17 - 07 - 2024

ترامب يصرخ: "شائعات"!

ترامب يصرخ:

دأب الرئيس الأمريكي علي إتهام معارضيه بأنهم يتعمدون إثارة الشائعات حوله بهدف الإنتقاص من إنجازاته، وقد تكرر ذلك علي لسانه أو علي لسان كبار معاونيه، واعتاد إثارة الشك حول الإتهامات التي وجهت إليه منذ إنتخابه رئيساً وحتي الآن.

وقد نشرت صحيفة الواشطن بوست أخيراً يوم 26 يوليو 2018 مقالاً يفند بشكل تفصيلي ما أدعي ترامب وإدارته بأنها شائعات، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن تصريحات ذلك الرئيس وإدارته هي التي تعد شائعات وأخبارا كاذبة "Fake News"!! ..

ومن المعروف أنه خلال القمة العربية الإسلامية مع ترامب في الرياض في مايو 2017، وبينما كان المطرب السعودي الأشهر محمد عبده يغني أغنية مخصصة للترحيب بترامب، جزء منها باللغة العربية للمطرب نفسه، وجزء آخر باللغة الإنجليزية يغنيه عبد الرحمن إبن المطرب، ربما كتعبير عن تواصل الأجيال في حب أمريكا، وفي نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي يضع اللمسات الأخيرة في المبلغ الأسطوري الذي حصل عليه من السعودية والذي تجاوز 400 مليار دولار.. في هذه الأجواء المفعمة بالإنتصارات العربية، لم ينس ترامب أن يبدي إعجابه الشديد بحذاء الرئيس المصري، ولا نعرف حتي الآن عما إذا بادر الرئيس المصري بإهدائه ذلك الحذاء وفقاً لاصول الضيافة العربية المرعية؟..

لقد احتفت وسائل الإعلام المصرية أيما إحتفاء بذلك الإعجاب الأمريكي بحذاء الرئيس واعتبروه دليلاً آخر علي تفاعلات الكيمياء ما بين الرئيسين.. ولا جدال في أن الدبلوماسية الناجحة قد تبدأ بأمور تبدو مدهشة وغريبة، مثلها مثل  الدبلوماسية الفاشلة تماماً، فكلنا نتذكر مثلاً "دبلوماسية المطبخ" ما بين نيكسون وخروشوف، و"دبلوماسية البنج بنج" ما بين أمريكا والصين والتي تطورت إلي اعتراف أمريكا فيما بعد بالصين الشيوعية.. والتاريخ مليء بهذه الإيماءات الدبلوماسية المدهشة، وربما كانت اللفتة التي أبداها ترامب كانت تمثل بداية "دبلوماسية الحذاء"! .. رغم أن الصحفي العراقي منتظر الزيدي قد بدأ هذا النوع من الدبلوماسية حين ألقي بحذائه في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش في مؤتمر صحفي في بغداد.

ومن أحدث الكشوفات في هذا الصدد، تلك التسريبات حول مكالمات مساعد ترامب مايكل كوهين التي تتعلق بشراء صمت بعض العاهرات كي لا يتحدثن عن علاقاتهن المشبوهة مع الرئيس، ورغم أن صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) كانت قد نشرت قبل إنتخابات الرئاسة عام 2016 أن الشركة التي تمتلك صحيفة "إنكوايرر" قامت بدفع 150 ألف دولار لشراء لعدم نشر قصة علي لسان واحدة من العاهرات، إلا أن ترامب وإدارته نفوا علمهم بذلك، وأن ما نشر عن علاقة غرامية بين ترامب وبين المدعوة "كارين ماكدوجال" غير صحيح علي الإطلاق، وقد ثبت الآن بعد إذاعة التسجيلات أن ما نشرته الوول ستريت جورنال لم يكن شائعات، وإنما النفي الرسمي لترامب وإدارته هو الذي يعد شائعات كاذبة.

وقد تكرر ذلك مرة أخري عندما أنكر دونالد ترامب ما نشرته الوول ستريت جورنال عن عملية شراء صمت إحدي ممثلات الأفلام الإباحية بمبلغ 130 ألف دولار، حيث نفي الرئيس ذلك بشدة بإعتباره شائعات مغرضة، ولكن التسريبات التي أذيعت مؤخراً عن مكالمات مايكل كوهين كشفت عن صدق رواية الصحيفة، وكذب الرئيس.

وعندما تم الكشف عن الأكاذيب المتكررة من الرئيس، قام محاميه (والمرشح الرئاسي الأسبق) رودلف جولياني بالتصريح بأن تكذيب تلك الروايات التي ثبت صحتها كان ضرورة لحماية أسرة الرئيس.

