27 - 09 - 2024

مصر غير جاهزة لتطبيق "التأمين الصحي الشامل".. أمل يتأجل بسبب وزير "سابق" مخادع

مصر غير جاهزة لتطبيق

قراءة في البيان الرئاسي .. ووعد لم يتحقق بالتطبيق في 1 يوليو الجاري

شبح الخصصة يحوم حول صحة المصريين.. ومصير مجهول لمستشفيات الدولة

الحق في الدواء: وزيرالصحة السابق باع الوهم للقيادة السياسية والشعب

هشام شيحة: تأجيل تطبيق قانون التأمين الصحي أمر كارثي

قرابة نصف قرن من الزمان ومصر تتأمل عدالة صحية شاملة أطياف الشعب وفئاته، وسط قطاع مهترئ، ظل على مدار السنوات يتوارى خلف أزماته المتتابعة، دون حل جذري، ومواطن يحلم بمداواة آدمية لجسده السقيم، حتى جاء العهد الحالي، حاملا بين يديه، مشاعل أمل في قانون صحي شامل يغطي جموع المصريين.

كلف الرئيس الدكتور أحمد عماد بحقبة وزارة الصحة، منذ 3 سنوات، حينها قال "عماد" إنه جاء وزيرا لقانون التأمين الصحي الشامل، ليضع قواعده الأولى في التطبيق التي كانت قد حددت بدء مرحلته الأولى في1 يوليو الجاري، ومرت الأيام وسار القانون في طرق عدة وشارك في وضعه ومناقشته فئات مختلفة من الشعب ليخرج بصورة تشريعية مرضية إلى حد ما، حتى تمت الموافقة عليه من البرلمان، بالتوازي مع ذللك، كانت تصريحات الوزير تؤكد أن مصر جاهزة لتطبيق القانون الصحي الشامل.

تغيرت الحكومة، ورحل وزير التأمين الصحي بتصريحاته الوردية، وتجاوز المواطن التاريخ المحدد لتطبيق المرحلة الأولى من القانون، دون توضيح أو تفسير، حتى خرج بيان رئاسي على غير المعهود، ليرد على التساؤلات ويرجح تأجيل التطبيق لأجل غير مسمى!.

السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، قال إن رئيس الجمهورية أمر بإطلاق المرحلة الأولي لتنفيذ المشروع القومي للتأمين الصحي، وفق خطوات واجراءات تمهيدية علي فترات وجدول زمني محدد، أهمها القضاء علي قوائم الانتظار للمرضي بالجراحات والتدخلات الطبية الحرجة خلال فترة ستة أشهر،و إطلاق مشروع تطوير المستشفيات النموذجية بإجمالي ٤٧ مستشفي بجميع محافظات مصر والتابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، و توفير المخزون الاستراتيجي من ألبان الأطفال والأمصال واللقاحات، وعمل مسح وعلاج شامل لفيرس c باجمالي ٤٥ مليون مواطن مصري بالاشتراك مع كبري الشركات الدوائية وذلك خلال عامين، فضلا عن الانتهاء من تجهيز وميكنة محافظة بورسعيد  من حيث الانشاءات و التجهيزات واعداد القوي البشرية وحصر وتسجيل المنتفعين خلال عام ، علي ان يتم البدء في التطبيق تباعا في باقي محافظات المرحلة الاولي (السويس - الاسماعيلية - شمال وجنوب سيناء).

وأكد  بسام راضي، أن الصحة والتعليم والإصلاح الإداري، هي الملفات التي تحظى باهتمام الرئاسة خلال الفترة المقبلة، مُشيرا إلى أن عماد الملف الصحي هو مشروع التأمين الصحي، موضحا أن إطلاق المشروع القومي للتأمين الصحي الشامل، سيتم من خلال مرحلة أولى تتضمن حزمة إجراءات محددة لكي يكون العمل بشكل دقيق ومحسوم، على أن المحافظات المستهدفة في أول النظام هي 5 محافظات السويس وبورسعيد والإسماعيلية وشمال وجنوب سيناء.

وتابع: "البداية في بورسعيد، تتطلب تجهيز المحافظة من حيث الميكنة وتأهيل الكوادر البشرية وحصر المنتفعين، وتنتقل العملية إلى الإسماعيلية والسويس، بالتكامل مع الخطوات الأخرى التي تمثل الانطلاق والبداية الأولى التمهيدية للموضوع، فضلا عن المستشفيات النموذجية، التي تمثل الحزمة الثانية بالتعاون بين وزارتي الصحة والتعليم العالي، لتقديم الخدمة للتأمين الصحي من خلال مستشفى مركزي كبير نموذجي، بمعادلة مستشفى في كل محافظة من محافظات الجمهورية، بإجمالي 27 مستشفى، مع زيادة مستشفى إضافي في محافظتي القاهرة والإسكندرية نظرا للكثافة السكانية".

ولفت المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إلى أنه ستتم إعادة تأهيل للمستشفيات لتكون نموذجية قادرة على تطبيق النظام الصحي، ويتم الاشتراك معها بالإضافة إلى 18 مستشفى من الجامعي، على مستوى الجمهورية، سيتم استغلال ذلك ليكون إجمالي 47 مستشفى قادرا على أن يقدم الخدمة.

"المشهد"، تابعت سابقا قانون التأمين الصحي الشامل منذ لحظة الإعلان الأولى، وتسعى، في هذا التقرير، إلى تقديم قراءة تحليلية للبيان الرئاسي، لفك طلاسم الجمل لمعرفة مستقبل القانون، من خلال معنين بالشأن الصحي في مصر.

الدكتور هشام شيحة وكيل أول وزارة الصحة الأسبق، قال إن فترة تولى وزير الصحة السابق الدكتور أحمد عماد راضي، كانت وقتا ضائعا، فالوزير لم يقدم شيئا سوى مزيد من الأزمات في القطاع الصحي، موضحا أن البيان الرئاسي يؤكد قطعا تأجيل تطبيق القانون وهو أمر كارثي.

وأوضح هشام شيحة، في تصريحات لـ"المشهد"، أن وزيرة الصحة الجديدة فوجئت بعدم جاهزية المستشفيات لتطبيق التأمين الصحي الشامل، إلى جانب وجود نقص وعجز شديد في القوى البشرية، والأسرة بالعناية المركزة والحضانات، وهي أمور لايمكن بدونها تطبيق القانون.

وقال، إن البيان الرئاسي يشير إلى فترة تمهيدية لمراجعة إنشاءات الدولة والتجهيزات الصحية والقوى البشرية وذلك خلال عام، وهو ما يؤكد تأجيل حلم تطبيق القانون، مُشيرا إلى أن المناخ الطبي في مصر مازال سيئا، وأن أي نظام صحي جيد قوامه 3 عناصر متجانسه لم تتكامل لدينا حتى الآن، وهي العنصر البشري والرعاية العلاجية ذات الطبيعة الخاصة والرعايات العاجلة التي نفتقدها.

وأشار إلى القانون مازال يشوبه بعض الأمور غير الدستورية، بجمعه الاشتراكات من كل المنتفعين قبل تقديم الخدمة لهم، لاقتصاره فقط على محافظات بعينها، فضلا عن أن المنشآت الحكومية سواء الجامعية أو الصحية لن تستطيع أن تؤدي الخدمة الصحية بمفردها، وهو أمر متبع في كل دول العالم، ولكن مصر تختلف في ذلك بسبب أوضاعها الاقتصادية، التي تنذر بتخوف هيمنة القطاع الخاص على القطاع الصحي في مصر وتحويله إلى الخصخصة، في ضوء عدم قدرة مستشفيات الصحة على الإعتماد من حيث الجودة،وهو ما يجعلها امام مصير مجهول إما البيع أو التأجير.

