17 - 07 - 2024

زمن مافيا النخنخة !!

زمن مافيا النخنخة !!

أؤكد في البداية أن المسألة ليست شخصية ، ولكن كان قدري أن أقاتل ذات يوم في معركة العبور كي أشارك في تحرير أرض بلادي ، ثم أواصل الدفاع عن مصالحها بشرف وأمانة كدبلوماسي لما يزيد علي ثلاثين عاماً ، ثم يمد الله في عمري كي يرفع ضابط شرطة مصري بندقيته في وجهي ويشد الأجزاء مهددًا بقتلي أثناء حصار حزب الكرامة يوم ٢٥ أبريل ٢٠١٦ ، ثم أعيش بعد ذلك كي يتهجم عليَ المواطنون الشرفاء أمام نقابة الصحفيين ، وأمام مجلس الدولة أثناء ملحمة تيران وصنافير .. وأخيرا بالأمس القريب في النادي السويسري وتحديداً يوم 5 يونيو 2018 ، وعلي مائدة إفطار في شهر رمضان الفضيل ، وعند آذان المغرب بالضبط ، أتعرض لكم من الشتائم والسباب وقذف الحجارة والكراسي ما لم أكن أتخيل أن أتعرض له أبداً.. 

لقد أصبح نخنوخ وظاهرة " النخنخة " أسلوب حياة في مصر ، وربما تنجح السلطة في تحقيق بعض إنتصارات صغيرة ورخيصة بإستخدام هذه الظاهرة الإجرامية ، ولكنها لا بد أن تعرف أن من يبدأ العنف ينقلب عليه في النهاية ..

ومن المدهش أن نجد من يدافع عن جمهورية نخنوخ التي ترسل جيشها كي يطارد الآمنين في كل مكان ، والأدهش هو أنه لم يصدر عن أي جهة رسمية أو شبه رسمية أي بيان يستنكر ما حدث ويلتزم بالقبض علي الفاعلين ، رغم أن من بين الحضور كان ثلاثة من الوزراء السابقين الذين زاملوا الرئيس الحالي في الوزارة من قبل ، وثلاثة من مساعدي وزير الخارجية السابقين ، فضلاً عن نخبة مختارة من رؤساء الأحزاب وكبار الكتاب وأساتذة الجامعة .

يجب أن تخرس تلك الأصوات التي تهلل لإجراءات القمع وإنتهاك حقوق الإنسان ، فهي نفس الأصوات التي رقصت وزغردت لقرارات سبتمبر الشهيرة التي أتخذها السادات وأعتقل فيها كل ألوان الطيف السياسي المصري ، كي يتم إغتياله في الشهر التالي مباشرة .. أن تلك الأصوات هي نعيب البوم الذي يؤذن بالخراب ... 

من المعروف في أغلب الدول أن رأس الدولة يعتمد بشكل كبير علي تقارير المخابرات ، بل يكون تقريرها هو أول ما يعرض عليه كل صباح ، وهذه التقارير تختلف في أسلوب صياغتها وفقًا لمعايير كثيرة ليس هذا مجالها ، ولكن المهم هو إدراك أن هذه التقارير لها تأثير هائل علي عملية صناعة القرار خاصة في الدول التي لا تعتمد علي آليات العمل المؤسسي لإتخاذ القرار ، وذلك يؤدي إلي أن إحتمالات الخطأ في أي قرار تكون متزايدة لإستنادها إلي جهاز واحد غير مراقب من أي جهة وينفرد بإحتكار الحقيقة . وربما لهذا السبب ، كانت أول خطوات عبد الناصر للتغيير بعد النكسة هي مواجهة وحش دولة المخابرات ، وخرجت عناوين الصحف مبشرة بسقوط دولة المخابرات ، وقد كتب الكثير عن تلك الفترة ، ويمكن لمن شاء أن يعود إليه . 

ذلك الجسد الضخم يمد أذرعه في كل مفاصل وأعصاب الدولة ، وذلك مفهوم ومبرر في سبيل حماية الأمن القومي ، إلا أنه إذا أصيب بالترهل وأخترقته فيروسات الفساد ، فأنه ينقلها إلي تلك المفاصل والأعصاب بشكل يضعف جهاز المناعة لدي المؤسسات المختلفة ، بما يؤدي إلي تهديد خطير للأمن القومي .. 

الواقع أن إمبراطورية المخابرات في العالم تشبه إلي حد كبير عالم سفلي غامض تسكنه ملائكة وشياطين وجن طيب وشرير ، عالم له قوانينه الخاصة ، ويتمدد مثل " هيدرا " ذات الرؤوس المتعددة في الأسطورة الشهيرة ، التي كلما قطعت لها رأسًا برزت له رؤوس أخري .. وشأن أي منظمة أو مؤسسة منغلقة فأنها تثير حولها الأساطير والشائعات ، وهو ما يشبه ما يقال عن المحافل الماسونية ، ولأن الشفافية كلمة مشطوبة في قاموس أجهزة المخابرات ، بل قد تتحول المعلومات المسربة لمصلحة المجتمع إلي جريمة " إفشاء اسرار الدولة " ، كما أن كلمة " الفشل " تعد سرًا من أسرار البيت لا يجوز أن يعرفه أحد خارج أسواره .. 

