17 - 08 - 2024

مفارقة الثروات الطبيعية وتراجع العدالة الاجتماعية

مفارقة الثروات الطبيعية وتراجع العدالة الاجتماعية

لا يكاد يمر أسبوع أو أقل إلاّ ويقرأ المواطن المصرى الأخبار المُـفرحة، التى تنشر الأمل والتفاؤل، نحو تحسين مستويات المعيشة لغالبية شعبنا المصرى.. وهذه الأخبار منشورة فى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بما فيها الناطقة باسم الحكومة المصرية.. ومن بينها الاكتشافات المذهلة لمناجم الذهب وحقول البترول والغاز الطبيعى.. وعلى سبيل المثال أعلنتْ الحكومة المصرية فى ديسمبر 2017 عن بدء عمليات الانتاج من حقل (ظهر) العملاق للغازالطبيعى.. وأكد وزير البترول طارق الملا بدء ضخ الغاز من الآبار البحرية، بعد نجاح اختبارات التشغيل.. وبعد ذلك توالتْ الاكتشافات البترولية قى مصر بشكل ملحوظ.. وأعلنتْ شركة اينى الإيطالية يوم 9 يوليو 2018 عن الكشف البترولى فى حوض (فاغو) بصحراء مصرالغربية.. وذكرتْ وزارة البترول المصرية فى شهر إبريل 2018 أنها تمكنت من تحقيق الكشف عن البترول فى الصحراء الغربية.. وهذا الخبر أكــّـده وزير البترول السابق أسامة كمال، عن ثروة مصر البترولية خلال العاميْن الماضييْن (Sky Newsعربية ـ يوم 10 يوليو 2018).  

وأكــّـد علماء الجيولوجيا (من المصريين والأجانب) أنّ مصر تمتلك ثروات هائلة من الذهب الخام.. وأنه بين حين وآخر يتم العثور على منجم للذهب. وأعتقد أنّ حديث الرئيس السيسى عن أنّ مصر باعتْ 15طنــًـا من رصيد الذهب عام 1964. له دلالة خاصة فيما يتعلق بالتعتيم الإعلامى حول موارد مصر الطبيعية. فلماذا ظلتْ تلك المعلومة (مُـعتقلة) لمدة 54 سنة؟ فهل كان الإعلاميون فى غيبوبة Coma طوال هذه المدة؟ وإذا كان صغار المتعلمين يجهلون (بسبب حجب المعلومات)  فهل هذا السبب ينطبق على الكبار خاصة الذين نالوا (شرف أهل الثقة) المُـقرّبين من عبد الناصر؟ وبصفة أخص من حاز لقب (كاتم أسراره) وأنه الوحيد المسموح له بالاطلاع على كافة وثائق الدولة، بما فيها العسكرية..وهو (الشرف) الذى انفرد به الأستاذ محمد حسنين هيكل.  

من بين المقالات العديدة التى تناول أصحابها موضوع (بيع ذهب مصر) مقال الكاتب عبده مباشر بعنوان (السيسى والذهب ويونيو67) فكتب ((كان المصريون فى حاجة إلى رئيس مصرى قوى وشجاع وأمين... لكى يزيح لهم الستار عن سرٍ ظلّ محجوبـًـا طوال الفترة من 1962- 2018.. وعلى امتداد هذه السنوات تـمّ إطلاق مئات التصريحات التى تستهدف إبقاء هذه المعلومة فى الظلام، إلى أنْ أعلن الرئيس السيسى حقيقة الأمر فى حواره مع ساندرا نشأت..إلخ (أهرام6/4/2018) 

ومن بين النماذج مقاليْن للأستاذ محسن عبدالعزيز الذى أضاف أنّ معلومة بيع 15 طنــًـا من ذهب مصر كشفها محافظ البنك المركزى الأسبق (على نجم) وأنّ المستندات موجودة فى البنك المركزى.. وذكر الرئيس السيسى أنّ مصر حتى عام 1962 كان اقتصادها فى حالة جيدة، لكنه بعد ذلك عانى كثيرًا بسبب إنفاق الذهب فى حرب اليمن..إلخ (أهرام 23، 30مارس2018) 

وأكتفى بهذيْن النموذجيْن لأنّ باقى المقالات ردّد أصحابها نفس التعبيرات. وكانت ملاحظتى أنّ أحدًا لم يسأل السؤال المُتوقع - كما هوفى الصحافة الجادة التى تحترم قارئها- ماذا لو أنّ على نجم لم يكشف عن معلومة بيع ذهب مصر؟ وهل كان هذا السر سيظل فى معتقل التعتيم إلى الأبد؟ والسؤال الثانى الذى تجنــّـبه كل من كتبوا: وما الموقف لو أنّ الرئيس السيسى لم يفتح الموضوع مع ساندرا نشأت؟