وعندما نشرت نيويورك تايمز في يوليو 2017 أن ابن الرئيس ترامب حاول أثناء الإنتخابات أن يحصل من روسيا علي معلومات تسيء إلي المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، نفي محامي الرئيس بشدة بأن الرئيس كان يعلم بذلك، إلا أنه عندما تكشفت معلومات تناقض ذلك سارعت السكرتيرة الصحفية للرئيس بالتصريح بأن الرئيس تصرف كأب يحاول حماية إبنه، إلا أن ذلك التصريح أيضاً ثبت عدم صحته، عندما اضطرت الإدارة إلي توضيح أن ترامب نفسه كان يملي علي إبنه الخطوات التي اتخذها.

بالإضافة إلي ما تقدم، فأن صحيفة واشنطن بوست كانت قد نشرت في 12 يناير 2017 أن مستشار الأمن القومي الجديد مايكل فلين سبق له التحدث مع السفير الروسي حول العقوبات التي قررتها إدارة أوباما علي روسيا بسبب تدخلها في الإنتخابات الأمريكية، وتساءلت الصحيفة عما قاله فلين وعما إذا كان ذلك يمثل عرقلة للعقوبات الأمريكية؟ .. إلا أنه في اليوم التالي مباشرة قام المتحدث الرسمي الجديد للبيت الأبيض بتكذيب وجود أي مناقشة حول العقوبات في اللقاء الذي تم، ولكن الصحيفة عادت في 9 فبراير لتؤكد أن موضوع العقوبات قد تمت مناقشته بين مستشار الأمن القومي والسفير الروسي في محادثات تليفونية وليس في لقاء بينهما، وهو ما نفاه فلين نفسه في مقابلة مع الصحيفة، إلا أنه عاد وقام بتعديل تصريحه حين قال أنه لا يتذكر مناقشة العقوبات، ولكنه غير متأكد إذا كان الموضوع قد تم طرحه بشكل ما.. ومن المعروف أن الرجل تم طرده من منصبه بعد ذلك التصريح بأيام.

وفي مؤتمر صحفي بعد ذلك نفي الرئيس ترامب نفسه وبشدة تورط أي عضو في إدارته في الإتصال مع الروس، وقال مكرراً بغضب :"إنها شائعات .. مجرد شائعات "!..

ومرة أخري يثبت كذب الرئيس عندما اعترف مستشاره السابق فلين أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالذنب، موضحاً أنه كانت هناك مناقشات بين أعضاء حملة ترامب الإنتخابية وفريقه الرئاسي حول ما يجب أن يقال للروس حول موضوع العقوبات، وكان الهدف هو إقناع الروس بعدم التصعيد، وأقر بأنه أبلغ قيادات عليا في الفريق الرئاسي بالرد الإيجابي من روسيا!..

وعندما كشفت الواشنطن بوست عن أن الرئيس ترامب قد كشف عن معلومات في غاية السرية أثناء لقائه مع وزير الخارجية الروسي والسفير في البيت الأبيض في مايو 2017، سارع مستشار الأمن القومي الأمريكي بنشر بيان يكذب فيه بشدة هذه الرواية، إلا أن إحدي محطات التليفزيون الأمريكية أذاعت بعد ذلك أن إسرائيل كانت وراء هذه التسريبات، اتضح صدق الرواية من تصريحات الرئيس أثناء زيارته لإسرائيل عندما صرح بأن "كلمة إسرائيل لم تذكر أثناء تلك المقابلة مع وزير الخارجية الروسي".. أي أن الرئيس لم يؤكد فقط أنه كان كاذباً، وإنما يخاف أيضاً من إسرائيل!..

وحتي لا يتم إتهامنا بنشر الشائعات، فإن مصدر أغلب المعلومات التي تضمنها المقال اليوم نشرت في صحيفة "الواشنطن بوست"، التي أثبتت أن الرئيس الذي اعتاد علي اتهام الآخرين بإطلاق الشائعات، كان هو المصدر الرئيسي للشائعات والأكاذيب ..

والآن هل يمكن لأي مصدر أن يؤكد لنا أن إعجاب الرئيس ترامب بحذاء الرئيس المصري لم يكن إدعاء وكذبا كعادة الرئيس ترامب، وبالتالي فأن الحفاوة التي أبدتها أجهزة الإعلام المصرية بهذا الإعجاب لم يكن سوي أصداء لشائعة أو شائعات..

وله في خلقه شؤون..!!

--------------
بقلم السفير / معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات اخرى للكاتب

علي هامش السد!