أن الصيغة التي تواجهها المنطقة حالياً ، أو تلك التي فرضت عليها هي إما التطهير العرقي وإما التعايش ، وهناك من يحرض علي إشعال الحرائق علي خطوط التماس العرقية والمذهبية والدينية (الحوثيون / الأخوان / الأكراد / النوبيون / الأقباط/ الشيعة / السنة) ، وقد سمعت واحدا من الخبراء الإستراتيجيين السعوديين يقول أنه يجب تطهير اليمن من الحوثيين.. وفقاً للقانون الدولي هذه جريمة للحض علي التطهير العرقي وهي جريمة ضد الإنسانية أو هي جريمة الحض علي الإبادة العرقية .. كذلك تواترت هتافات خبراء استراتيجيين ومقدمي برامج مصريين يطالبون بإزالة الأخوان المسلمين من الوجود.. هذا بالإضافة إلي من يدقون طبول الحرب ويرقصون حول نيران وثنية وهم يطالبون بحرب دينية ضد الشيعة .. كل ذلك يرفع مؤشرات العنف في المجتمع إلي درجات غير مسبوقة وغير مأمونة .

وقد هلل البعض للإجراءات الأمنية التي أتخذتها بعض الدول الغربية ، وأعتبروها مثالاً يحتذي في التطبيق النموذجي لإنتهاك حقوق الإنسان من أجل حماية أمن الوطن !! ، بل وطالبوا السلطات المصرية أن تتعلم من الغرب كيف أنهم لا يعتقلون أحدًا وإنما يقتلون مباشرة !! " .. إلي آخر هذه الهلوسة التي أصابت البعض دون قراءة حقيقية لطبيعة تلك المجتمعات التي يتحدثون عنها ، وطبيعة دولة المؤسسات المحكومة بالدستور والقوانين ، بل وسيطرة الدولة المدنية بالكامل علي كل الأجهزة الأمنية،وخضوع تلك الأجهزة لرقابة لصيقة من البرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة ..

أن ظاهرة زواج السلطة بالبلطجة تشبه علاقات المافيا بدوائر السياسة في إيطاليا وأمريكا خلال فترات سابقة ، وعلاجها هو الإلتزام الجاد بمكافحة هذه الظاهرة ، وكشف علاقاتها السرية مع دوائر السلطة .. 

العنف يتدرج من الإعتداء علي الآحاد ( هشام جنينه مثلا ) إلي الإعتداء الجماعي ( واقعة النادي السويسري ) .. 

ما أخشاه هو استنتاج قطاعات متزايدة في المجتمع بأهمية التسلح لمواجهة هذا الجيش البلطجي المدعوم بدوائر السلطة ، وذلك هو الخطر الذي أنبه عليه منذ سنوات .. 

وأعيد التأكيد علي أنه ربما تحقق السلطة بعض انتصارات صغيرة رخيصة علي معارضيها باستخدام جيش البلطجية ( المافيا ) ، ولكنها تراهن بانفجار عنف يهدد استقرار وسلامة المجتمع .. علي السلطة أن تجمع ثعابينها وحياتها التي تغذيها حرامًا ، وأن تدرك درس التاريخ الذي يؤكد أن من يبدأ بالعنف يكون هو نفسه ضحيته في النهاية.. ومع إحترامي لرأي المخالفين ، إلا أنني أريد أن أذكر نفسي وإياهم ان ما يجمعنا كمصريين اكثر مما يفرقنا ، ومن كان منا بلا خطيئة فليرم الآخرين بأحجاره، لذا أرجو الا نسمح لمحاكم التفتيش ان تتفشي فيما بيننا ، فهناك تهديد لم نواجهه من قبل .. تهديد وجودي للوطن ..

وأقول للمواطنين الشرفاء من جنود جمهورية نخنوخ ومن كان خلفهم ، لقد نجحتم في إصابة ساقي اليمني بإصابة طفيفة تصادف أنها جاءت أسفل المكان الذي أصيب بشظية إسرائيلية ، فلقد قاتلت خلف خطوط العدو في معركة العبور وحصلت علي وسام الشجاعة من الطبقة الأولي ، دفاعًا عن شرف وكرامة بلادي ، ولن أخاف أو أتراجع عن قول الحق كما أراه ... وإلي آخر لحظات عمري .. تيران وصنافير مصرية رغم أنف جمهورية نخنوخ ..

--------------

مساعد وزير الخارجية الأسبق