17 - 07 - 2024

قصة حزب الناس الديمقراطي!

قصة حزب الناس الديمقراطي!

قلت لمن علق ساخراً من الفكرة : " لا أستطيع الجزم بأن هذه التجربة سوف تنجح ، لكنني أعرف أنني لابد أن أحاول "..

بدأت الحكاية إثر المرحلة الأخيرة من مراحل معركة تيران وصنافير التي لم تنته ولن تنتهي إلا بعد عودة الحق إلي نصابه ، وفي صيف 2017 ، قمت بطرح مجموعة أفكار تحت عنوان "بيان إلي الناس" ، ولم أجد وسيلة إعلامية لطرح هذه الأفكار حتي قامت صحيفة عربية تصدر في لندن بعرضها ، وفوجئت بما أثارته من لغط وجدل ، ما بين مؤيد ومعارض ، بل أدهشني ما واجهته تلك الأفكار من هجوم حاد بين صفوف الجماعة الوطنية التي كنت آنذاك مختلطا مع دوائر مختلفة فيها لبحث كيفية خروج مصر من مأزقها الحالي ، وترتيب إصطفاف وطني قوي .

كنت واضحاً منذ البداية ، قلت أنني لا أدعي إحتكار الحقيقة ، ولكنني لم أجد حججاً تدحض أفكاري ومبادئي الأساسية حتي أعدلها أو أغيرها .. مصر تبدو وكأنها في حرب أهلية غير معلنة ، وأغلب الحروب الأهلية تبدأ وتنتشر كالنار في الهشيم حتي تتوهج فجأة دون أن يدرك المجتمع ذلك ، وقد كنت في بيروت بعد انتهاء الحرب الأهلية فيها ، وقال لي الأصدقاء هناك أنهم لم يعلموا أنهم في أتون حرب أهلية حتي لسعتهم نيرانها ...

تتزايد حدة الإحتقان يوماً بعد يوم في مصر ، فلم تعد المعركة بين الإخوان وأجهزة الأمن والسلطة السياسية ، وإنما يزداد القصف بين خنادق الأغنياء وخنادق الفقراء ، وتظهر كل يوم جرائم غريبة لم يسبق لمصر أن شهدت مثلها ، حتي أن أحداً لم يتوقف كثيراً أمام ما نشر عن قتل سيدة وهي تصلي في المسجد كي يتم سرقتها !! ..

أن ما حاولت أن أفعله هو أن أدق أجراس الإنذار قبل أن يفوت الأوان ، ولذلك حرصت علي توجيه نداء يدعو إلي الإصطفاف الوطني للجماعة الوطنية علي مبادئ ثورة 25 يناير ، وهي تلك المبادئ التي تجمع فعلياً السواد الأعظم من شعب مصر ، فلا يمكن لأحد أن يختلف علي شعار "عيش ، حرية ، عدالة إجتماعية ، كرامة إنسانية" ، ومع ذلك فوجئت ببعض ردود الأفعال التي أفهم أن أغلبها لجان إليكترونية تعمل لدي السلطة من أجل تسميم وعي المواطنين، إلا أنني لا أنكر أن هناك بين هؤلاء من كنا – ولا نزال – نحسن الظن بهم ، ولذلك حرصت علي بذل جهد أكبر كي أوضح وأفسر ...

لم يدهشني هجوم المتطرفين علي الجانبين ، كما لم أتوقف طويلاً أمام الهجوم المتوقع من حرافيش النظام وبعض اللجان الإليكترونية المعروفة .. ولكن كان يجب أن أتوقف أمام بعض إنتقادات الأصدقاء ..

ولكي يكون الأمر واضحاً وبدون إلتباس لاحظته عند هذا البعض ، فالمسألة برمتها لم يكن لها علاقة بإنتخابات الرئاسة أو بأي مناصب كما تصور البعض للأسف الشديد ، وذلك آخر ما يمكن أن أفكر فيه .. بل أن مسألة الترشح ذاتها كانت مرجوحة عندي لأسباب يعرفها كل من يعرفني ...

من البديهيات أنه عندما تهاجم الفكرة من طرفيها المتناقضين ، فذلك يؤكد موضوعيتها وسلامتها المبدئية ، ومن المسلم به كذلك أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن ترضي كل الناس، ومن يحاول أن يفعل ذلك هو في الغالب إنسان بلا مبدأ أو موقف ...

