20 - 10 - 2024

لماذا لايستثمر النظام عقول العلماء المصريين؟

لماذا لايستثمر النظام عقول العلماء المصريين؟

تمتلك مصر ثروة غاية فى الأهمية ومع ذلك يتجاهلها نظام الحكم.. منذ يوليو1952 وحتى اللحظة الراهنة.. هذه الثروة هى أبناء مصر من العلماء المُـتخصصين فى العلوم الطبيعية (فيزياء، أحياء، إلخ) وبينما نظام الحكم المصرى يتجاهلهم.. فإنّ الدول المُـتقـدّمة تتسابق ليكونوا فى خدمة تطوير الأبحاث العلمية والاستفادة من نبوغهم واختراعاتهم. 

وللتأكيد على تلهف الدول المُـتقـدّمة وتسابقها للحصول على العلماء المصريين، هو التوقف وتأمل (رقم) العلماء المصريين المهاجرين سنة 2007، هذا الرقم هو 824 ألف عالم مصرى.. فى كندا وأستراليا وهولندا وفرنسا وأميركا وسويسرا والنمسا، إلخ.. (أرجو من القارىء ملاحظة أنها دول مُـتقـدّمة) والحقيقة الثانية أنّ هذا الرقم ورد فى دراسة احصائية أعدتها (منظمة العمل العربية) وهى منظمة حيادية ولا تسعى للمبالغة (صحيفة الأخبار 20 نوقمبر 2007) 

    وإذا كان هذا الرقم فى عام 2007 فعلى العقل الحر التساؤل عن الرقم فى عام 2018؟ كما أرجو ملاحظة أنّ نبوغ العلماء المصريين تـمّ بدون أى دور للدولة المصرية، أى بدون (توفيرالحضانة الطبيعية لنبوغ العلماء فى أى نظام يحترم العلم) وأعتقد أنّ هذه الملحوظة تستدعى ـ وفق قاعدة التداعى الحرـ التوقف أمام (رقم) ميزانية البحث العلمى فى مصر.. وهى ميزانية تكاد تكفى أجور العلماء و(جيش الموظفين) وبالتالى لاتوجد مبالغ مالية لشراء الأجهزة الحديثة ولا شراء المواد المطلوبة للأبحاث.. وقد حكتْ لى فتاة من أسرتى (كانت فى كلية علمية وتدرس الكيمياء) أنّ أستاذ المادة طلب من الطلاب إحضار صفيحة سمن فارغة لإجراء تجربة عملية.. واعترف وزير تعليم مصرى أنّ تكلفة إعداد التلميذ 170 دولارًا، وهذا الرقم فى إسرائيل3500 دولار (أهرام 16 يوليو 2001) 

    ولعلّ نظرة النظام المصرى المتدنية للبحث العلمى.. هو ما تسبب فى أنْ يكون ترتيب مصر فى برامج الحكومات الالكترونية رقم 162 وشيلى رقم 22 وإسرائيل رقم 24 (مجلة أخبار الأدب 24 يوليو 2005 ـ ص10) وفى سنة 1970 كانت إسرائيل الدولة النووية السادسة على مستوى العالم (د. فوزى حماد رئيس هيئة الطاقة الذريةـ مجلة الهلال ـ يوليو2002) وإسرائيل وصل التقدم العلمى لديها لدرجة بيع طائرات بدون طيار لدول متقدمة عنها وأعرق منها.. مثل فرنسا والصين.. وأنتجتْ إسرائيل فى سنة 1986 قنابل عنقودية أكثر تطورًا من القنابل الأمريكية (أهرام 15 يوليو 2001)

ولن أذكر التفاصيل المذهلة عن تطور الأبحاث العلمية الصينية.. وهى متاحة على جوجل.. ولكننى سأكتفى بذكر تقدمها فى مجال زراعة الأعضاء البشرية.. وجاء ترتيب الصين فى المرتبة الثانية بعد أميركا، حيث أنجزتْ الصين أكثر من 85 ألف عملية حتى عام 2006 (صحيفة القاهرة 13 يونيو 2006ـ الصفحة الأولى) وبسبب التقدم العلمى أصبحت الصين رابع أكبر دولة مُـصدرة فى العالم (مجلة السياسة الدوليةـ يوليو 2002ـ ص218) وتوصل العلماء الصينيون لإختراع جهاز كمبيوتر يجرى 245 مليون عملية حسابية فى ثانية واحدة (أهرام5/11/2002) 

