30 - 06 - 2024

السفير معصوم مرزوق يكتب: علي هامش الإنتخابات

السفير معصوم مرزوق يكتب: علي هامش الإنتخابات

بعض الكلاب قدرتها علي النباح اشد واخطر من قدرتها علي العض ..والنباح العالي ليس الا تلوث صوتي ..هذا هو اغلب الاعلام ..رفعت الأقلام وجفت الصحف ..

كلما طالعت وجهه علي شاشات التليفزيون ، سورتني الدهشة ، أنه لا يخجل..رجل أحترف الكذب .. واستسلم لحالة إنكار حادة.. يتحدث عن الوفرة والإنجازات ، بينما الأذرع الممتدة والمتزاحمة حول لوريات نقل المواد التموينية تجسد عملية تحويل شعب من مطالب بحريته إلي مصارع من أجل مجرد البقاء حياً..

يقال أن هذا زمن إنتخابات ، والمنافسة حامية الوطيس ، وتمتلئ مدن وقري مصر بصور "المرشح " بشكل كثيف ، مخيف ، غير محتمل .. تري من يدفع هذه التكاليف الباهظة ؟ ، وهل هي تخضع بالفعل للشروط التي أعلنت عنها هيئة الإنتخابات الموقرة ؟ .. ولكن .. هل يليق كل هذا الرقص فوق أجساد شهداء الجيش والشرطة من أبناء مصر الأعزاء ؟ ..ألم يجدوا من يقول لهم : " عيب عليكم ".. أو أنها رغبة سيادية كي يكتب التاريخ أن الإنتخابات المصرية كانت إحدي وسائل التخسيس لبعض النساء المصريات..؟!

رقص بلدي علي أنغام نحاسية ، كي يتعلم الأبناء كيف نخوض حرب الإنتخاباتآآآ ؟؟ .. ومن ناحية أخري ، فإن جانبا من الدعاية الغبية يدفع أبناء مصر تدريجياً إلي استقطاب ديني مرذول ، فلا يمكن إخفاء أن هناك جهة دينية تحشد وتدفع إيجارات الحافلات كي ترسل أبناء الطائفة إلي صناديق الإنتخابات ، دون حتي أن تبذل مجهوداً لإخفاء هويتها الدينية ، وكأنها تصر علي توصيل رسالة لمن تعلم أنه يهمه الأمر ، تبلغه بالفضل ، وتتوقع منه رد الجميل ...وذلك أمر خطير للغاية ، ودلالاته مخيفة بالنسبة للمستقبل ، وأرجو أن ينتبه العقلاء في الطائفة نفسها لخطورة هذا المسلك الذي لم نشهد له مثيلاُ إلا عندما غزا نابليون مصر وحاول إستمالة طائفة وتم تعيين الجنرال يعقوب،فوق رقاب المصريين ، ومن يعرف التاريخ جيداً يعرف ما الذي أعنيه بخطورة هذا السلوك ...

ويتهامس الناس بالتقارير المفزعة عن دور الأجهزة خارج مصر في الترويج للحشد ، بل وتنقل بعض الصور التي لا تكذب عن الترتيب والإعدادآآآ .. من أعاجيب الزمن أنهم يصدقون كذبتهم .. رغم أنه كأنه الأمس حين جلس أحمد عز في مؤتمر صحفي يتحدث بغرور عن نتيجة برلمان ٢٠١٠ ، وكانت – كما يعلم القاصي والداني – بمثابة القشة التي قصمت ظهر النظام ، فلقد كانت الأكاذيب فوق طاقة إحتمال البشر ، وتتجاوز المعتاد من الأكاذيب والحيل .. أنها حالة إنكار كاملة ، والكل يعرف أن تصنيع وفبركة نتيجة برلمان ٢٠١٠ كان أحد أهم أسباب ثورة ٢٥ يناير ..

وتبدو المخالفات بالجملة ، من مؤتمرات يشارك فيها بعض الرسميينآآآ بلا أي خجل أو مواراة ، وشاشات فضائيات بالجملة تبدأ وتنتهي بالدعاية لمرشح واحد فقط .. فما هو موقف هيئة الإنتخابات ؟ .. لا شك أنها تسمع ما نسمعه ، وتشاهد ما نشاهده .. ولا شك أيضاً أن النصوص التي تنظم عملها واضحة بغير تدخل في التفسير والتحليل .. وفي اللحظة الأخيرة دخل المنافس الخطير الذي سوف يقلب كل الحسابات ، السيد/ موسي مصطفي موسي، الذي كان – ولا يزال – يفخر بأنه داعم ومؤيد للمرشح الآخر وبغير تحفظ ، بل نقل عنه أنه لو فاز في الإنتخابات سوف يتنازل عن الرئاسة للمرشح الآخر لأن زوجته تحبه !! ..

وتبدو الجنازة حارة في الإعلام .. بينما العملية الإنتخابية نفسها في تابوتها لا تريم حراكاً ، وكأنما يتوهم أهل الإعلام العباقرة أنه كلما زاد الطبل أمكن إيقاظ الميت ! .. يوجد قرابة ١٢ مليون مصري في الخارج .. لو توجه ١٠ % منهم فقطآآآآ  للتصويتآآآآ فذلك يعني مليون و٢٠٠ ألف مواطن .. وهذا العدد كفيل بملء كل بعثاتنا في الخارج لمدة أسبوع أو أكثر .. فإذا أضفنا زوايا التصوير وأساليب التخويف والترغيب التي استخدمت في بعض أماكن التواجد الكثيف للعمالة المصرية ، فيمكن القول أنه لا يوجد إقبال..فلماذا لا نقول الحقيقة ؟ ..

أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم ..ومهما بالغوا في التورية ، فأن حالة الإنكار واضحة !

ومع كل ذلك فلنفترض فعلاً أن " المرشح " لديه هذا الإجماع الكاسح والتأييد الغالب ، فما حاجته لكل هذه الإعلانات التي غطت كل متر في الشوارع .. وإذا كان المعارضون لذلك عددهم قليل ، فلا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه .. لقد قيل عام 2014آآآ أنه ضرورة ، وربما كان بالفعل كذلك ، رغم أن من أطلق هذا الشعار لم يكلف نفسه بتفسير لماذا يكون شخص بعينه هو الحتمي والذي لم تلد النساء مثله ؟ .. ألم يفكر هؤلاء في أنهم بهذه المقولة يعيدون نفس السيرة التي عاني منها شعب مصر ، وانفجر كي يتخلص منها ، سيرة الرئيس الأب القائد الزعيم العبقري الذي يفهم وحده ولا يفهم مثله كائناً من كان ..

لقد ظل الرئيس الأسبق مبارك يرفض تعيين نائبآآآآآ له لمدة ثلاثين عاماً من حكمه ، وعندما كان يسأل في هذا كان يقول ببساطة : " أنه لا يجد من يمكنه القيام بهذا الدور !! " ، ثلاثون عاماً ومبارك لا يجد في ملايين المصريين من يكون جديراً بالمنصب ، أي أنه بمفهوم المخالفة كان يري في نفسه " الأوحد ، والأكبر ، والأعقل " ..

فإذا كان الدستور ينص علي تداول السلطة والتعددية ، فأن فكرة " الضرورة " هنا تهزم حلم التعددية والديمقراطية والمشاركة في المسئولية ، وتحول الشعب إلي مجرد قطيع ينتظر الإشارة من الراعي .. سنفترض أنه كان بالفعل تلك " الضرورة " المزعومة ، ولكن ألم يفكر أحد أن إستمرار هذه الفكرة وتكريسها ضرر كبير ، وعلي كل حال تعد حالة الضروة حالة إستثنائية ، واستمرارها يعني أنها تحولت من " ضرورة وقتية " إلي " ضرر مقيم "..

ومن المؤلم أن تجد بين غلاة الليبراليين ، ودعاة الحرية وكبار المثقفين من لا يزال يروج لهذا الدواء دون أن يدرك أنه منتهي الصلاحية ، وفيه سم زعاف .. سم قاتل مهما قاموا بتحليته بطلاوة اللسان ، وخمر النفاق .. وهكذا وجدنا إعلاماً ، أغلبه يمارس لواط العقول .. ومجتمع يسوده الخوف والترقب ، وبصاص يرقب من قال .. ومن قد يقول..

لكل هذه الأسباب ، وغيرها ، لا مانع أن نشارك في الدعاية الإنتخابية ، كي نحض الناس علي الحضور والمشاركة ، فذلك واجب وطني ، وهو واجب مشروط بشروط الصلاحية .. لذلك ندعوك للمشاركة ، إذا لم تكن تمانع في انضمامك لحالة الإخصاء والإقصاء ..

شارك إذا رأيت أن ما نشاهده خلال ساعات الليل والنهار إعلام الوطن وليس عفنا ..

شارك ولكن لا تشرك بالله ، فليس لمخلوق طاعة إذا حض علي عصيان الحق والعدل وظلم الناس ، إذا كنت قانطاً من رحمة الله ولا تري مثلنا إقتراب الفرج ..

شارك إذا كنت خائفاً من تهديد دوائر السلطة ..علماً بأنه تهديد أجوف ..فلا يمكن للسلطة أن ترغمك علي طعام لا تريده ..

شارك ، إذا كنت مقتنعاً بأن هذه إنتخابات رئاسية تنافسية ..

شارك ..إذا كنت تري أن الرعاية الصحية لم تتدهور بشكل غير مسبوق .

شارك ..إذا كنت مقتنعاً بأن نواصل إهدار الموارد المحدودة في بناء مدينة لن تسكنها ..

شارك ..إذا كنت لا تمانع في استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية ..

شارك ..إذا كان آداء مجلس النواب يرضيك ..

شارك ..إذا لم تكن تمانع في التنازل عن تيران وصنافير ..

شارك ..إذا كنت راضياً بما حدث للمستشار الجليل هشام جنينه.

شارك ..إذا نجح اللوا عبعاطي في إنتاج سيخ كفته واحد أو حتي شاورمة من فيروس سي العكروت !

شارك ..إذا البترول طلعناه من جذوع الشجر مثلما قال ذات يوم الكومانده " عثمانه الإستراتيجي "آآآ !

ولكن لا حظ أن - لمؤاخذة –الإعلام نشر مرة أخري أنه تم تخصيص مليارات لتعمير سيناء مع دقات طبول عالية وهتافات بأن ذلك إنجاز خطير .. إلخ .. ولكن ألم يسبق قبل سنوات تكليف اللواء عسكر بذلك علي الملأ مع تخصيص ١٠ مليار له في مشهد مؤثر أمام كاميرات التليفزيون ، وكان ذلك أيضاً مصحوباً يدق الطبول العالية مع صوت شادية: " سينا رجعت تاني لينا " .. وبالمناسبة هي ها ترجع كام مرة ؟ .. وليه كل مرة تضيع مننا ؟ ..

علي العموم.. علّه خير .. نغني كمان مرة ... إذا أردت بعد كل هذا أن تشارك .. شارك .. أو .. لا تشارك .. ذلك حقك الدستوري والطبيعي والأخلاقي ، فليس لأحد أن يجبرك علي أن تشارك أو لا تشارك ..


مساعد وزير الخارجية الأسبق

آ 






اعلان