ولكن كانت هناك أسئلة مشروعة، مثل مسألة "حكم العسكر"، والواقع أن من اعترض علي رفضي لشعار "يسقط حكم العسكر"، لم يقرأ أو يتابع موقفي الثابت من كل أنظمة الإستبداد وهي ليست كلها بالضرورة "عسكرية" ، والتعريف العلمي الصحيح لمصطلح حكم العسكر أو "العسكرة" Militarism يعني ما يطلق عليه سلطة الجيش في الحكم وهو يصف تلك الدول التي تعتمد سياسات القوة في علاقاتها الخارجية ومن ذلك علي سبيل المثال تاريخياً إسبرطة، والإمبراطورية الرومانية، وفرنسا تحت حكم نابليون بونابرت، والأنظمة التي اعتمدها هتلر وموسيليني ... وكذلك نظام الحكم الحالي في كوريا الشمالية.

والتعريف الإصطلاحي هو Stratocracy (ستراتوكراسي) حيث تعني "ستراتوس" الجيش، و "كراتوس" تعني السيطرة أو السلطة كلها، أي عسكرة كاملة للدولة، وذلك يعني أيضاً أن الدستور والقوانين كلها تكون داعمة لهذا النوع من الحكم، كما يكون المجتمع نفسه لديه قابلية ما لهذا النوع من الحكم ..

ودون مزيد من التفاصيل، فأن ذلك كله لا ينطبق حرفياً علي الحالة المصرية، ولقد ذكرت في أكثر من مناسبة أن "الجيش الذي انهزم في نكسة 67 هو نفسه الجيش الذي انتصر في عبور 73" وأن التغير الذي أدي إلي النصر كان في قيادة القوات .. ولا يجوز أن ينسب لجيشنا أي صفات غير لائقة أو ترسخ ادعاءات يسعي إليها إعداؤنا لأن هذا الجيش هو درعنا وسيفنا في المعارك القادمة لا محالة ..

ومن الطريف أن بعض الإتهامات علي الجانبين كانت متعاكسة، فبعضها يتهم المحاولة بأنها مغازلة للإخوان، وبعضها الآخر يتهمها بأنه مغازلة للسيسي !! .. ولهؤلاء جميعاً كنت أرجو أن يراجعوا كلماتي جيداً، بل وتاريخها الثابت فوق الأوراق لأعوام بلا عدد، منذ أن عرفت سطوري طريقها إلي النشر أي منذ عام 1975 .. أنها تنبع من نفس المبادئ والمواقف ..

أن التغيير الجذري للمجتمعات يتطلب ما هو أكثر من مجرد "الإحتجاج" أو "التظاهر" ، كما أن السياسة هي علم وفن وينبغي أن تكون لدينا المرونة الكافية في المبادرة وإستخدام إمكانيات الواقع ومعطياته المتاحة بواقعية لا تنحدر إلي حد التسليم، ولا بمراهقة خيالية تشبه حالات الإنكار النفسية والتحليق بمخدرات قدرات وهمية أو مصنوعة ..

في بعض الأحيان تؤدي صدمة الواقع إلي غيبوبة ، تحتاج للخروج منها إلي صدمة إفاقة ، خاصة إذا كان المجتمع قد وصل إلي حالة أطلقت عليها قبل سنوات "الإعياء الثوري" أو Revolutionary Fatigue ..

وبعد أن انتهت الإنتخابات "الإستفتاء" إلي ما انتهت إليه، كان من الواضح أن هناك قوة هائلة في المجتمع لم تنجح السلطة في اجتذابها ، كما عجزت الأحزاب القائمة عن التعامل معها لأسباب عديدة ، ربما نناقشها في موقع آخر، ولقد عكفت خلال الشهور الماضية، علي تحليل الوضع القائم وما تطورت إليه الأوضاع، ووجدت أن هناك فراغاً هائلاً في الحياة السياسية المصرية، لا يقل خطورة عن تلك القوة الهائلة التي كشفت عن وجودها فيما سمي الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، وكلتا الحقيقتان تمثلان خطراً داهماً علي البلاد، فالفراغ في الأوضاع السياسية القلقة يغري بأن تملأه الفوضي أو يكرس الاستبداد الذي هو بدوره الطريق المضمون إلي الخراب، كما أن تلك القوة الجبارة التي تهيم بلا تنظيم أو ضابط، قد تتحول فجأة وبلا سابق إنذار إلي نوع من التسونامي الذي يدمر كل شيء أمامه .

وقد توصلت بعد بحث وتحليل إلي حقيقة كشفت عن نفسها، وهي الإحتياج الماس إلي تنظيم كفؤ يستوعب تلك الطاقة الهائلة، ويوجهها خلال قنوات دستورية وقانونية كي تحتل الفراغ وتنقذ الوطن من السيناريوهات المرعبة التي يبدو أن الكل يتحدث عنها دون أن يحدد بالضبط ماهيتها .