ولولا العلم Science وتطبيقاته هل كان البشر سينعمون بالأجهزة الطبية الحديثة مثل جهاز (رسم القلب) الذى نجح د.جيمس جيرك فى التوصل لمرض (عضلة القلب) فى فبراير1919؟ وبسبب الانفاق على البحث العلمى سجلت كوريا الجنوبية أكثر من 16 ألف براءة اختراع فى عام واحد.. وأقل من200براءة فى مصر (نقلا عن الراحل الجليل د.محمد السيد سعيد ـ أهرام21/4/2004) وهذه المعلومة أكدها د.محمد محمود حيث ذكر أنّ ما تسجله كوريا الجنوبية ومصر من براءات اختراع هو بنسبة 1: 16 ألفا، أى أن مصر فى القاع (أهرام 27 يونيو 2004) 

وهل يمكن الانفاق على البحث العلمى مع التفريط فى حق الشعب بنهب المال العام؟ بينما فى ألمانيا تم تقديم محافظ البنك المركزى للمحاكمة، لمجرد أنه أمضى مع أسرته أربع ليال فى فندق فاخر.. وكلف البنك بالمبلغ وهو نحو 9 آلاف دولار (المرحوم سلامة أحمد سلامةـ أهرام19/4/2004)  

وبسبب الانفاق على البحث العلمى (وتحجيم نهب المال العام) نجحتْ سنغافورة (التى لاتملك أية موارد طبيعية) فى تصدير ما يساوى صادرات جميع الدول العربية مجتمعة.. وهو ما يتراوح بين140ـ 160 مليار دولار (أهرام7يوليو2004) وبسبب التقدم العلمى والتكنولوجى فى سنغافورة، وقــّـعتْ وزارة الآثارالمصرية عقدًا مع هيئة سنعافورية لتصنيع إنسان آلى للكشف عما يوجد وراء الأبواب السرية داخل الهرم الأكبر خاصة الباب1 والباب 2 (أهرام 7/8/2004) علمًـا بأنّ هذا التخصص يمتلكه العلماء المصريون المنتشرون فى أوروبا. 

ومن يقرأ مذكرات أنديرا غاندى سيعلم كيف حقــّـقت الهند تقدمها العلمى فى كل المجالات.. وأنه بسبب هذا التقدم فإنّ الهند تحصل على مئات المليارات من تصدير التكنولوجيا الهندية.. خاصة فى مجال البرمجيات والأبحاث الطبية.. وبسبب هذا التقدم العلمى (مع الاعتزاز القومى) أصبحتْ الهند سادس دولة نجحتْ فى تصنيع قمرها الصناعى الذى أطلقته ليدورفى مداره يوم 18 يوليو 1980.  

    وأعتقد أنّ أفضل ختام هو ما ذكرته الأستاذة سكينة فؤاد حيث كتبتْ عن احصائية ((نشرتها أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا..وفيها أنّ أكثر من 450  ألفا من حملة المؤهلات العلمية العليا (من المصريين) هاجروا إلى أوروبا خلال خمسين عامًـا، وبرز منهم 6001 عالم من ذوى التخصصات النادرة.. فى الهندسة والفيزياء النووية والكيمياء والفلك والفضاء واستخدامات الليزر والالكترونيات الدقيقة والبيولوجيا والطب والهندسة الوراثية وتكنولوجيا النسيج والسدود والجيولوجيا وطبيعة الزلازل (مقال: بين العبقرية والجنون ـ أهرام19يوليو2001)  

التخصصات المذكورة وردتْ فى نشرة أكاديمية البحث العلمى (المصرية) وتلك التخصصات هى نتيجة عبقرية المصرى الفطرية، التى انتقلتْ إليه من جينات جدودنا المصريين القدماء، الذين قال عنهم أحمد زويل وهو يتسلم جائزة نوبل ((لوأنّ تلك الجائزة كانت موجودة فى عصرالحضارة المصرية، لحصدتْ مصر90% من الجوائز فى شتى المجالات)) ولذلك أعتقد أنّ الكاتبة المُـحترمة سكينة فؤاد لم تــبالغ عندما ربطتْ قدرات علمائنا والتفريط فيهم (وبالتالى التنازل المجانى عن تلك الثروة البشرية لدول أخرى) وكانت مُـحقة عندما اختارتْ لمقالها ذلك العنوان الدال (بين العبقرية والجنون).

-------------------------

بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