17 - 07 - 2024

نقطة نور| النحلة وآلام الطبقة المتوسطة!

نقطة نور| النحلة وآلام الطبقة المتوسطة!

أغرب نتائج رفع الدعم عن المحروقات، هو حقد الطبقة المتوسطة على الطبقة الفقيرة! فأصبح السائس والمركناتى والبواب والحرفيين نماذج تستدل بها الطبقة المتوسطة على أنها وحدها المظلومة! وأن الفقراء يمتلكون بطاقات تموين ولا يشغلهم أمر التعليم الفاخر لأبنائهم! ولكن الحرفيين ينتمون أكثر للطبقة المتوسطة! ولكى نضع تحديدا دقيقا للفقير فيمكن الإسترشاد ببيانات إحصائية اعتبرت أن من يقل دخل أسرته عن 4 آلاف جنية هو فقير، وعلى هذا النحو فإن الفقراء ليسوا السياس ولا السماسرة ولا الحرفيين، ولكنهم الموظفون قبل درجة المدير العام! والعاطلون وأصحاب الأعمال المؤقتة، وحراس العقارات، والعمال والفلاحون وكل هؤلاء زادت معاناتهم أكثر من الطبقة المتوسطة. 

لذلك يبدو حقد الطبقة المتوسطة مغلوطا ومضحكا، لأن الحقد يتجه من أسفل لأعلى وليس العكس! و ما أراه صحيحا هو تردى الصحة النفسية للطبقة المتوسطة مقارنة بالفقيرة! فالأولى تعذبها أحلامها، ويؤرقها تطلعها المشتعل لتحسين مستواها، فهى فى صراع دائم بغية الإلتحاق بالطبقة الأعلى! ومعنية بتعليم أبنائها أفضل تعليم، و تؤيد الغالب دائما سواء أكان سلطة تحقق لها تلك الأهداف أو تغييرا إجتماعيا سينقلها إلى طبقة أعلى! وهذه البرجماتية أو الانتهازية سببت لها مآسى عدة، وأصبحت هذه الطبقة الزبون الدائم والأكثر للعيادات النفسية!

ظلت الطبقة المتوسطة تعتمد فى علاقتها بالسلطة السياسية قاعدة (يا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسل منك!) ...معتمدة على مدخراتها من دخلها (سابقا) فى أعلى الدرجات الوظيفية للجهاز الإدارى للدولة، برواتبها العالية التى تضاعفت فى السنوات الأخيرة عدة مرات!، ومن الأراضى شبه المجانية المخصصة لها، ومن سيارات مجانية فى العمل، ومصايف وعلاج وسفريات وبدلات ومكافآت فى المناسبات، وعند نهاية الخدمة ومعاشات تضاعفت بدورها ،كما كانت الأكثر حظا فى موجات الهجرة للخليج، وكنز الأموال وإستثمارها، وفى النهاية أصبحت تساعد الحكومة وتدعمها بالضرائب والرسوم ولا تحملها أية أعباء، غضت هذه الطبقة الطرف عن إستبداد وتجاوزات الأنظمة السياسية السابقة وخاصة فترة مبارك، مقابل أن تترك فى حالها (مستقرة!)، قادرة ماديا على أن تدبر شئون حياتها ،فهى تعلم أبنائها فى مدارس خاصة، ولا تستخدم وسائل نقل حكومية، ولها مساكنها الخاصة، وهى لا ترتاد حتى مسارح الحكومة،هى لا تريد من النحلة أى عسل! ولكن المعادلة اختلت برفع الأسعار الجنونى وتعويم الجنية وأصبحت هذه الطبقة تصرف جل مدخراتها على التعليم والبنزين والمساكن الخاصة، وضاقت فرص العمل وصار معظم أبنائها عاطلون! وزاد قرص النحلة وأصبح عضا! ووجدت هذه الطبقة نفسها متورطة فى الجدل السياسى العام، والحوار المتصاعد كدخان أبخرة ساخنة عن الغلاء المريع، هكذا أدخلت السياسات الحكومية الطبقة المتوسطة فى آتون معركة  ظلت تتجنبها لعدة عقود وربما قرون! وليس أمامها فرصة واحدة للعب على الحبال كما تعودت! 

القادم خطير جدا، فإفقار الطبقة المتوسطة معناه فك الرباط المجتمعى، وليس هناك سوى الفوضى، وليس بالضرورة أن تكون خلاقة تنتج تغييرا إيجابيا، فالنخبة لم تتغير أنانيتها، والمستفيدون من توظيف الإسلام السياسى كامنون يتربصون!، كل ما تغير هو سقوط مشروع التوريث، وزيادة الوعى الجمعى للبسطاء، وزيادة الغضب. 

الطبقة المتوسطة بين خطرين قبول الإنهيارالبطئ أو أن تصير لوحة تنشين مستحقة لغضب عشوائى!

والفاتورة ستكون إلزامية الدفع باهظة الثمن .

-----------

إعلامى 

[email protected]