20 - 10 - 2024

الإفريقى خارج حدود الوطن

الإفريقى خارج حدود الوطن

استغرق الطريق بالأتوبيس نحو أربع ساعات من مدينة زاربروكن الألمانية إلى قلب العاصمة البلجيكية، بروكسل. أدركنا تجاوزنا خط الحدود من رسائل تلقاها الهاتف المحمول حال عبورنا لوكسمبورج وعند دخولنا بلجيكا. رسائل تتضمن تعريفة الاستخدام مع قائمة أرقام قد يحتاجها الزائرون، مركز بوليس، مستشفى، وغيرها. عبرنا حدود دولتين ولم يوقفنا رجل شرطة ولا أجبرتنا حواجز على تهدئة السرعة أمام نقطة حراسة تحيطها أكياس الرمل.

كعادة المدن الأوربية، تؤسس المدن على ميدان مركزى يقام على طرفيه مبنيان عتيقان، البلدية والكنيسة الكبرى، وبينهما حظر سير المركبات، المشاة فقط. لا تجاوزات، ولا أرصفة احتلها باعة جائلون. القانون فوق الجميع. أينما سرت استشعرت الأمن وصافحتك الوجوه العربية.

فى زيارة عمل للرياض، ضاعت جهودى سدى لحجز مقعد على الطائرة المتجهة إلى جدة، قاصداً أداء العمرة. البديل أتوبيس يقطع المسافة فى نحو عشرة ساعات. فى محطة أتوبيسات البطحاء، أبرزت جواز السفر وتحقق المسئول، فى أدب جم، من غرض الزيارة وأننى لا شك عائد إلى رحاب المحروسة. تحرك الأتوبيس وتناول الركاب عشاءهم ثم هجعوا فى سبات عميق. لشخص مثلى يتنكر له النوم ويتهرب منه فى سريره يصبح العثور عليه والإمساك به فى رحلات السفر وهماً لا يدرك.

بين قراءة على ضوء مصباح المقعد وذكريات تتداعى وخيالات تصنعها أضواء الطريق والمركبات المسرعة فى الاتجاهين أمضيت وقتى. هدأ الباص من سرعته وانطلق صوت السائق ينبه الركاب ليبرزوا بطاقات الهوية والإقامة ريثما يطلع عليها الشرطى. توقف الباص وراح الشرطى يفحص الأوراق على ضوء الإضاءة الداخلية، ألقى أسئلة بدت عفوية على بعض الركاب، وعندما اتم عمله غادر محيياً. ما حدث فى نقطة التفتيش الأولى تكرر مرتين على مسافات متباعدة. السائق ينبه. الركاب يستيقظون. يتململون. يصعد رجل الشرطة. يفحص الأوراق. يلقى اسئلة تبدو تلقائية. يغادر محيياً. تطفئ الأنوار ويعاود الأتوبيس انطلاقه.

من المؤكد أن خلف كل إجراء حزمة أسباب تبرره. لكنك لا تستطيع إغفال المقارنة غير المتكافئة بين مسار رحلة من مدينة لأخرى داخل نفس الدولة فتفحص أوراقك ثلاث مرات، ما حدث فى طريق الرياض مكة يتكرر فى كثير من طرق الدول العربية. ورحلة أخرى انطلقت عبر ثلاث دول، ألمانيا، لوكسمبورج، وبلجيكا حتى تصل إلى مقصدها دونما يوقفها رجل شرطة.

يحدث ذلك ويتكرر رغم ما ذاقت بلجيكا من هجمات إرهابية على يد أمثال صلاح عبد السلام، الذى عبر إلى باريس ونفذ مع رفاقه هجمات إرهابية خلفت عشرات القتلى ثم عاد أدراجه إلى بروكسل حيث اعتقلته الشرطة بعد ساعات من الهجمات. تكامل النظام الأمنى وربطه بنظم معلوماتية شاملة وفائقة الدقة بين بروكسل وجيرانها ضمن سرعة القبض على الجناة، من هنا لا تحتاج الدول الأوربية لوضع رجل شرطة خلف كل مواطن، ولا فرز الوافدين عند بوابات الدخول، تأشيرة واحدة تكفيك للعبور فى دول الاتحاد الثمانية والعشرين. لم تخصص بوابة لذوى الأصول العربية، فكما طعنها بعض الإرهابيين غدراً منحها آخرون المركز الثالث فى بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة بموسكو. صعد مروان فيلايني وزميله ناصر شاذلي ببلجيكا إلى ربع نهائى كأس العالم لتفوز على انجلترا وتحتل المركز الثالث. بينما حازت، جارتها، فرنسا لقب البطولة بفريق نصف لاعبيه من أصول إفريقية. للأسف، ما زال الإفريقي قادراً على صنع الفرق، ولكن خارج حدود الوطن.

------------

بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد