق الشهداء