بيع الوهم

الحقوقي محمود فؤاد  المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء، أعرب عن أسفه حيال الوضع الذي وصل إليه قانون التأمين الصحي الشامل، الذي كان بمثابة حلم ينتظره المصريون منذ 50 عاما، وكان يمثل لهم أخر أمل في العدالة الصحية، قائلا، إن وزير الصحة السابق أحمد عماد كان يبيع الوهم للحكومة والقيادة السياسية والشعب، بإعلانه جاهزية المستشفيات وجاهزية الدولة لتطبيق القانون، في ضوء أنه لا يوجد حتى الآن مستلزمات طبية أو برامج علاجية أو تأهيل كوارد، بل زادت أزمات الصحة في عهده.

وقال فؤاد، لـ"المشهد"، إن البيان الرئاسي الذي أوصى بحصر وتسجيل المنتفعين من القانون، يؤكد أنه لا شئ تم على أرض الواقع خلال الفترة الماضية، تمهيدا لتطبيق القانون، مُشيرا إلى ان الدولة تحتاج إلى عام كامل من أجل التمهيد والبدء في تطبيق مرحلة أولى من القانون، قائلا، إن بيان الرئاسة يؤكد أن مصر غير جاهزة لتطبيق القانون وهي خيبة أمل كبيرة.

ووصف مدير المركز المصري للحق في الدواء، البيان الرئاسي، بأنه غريب الديباجة يحمل بين السطور الكثير من علامات الاستفهام، حيال علاقة الانتهاء من قوائم الانتظار بتطبيق القانون، فضلا عن ما ينوه له من استكمال البنية الأساسية، مُشيرا إلى أن مصر تمتلك بنية أساسية كبيرة في القطاع الصحي، ولكنها غير مؤهله وغير مستوفية شروط الجودة المطلوبة للتعاقد على تطبيق القانون، وهو ما ينذر بشبح القطاع الخاص بأن يحوم حول الهيمنة على المشروع وجعل خدماته بأسعار خيالية.

وأعرب، عن تخوفه من تطبيق القانون في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولة، وخاصة أن القانون سيتولى توفير رعاية صحية وعلاجية لأكثر من 100 مليون مصري، فلابد أن تكون هناك دراسات جادة للموارد المالية، مُشيرا إلى أن الاسراع في تطبيق المشروع سلاح ذو حدين، لافتا إلى أن دولة اليونان أعلنت إفلاسها بسبب الأزمة الاقتصادية وقانون التأمين الصحي الذي تم تطبيقه دون إعداد موارد حقيقة تضمن استدامته، وهو ما أوقع الدولة تحت طائلة قروض ومنح لم تستطيع أن تجابهها.

وشدد مدير المركزي المصري للحق في الدواء،على ضرورة الاعداد جيدا لتطبيق القانون، وعدم الاسراع في تطبيقه دون تأهيل جيد للكوادر والمستشفيات، لعدم هيمنة القطاع الخاص عليه، أو تردي أوضاعه اقتصاديا.

كان المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قال إنه سيجري تطبيق المرحلة الأولى من نظام التأمين الصحى الاجتماعى لتشمل محافظات إقليم شمال السويس خلال عامين وأولها محافظة بورسعيد، وأنه سيمتد هذا التطبيق تباعًا على كل محافظات الجمهورية.

وأضاف "مدبولى"، خلال كلمته بمؤتمر عرض برنامج الحكومة أمام مجلس النواب، أن نظام التأمين الاجتماعى الجديد يستهدف تطوير 33 مستشفى و135 وحدة رعاية صحية وميكنة 15 مستشفى لتكون جاهزة لتطبيق منظومة التأمين الصحى.

وتابع: "ستتحمل الموازنة العامة للدولة قيمة اشترك الأشخاص غير القادرين ومنهم العاطلون عن العمل، وسيتم تحديد اشتراك العاملين بالقطاع غير الرسمي".

وذكر أنه سيتم تدريب التعليم والتدريب الطبي للكفاءات البشرية وتأهيلها على العمل فى نظام التأمين الجديد.

-------------

تحقيق: نورهان صلاح