16 - 08 - 2024

لعلَّ الأفضلَ ألَّا يستقيلوا

لعلَّ الأفضلَ ألَّا يستقيلوا

كلما صدر عن الشئ الكائن فى شارع قصر العينى قانونٌ معيب (وما أكثر ذلك) ارتفعت نبرة الهجوم من عددٍ ممن لا يشك المرء فى وطنيتهم ورجاحة عقلهم وحُسْن نيتهم ضد نواب المعارضة (أو ما يُسَّمَى بتكتل ٢٥-٣٠) مطالبين إياهم بالاستقالة.. لأن استمرارهم فيه يسبغ على قراراته المعيبة شكلاً من الشرعية.. ولأن الاستقالة ستسبب حرجاً للنظام (أمام مَن؟).

ولعلها من المرات القليلة التى أَجِد نفسى مختلفاً مع رأى هؤلاء الأصدقاء المحترمين للأسباب التالية:

أولاً: هؤلاء النواب لم يدخلوا البرلمان عبر السلطة (تعييناً أو قوائم أمنية) وإنما أتى بهم الناخبون فى دوائرهم بعد معارك حقيقية وفى وجه سلطةٍ معاكسة.. ورغم أنهم صاروا نواباً للشعب بأكمله إلا أن قرار الاستقالة يظل حقاً مباشراً للناخبين الذين أتوْا بهم.

ثانياً: على العكس مما يراه المطالبون بالاستقالة من أن وجودهم أسهم فى تجميل الوجه القبيح للسلطة، أرى أن وجودهم فضح هذا الوجه القبيح (وبضدها تتميز الأشياء).. لولا المعارضة لما خرجت جلسة العار (التفريط فى الجزيرتين) بهذا الارتباك الفضائحى.. ولَتمَّ تمرير هذا التفريط فى سلاسةٍ مخزية.. وهو ما حدث ويحدث مع كل القوانين الكارثية (وآخرها قوانين الجنسية وصندوق بيع مصر) فلولا هؤلاء النواب لما أُتيح للكثيرين معرفة ما بها من عيوب.

ثالثاً: هل نحاسب نواب المعارضة على فشلهم فى إسقاط هذه القوانين المعيبة؟.. فى تاريخنا الحديث كله، وفى برلماناتنا ذات الأغلبية السلطوية المُعَّلَبة، لم يحدث أبداً أن نجحت المعارضة فى سحب الثقة من الحكومة أو رفض أىٍ من قوانينها الكارثية.. دور المعارضة الذى نحاسبها عليه هو فضح عوار هذه القوانين والتصرفات وإزعاج هذه الحكومات المستبدة والفاسدة.. وسيظل هذا هو دورها إلى أن ننعم بديمقراطية حقيقيةٍ مثل باقى خلق الله.. إن السلطة تتلكك لإسقاط عضوية هذا العدد القليل جداً من الأصوات المزعجة المختلفة.. فلماذا نحقق للسلطة مرادها بأنفسنا؟!.

رابعاً: كأن التاريخ يعيد نفسه.. ففى أواخر السبعينات من القرن الماضى كان لدينا برلمان صوفى أبو طالب (وهو الجد التاريخي لبرلمان على عبد العال).. ووافق على كل القوانين سيئة السمعة.. لكن عارَه الأكبر كان الموافقة على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بكل عوارها وعوراتها دون أن يَطَّلِع عليها.. كنتُ أميلُ وقتها (كشابٍ) إلى الأصوات التى طالبت باستقالة نواب المعارضة ظنَّاً مِنَّا أن ذلك سيُحرج النظام.. ثبت الآن أن بقاءهم أحرج النظام أكثر من استقالاتهم.. إذ لم يُطِق السادات وجود خمسة عشر نائباً حقيقياً رفضوا المعاهدة.. فقام بحل البرلمان.. لا أحد يذكر الآن مَن بصموا (إلا بالخزي) .. لكن ذاكرة الوطن لا زالت تحفظ بالإجلال أسماء ممتاز نصار وحلمى مراد وأبو العز الحريرى وعادل عيد ومحمود القاضى وكمال أحمد وغيرهم ممن سجَّلوا اعتراضهم ولَم يستقيلوا.

خامساً: أجدنى الآن بعد أربعين عاماً من موقفى السابق وقد تَغَّير رأيى.. لا أدرى أهِىَ حكمة الشعيرات البيضاء التى تسللت إلى رأسى ولَم تتسلل بعدُ للأصدقاء المطالبين بالاستقالة (أقصد الشعيرات البيضاء بالطبع لا الحكمة).. لكننى أصبحت أميل إلى تثمين أى فعلٍ مقاومٍ للأوضاع الكارثية التى تمر بها مصر.. مهما بدا صغيراً.. وأن ينشغل كلٌ منَّا بما يستطيع .. لا بما يفعله غيره.. من اعترض على قانونٍ فاسدٍ (تحت القبة أو على صفحات التواصل كالدكتور القزاز) أفضل ممن لاذ بالصمت .. ومن لاذ بالصمت أفضل ممن جهر بتأييد الباطل .. فلتتكامل أدوارنا.. كلٌ على قدر استطاعته.. وليعذر بَعضُنَا بعضاً.. حتى لا نصبح دون أن ندرى أداة إحباطٍ لشركائنا فى نفس الخندق.

هذا رأيى الذى قد يكون صواباً.. مع كامل تقديرى لوطنية وحُسْن نِيَّة المخالفين له.

----------------

بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى

مقالات اخرى للكاتب

بل يجب الإفراج عن الجميع بمن فيهم الإخوان