30 - 06 - 2024

حبر الدمع (معلقة لاظوغلي) .. قصيدة للشاعر علي عفيفي

حبر الدمع (معلقة لاظوغلي) .. قصيدة للشاعر علي عفيفي

مهداة إلى: علي قنديل ومحمد عفيفي مطر

(1)

في مصر

لم نشيد محطة للحرية

فلم يتوقف قطارها لما أتى

لكن قطار الأمل حين مر

ظللنا واقفين في محطته فحسب

محطة أمل

وسط صحراء من يأس

الحلم وحده لا يكفي

(2)

تذاكر الحرية باهظة

ثمنها دم

واتحاد لا يفرقه المخبرون

(3)

مصر ماتت مرة

لما أتى العاصي إليها

هدموا معابدها فمات الوقت

بهتّوا ألوانها

حرّموا شدو البلابل والغناء

حرمّوا التفكير والأحلام

عندها مات الكلام

دفنوا حروف لغاتها معها

فماتت مرة أخرى وأخرى

لكن الشموس المجنحة استقرت في قرار الكون

(4)

لم يجعل الله الغناء محرما

ولا العصافير الملونة الطليقة

لم يحرم منحة التعليم للفقراء مجانا

حرم الطغيان والظلم

حتى على نفسه

أن تبنى السجون

ليموت فيها الأبرياء

ويرسمون على جلاميد الزنازن

عصفورة حرة

طاقة للنور

وعواصم لم يستقر الظلم في قاموسها

(5)

صفحا جميلا

عن أحبائي إذا خانوا وتابوا

صفحا جميلا إذا ماتوا وقوفا في الشوارع

لكن لا صفحا عن الأحياء لو ماتوا وهم أحياء

(6)

أمي ولدت شهابين

بعد أن ماتت

أنا وأخي

ثم استحالت نجمة

ترتاد أجواز النهار

وتحرض الأبكار أن يلدوا رجالا مارقين

لا يعرفون الخوف في الظلمات

أحياء لو ماتوا كراما

أمي تمر على العباد

وتوزع الخبز الصبوح

وتمر نور

في كل أنحاء البلاد

(7)

أربع سنوات لا تكفي الفرعون القزم ليصبح أطول

أربع سنوات لا تكفي تدمير التعليم

أربع سنوات لا تكفي الفرعون الخائن للتدمير وللتحطيم

لا تكفي لعقاب الشعب

إن يتمنى أو يأمل

أو يحلم بحياة أفضل

أربع سنوات لا تكفي صيد عصافير الحرية

أو تشييد سجون تكفي كل البشرية

أو نشر أكاذيب فاضحة مفضوحة

عن مشروعات قومية

وهمية

(8)

أنتم إناء لطبخ الأكاذيب

سماسرة الأرض

باعة العرض

حراس الأكاذيب

آلات الموت

ملوك الهزائم

أنتم خونة

الفشل حين يتخذ شكل حكومة

لصوص المقابر وخبز المعابد

مصانع القرار البائس

مولدات الضلال

أين ستهربون

في المدائن الخربة

العاصمة الجديدة لن تعصم أحدا

من الطوفان القادم

اصنعوا قناة جديدة يمر منها الأعداء

وطرقا للغزاة حين يأتون

(9)

حين أموت

سأخدعكم بالموت كالفينيق

سأستعير من الملائكة السوداء أجنحتها

وأحلق فوق الخلائق

أعزف موسيقى طالما احتبست في الحناجر

وأهتف ضد قوانين الفناء

أصنع أقمارا جديدة لا تغيب

وأضع الحقيقة في مداراتها

أفضح كل كتاب زائف

وأسقط السدود بين القلوب

حتى يجد النيل مجراه ثانية

هذه الليلة شعر خالص

شعر عار

كالهزائم والسفه الأبله

ليلة من دخان

وحروف من حديد وفراشات

ونار

لا فناء فيها

عندما تنتهي قصيدة تبدأ أخرى

في دائرة مغلقة على الحب

قي حيطة أسماء الجلال والجمال

مفتوحة للمحبين فحسب

(10)

في المدائح

سوف يبكي المنشدون دموعا حارقة

في حضرة النار

بلا جماهير أو ذكر

في الساحات الخالية

سيتذكرون النهر المغدور

وعرائس النيل

وسيوفا مكسورة

أما الأشلاء

فستكون حاضرة

والدم الجاف

وأرواح القتلى

لن تجد المدرعات الثقيلة من تحاصره

سيحاصرون النشيد

والجوع السادر

وبنات المدارس والأفكار

سيحرسون القهر والفساد والهزائم

لكننا سوف نخدعهم كالأطفال

سنتركهم في ظلامهم الدامس

ونذهب للفضاء والنهار

(11)

مات الملوك وما تبقى

منهموا غير الفناء

لا تستفزوا شاعرا أبدا

إن القصائد حربة الشعراء

هناك تظل أحرفهم طليقة

في كل قلب عامر وسماء

(12)

أحيي طيور الشوق بعد فراقها

وأَعُــد أغصانا لها فوق المآذن

بعدما مات الشجر

علي قنديل يأتي طائرا

من فوق مئذنة الدموع

يحيا مع العصافير الطليقة

ويقول رغم وفاته صلب الحقيقة

أحيي مطر

وأفك قيد المعصمين

أقصيه عن جلاده ومعذبيه

وبكل ما في دمعه المنثور

من شمس المشارق والنجوم

وبكل ما في دفتر الصمت المخاتل من ندى شجري

وبكل ما في الكون من شعر وموسيقى

أحقق حلمه

وبكل فاتحة تفتح زهرها من كبرياء الدمع

أو من تسابيح الحصى

أرثيه

لا تستفزوا شاعرا أبدا

فالشعر دمع حارق نزق

والموت لا يطوي البلاغة والحروف إذ يطويه

(12)

لا تستفزوا شاعرا أبدا

فما لديه سوى يراع من فضاء النور

حبر توضأ من دموع العاشقين

ومن دماء الوقت والأفلاك

أقلامه من فضة الدم والصديد

فإذا تحين صلاته

صلى عاريا

في حضرة الدم والحديد

وفي ميادين الكرامة

ينثر الصدقات من ورد الحقيقة والندى

يشتق من صلب البلاغة فرصة أخرى

فيحيي المفردات

ويقرأ في بهيم الليل

معلقات الفجر واللغة الجديدة

فالنور لا يفنى ولا الأسماء

ولا تفنى القصائد والدعاء

إنما يفنى المحب إذا يخون

والعظيم إذا يهون

والبلاد إذا تسلم نفسها طوعا إلى قوادها

آآآ وإلى الجنون.

(13)

أنا لن أموت كالغرباء منفردا

كأغنية حزينة

فحولي الأشجار تسعى بالغناء

وعندما أبكي تصلي لي صلاة النور

والتواشيح البهية تختصر المسافة وتستقر ندية في الروح

كالحب القديم

كل أحبابي معي

في روضة القلب المعنى يمرحون

كما تعودنا نجوب الأمسيات

لنحيي الوقت لو نام الخليون

أنا لن أموت كالغرباء

يا وطنا قريب

لما يغادره الأحبة والصحاب

إلى رحاب القيد والمنفى

ما هموا الغرباء قطعا

إنما أنت الغريب






اعلان