برزت فكرة حزب الناس الديمقراطي People’s Democratic Party( PDP) وهي ﻣﺠﺮﺩ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺃﻟﻲ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻓﻴﻪ ﺗﻮﻟﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻟﻤﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً .. وهو حزب لا يسعي لصدام ولا يعترف بمحاكم التفتيش .. يجمع ولا يفرق، يصون مكتسبات الفقراء ولا يبدد .. يمارس السياسة ملتزماً بميثاق أخلاقي لا يحيد عنه، لا يستدرج إلي بذاءات أو معارك غير أخلاقية ..
ومن المقرر أن يتواكب مع المرحلة البنائية التمهيدية، عملية نشر وعي حزبي تنظيمي محترف، وعملية رصد واعية للمتغيرات والإستعداد الدائم للمراجعة. وسوف يستهدف خوض كل المناسبات الإنتخابية القادمة وأهمها إنتخابات المحليات ومجلس النواب، وفي هذا الصدد يطمح أن يتمكن من إزالة كل العوائق القانونية والعملية التي تحول دون الوصول إلي القاعدة الجماهيرية.

ﺇﻥ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﻭﻣﺒﺎﺩﺉ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻟﺤﺰﺏ .. ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻲ :

الخطوط العريضة هي أهداف ثورة ٢٥ يناير، الحفاظ علي مكتسبات الفقراء من الضياع، إيقاف إسهال الديون الذي يتورط فيه النظام الحالي، البدء في تنفيذ خطة قصيرة المدي للتصنيع بتفعيل الصناعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ودعم المصانع الجادة التي توقفت، وإصلاح الإدارة في شركات القطاع العام والمرافق العامة وترشيد الإنفاق الحكومي .
كذلك الإهتمام بتفعيل الدستور الحالي وسرعة إصدار القوانين المكملة للدستور، والعمل علي إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، والإفراج عن كل المحتجزين في قضايا الرأي، وسرعة إنجاز قانون وإجراءات العدالة الانتقالية، ووضع إستراتيجية شاملة للقضاء علي الإرهاب (ليس مجرد محاربته) .

اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة باستعادة حقوقنا السليبة في تيران وصنافير، وأم الرشراش وحماية حقوقنا التاريخية المكتسبة في مياه النيل، والسعي لبناء نظام إقليمي أمني يحفظ مصالح شعوب الإقليم في مواجهة الأطماع الخارجية، والإصرار علي عزل النظام العنصري الصهيوني دولياً وحصاره والعمل علي إسقاطه حتي تعود الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مع مجابهة الآثار السلبية للعولمة ..

ورداً علي أسئلة متواترة حول جدوي حزب جديد ولماذا لا يتم العمل من خلال أحزاب قائمة
فمع إحترامي لكل الكيانات السياسية القائمة، فلا شك أن المجتمع يتطلع إلي مبادرة جديدة تخرجه من الجمود الحالي الذي يشبه تصلب الشرايين .

ومن ناحية أخري .. أرجو عدم التعجل في الأحكام .. فمن المعروف أنه من الأوفر والأقل كلفة إقتصادياً أن تقتني سيارة جديدة بدلا من إنفاق الوقت في محاولات إصلاح سيارة قديمة فضلا عن تكاليف الإصلاح الباهظة.. وبالطبع يمكن الإشارة أيضاً إلي تفادي حوادث السيارة القديمة .

وإلي أولئك الذين بادروا بالهجوم ، أقول لهم أنه من السهل أن تجلس علي الرصيف وتقذف السائرين بالحجارة ، سيصل السائرون، وستظل متحجرا مع أحجارك بلا قيمة .

إننا نشهد ميلاد فكرة ، نرجو لها أن تنمو تدريجياً حتي يمتلكها أصحابها الحقيقيون، وسوف يكون حزب الناس الديمقراطي وجهاً جديداً يختلف عن كل ما سبقه، لكنه لا يخاصم أو يقصي أي وجه وطني .

ومن المعلوم أن أي نظام لا يسمح للمعارضة أن تنجح، ونعلم انه صراع له أدوات متعددة، ولكن من المؤكد أن المنهج العلمي أن يوفر أرضية مناسبة للنصر.

ختاماً .. لست أدعي إحتكاراً للحقيقة، وأقبل الإختلاف، بل وإعتبره تطوراً صحياً واعداً، ولكنني أطالب الجميع بمراجعة ضمائرهم، والتفكير جدياً فيما وصلت إليه أمورنا من خطورة، وإعادة قراءة ما فوق سطوري وما بينها، والتخلي عن الدوجما والعزة بالإثم، وربما كانت في المبادرة بعض أخطاء، أو ربما كانت كلها خطايا، ولكن ذلك لا ينفي عنها أنها إجتهاد مخلص لوجه الله والوطن، وربما تكون سبباً في إثارة أفكار ومبادرات أفضل وأكثر فائدة كي يخرج الوطن من هذا المأزق التاريخي.

-------------
* مساعد وزير الخارجية الأسبق