والسؤال الثالث: هل تبديد موارد مصر تمثــّـل فى بيع الذهب (فقط) أم شمل الكثير من أشكال التبديد؟ 

وإذا كان صمت المتعلمين المُـزرى ساد فترة عبد الناصر، فلماذا استمر فترة خليفته السادات وخليفة السادات مبارك؟ خاصة وأنّ بعض الكتب الصادرة بعد وفاة عبدالناصر فيها (مادة) تؤكد على هذا التبديد..وسوف أستبعد كافة الكتب التى قرأتها لأركــّـز على كتاب (عبد الناصر وتحريرالمشرق العربى- تأليف فتحى الديب- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- عام2000) وسبب اختيارى لهذا الكتاب أنّ مؤلفه لايمكن الطعن على شهاته لأنه: 1- ناصرى/عروبى 2- تولى مسئولية بناء جهاز المخابرات العامة من سنة 1953 حتى سنة 1960 3- فى كل صفحات الكتاب (702صفحة من القطع الكبير) دفاع عن عبد الناصر وعن العروبة وتبرير كل التصرفات التى شملتْ تبديد موارد مصر 4- باب الملاحق حيث وثائق اجتماعات عبدالناصرمع القادة العرب وتصريحاته.

عن استئجار(قاعدة العضم) لصالح بريطانيا بولاية برقة و(قاعدة الملاحة) بطرابلس لصالح أمريكا.. وكانت ليبيا تمر بأزمة مالية، لذلك قرّر عبدالناصر دعم ميزانية ليبيا (ص109) وبالرغم من هزيمة مصرعام 1956 فإنّ ضابط المخابرات المصرى يتفاخر بأنّ مصر التزمتْ بإمداد ((كل حركات التحرر العربى بإحتياجاتها من الأسلحة والذخيرة وتدريبها فى مصر (ص240) وفى شهر مايو 1957 أرسلتْ مصر الأسلحة والذخيرة والمعدات إلى عمان.. كما تم تدريب الشباب العمانى عسكريـًـا (ص243) وبعد ثورة 14 يوليو 1958 العراقية ((وبهدف تأمين الثورة فإنّ مصر أرسلت للثوار الأسلحة والذخيرة التى طلبوها (ص301) وعندما قطعتْ بريطانيا المعونة عن الأردن.. فإنّ ((مصرهبــّـت لتشارك السعودية بالمبلغ وقدره 5ر12مليون جنيه استرلينى سنويـًـا)) (ص412) وذكر أنّ عبد الناصر قال ((إحنا كنا بنعطى سوريا 3 مليون جنيه إعانة للجيش السورى)) وتدور الأيام ((ونلاقى السوريين بيشتمونا ويقولوا الإستعمار المصرى لسوريا)) (ص500، 629)

وإذا كان على نجم قال إنّ بيع 15 طنــًـا من ذهب مصر كان بسبب نفقات حرب اليمن.. فإنّ عبد الناصر (فى اجتماع القيادة السياسية الموحدة بين مصر والعراق يوم 19 مايو 1965) قال: إحنا كنا بنصرف فى اليمن 30 مليون جنيه (سنويـًـا نقدًا) دا غير المعدات يعنى الاجمالى 45 مليون جنيه.. يعنى استهلاكنا فى البنزين والسلاح. دا غير إنْ القبائل اليمنية بتاخد مننا فلوس.. وكمان بياخدوا من السعودية فلوس.. وعندنا معلومات أكيدة عشان يحاربونا.. وإحنا موجودين فى اليمن وفيه مشاكل..وإذا انسحبنا ما حدش يعرف ح يحصل إيه.. واللى اتظاهروا إنهم مع الثورة خدو فلوس مننا ومن السعودية وراحوا للإنجليز (من ص520- 522)    

لقد ذكرتُ مصدريْن (فقط) من موارد مصر الطبيعية..من بين عشرات المصادر الأخرى.. مثل الزراعة والسياحة واستثمار عقول العلماء المصريين.. فلماذا لا يتم توظيف كل هذه الطاقات لتركيب الأجنحة اللازمة للعدالة الاجتماعية.. كى تتخلص من الشلل المُـعوّق لانطلاقها فى سماوات الحرية والإنسانية؟

***

-----------

بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