30 - 06 - 2024

بدعة الصناديق الخاصة لنهب الأموال العامة

بدعة الصناديق الخاصة لنهب الأموال العامة

شاء قانون المصادفة أننى عملتُ بوزارة المالية لعدة سنوات.. ومع بداية عهد السادات تفتــّـق ذهن (ترزية القوانين) المُـنتشرين كالطاعون فى المحليات والهيئات والجامعات إلخ. إلى تحايل شيطانى يمنع وصول الموارد المالية التى كانت تذهب إلى وزارة المالية.. وكان البديل (بدعة/ كارثة الصناديق الخاصة) فمثلا النشاط الاقتصادى الذى يـُـدار فى المحافظات (وبعضه استثمارات أجنبية) فإنّ عائده المادى كان يذهب إلى وزارة المالية.. والحصول على شهادة التخرج أو على أى مستند من أية جامعة أوهيئة حكومية، يكون بمقابل مادى.. وعائده يذهب إلى وزارة المالية.. ولكن المجرمين من (ترزية القوانين) نجحوا فى حجز تلك الأموال لتكون تحت تصرف المحافظ أورئيس الهيئة أورئيس الجامعة إلخ. 

وأشهد بأنّ وزراء المالية (ومن بينهم صلاح حامد وآخرين) اعترضوا على حرمان الوزارة من تلك الموارد التى كانت بالمليارات.. وكنتُ أعمل بمكتب مستشار وزيرالمالية (د.أحمد سالم) الذى كان شديد الحرص على المال العام والنزاهة والتواضع.. وعندما جاءتْ موافقة مجلس الوزراء على إنشاء الصناديق الخاصة، حوّلها الوزير إلى د.أحمد سالم لإبداء الرأى.. فكتب الرجل (الحاصل على أكثرمن دكتوراه فى المالية العامة والمحاسبات والقانون) مذكرة قوية مُـستندة إلى قانون الموازنة العامة للدولة.. وإلى القوانين المُـشابهة ببعض الدول الأوروبية، التى تنص على أيلولة (كل) الموارد العامة (مهما صغر شأنها) إلى الخزانة العامة للدولة. 

وللأمانة فإنّ وزراء المالية الذين عاصرتهم (قبل إحالتي للمعاش عام 2002) كانوا يعتمدون مذكرة المستشار د.أحمد سالم.. ويقومون بإرسالها إلى مجلس الوزراء الذى تجاهل رأى وزارة المالية.. والجهاز المركزى للمحاسبات الذى تضامن مع وزارة المالية.. وعندما بدأتْ بعض الصحف (مثل الأهالى) وبعض المجلات (مثل روز اليوسف) وبعض أصوات الاقتصاديين المحترمين فى إثارة الموضوع من جديد فى عهد مبارك، تجـدّد السيناريو الذى شهده عهد السادات: العرض على وزارة المالية لإبداء الرأى.. الوزارة ترد بضرورة إلغاء الصناديق الخاصة وضم أموالها للوزارة.. ولكن كما يقول شعبنا الأمى فى أهازيجه البديعة ((ودن عليها طين والتانيه عليها عجين)) آ 

ولم تكن كارثة الصناديق الخاصة هى الكارثة الوحيدة.. وإنما تبعتها كارثة جديدة هى تنازل وزير المالية (على ما أذكر مع بداية عهد مبارك) عن اختصاصاته بشأن موارد كل من وزارتىْ الداخلية والعدل، لتؤول تلك الاختصاصات لوزيرىْ هاتيْن  الوزارتيْن.. وهكذا تـمّ (خنق) وزارة المالية.. خاصة لوعلمنا أنه بالرجوع إلى مجلدات الحساب الختامى بوزارة المالية والاطلاع على الموارد التى كان يستقبلها (قطاع التمويل بالوزارة) يتبيـّـن حجم الأموال التى تـمّ حجبها عن وزارة المالية، وما نتج عنه من عجز دائم ومتراكم سنويـًـا فى الموازنة العامة للدولة.. ولعلّ المواطن (غير المُـتخصص فى الاقتصاد) يعلم حجم الأموال التى تحصل عليها وزارة الداخلية (مخالفات المرور، التصريح برخصة قيادة، تجديد الرخص إلخ) أما وزارة العدل فيكفى تبعية مصلحة الشهرالعقارى لها وتلال الأموال المُـحصلة من المواطنين يوميـًـا، سواء لعمل توكيل أو سحب التوكيل، وتسجيل براءة اختراع، أوتسجيل عقار أو أراضى بناء أو أراضى زراعية أو التنازل من شخص لآخر عن أى عقار أومنقول (مثل التنازل عن سيارة على سبيل المثال) فلو حسبنا الأموال المُـتدفقة على وزارتىْ الداخلية والعدل (يوميـًـا) فإنّ مقداراها بالمليارات.. ونظرًا لأننى تركتُ وزارة المالية عام 2002 فلا أستطيع الجزم: هل تنازل وزير المالية عن اختصاصاته وأيلولتها لوزيرىْ الداخلية والعدل، مازال ساريـًـا أم لا؟.. وهذا مع ملاحظة أن ّ تلك الموارد التى دخلتْ خزانة الداخلية والعدل، ترتب عليها رفع مبالغ المكافآت والحوافز للعاملين بهاتيْن الوزارتيْن.. ولكن المهم هو ربط ذلك بأنّ (باب المكافآت ومجمل الأجور المُـتغيرة) التى تمنحها وزارة المالية للوزارات والهيئات، ظلّ ساريـًـا على وزارتىْ الداخلية والعدل.. ولم يــُـفكر أحد فى تصويب هذا الخطأ الفادح وغير القانونى.. وعندما اقترحتُ على د.أحمد سالم تقديم مذكرة بهذا الشأن للوزير.. قال لى: إنت يا طلعت يا ابنى عاوزنا ندخل عش الدبابير (كان رئيس الوزراء فى ذاك الوقت عاطف عبيد الذى باع شركات القطاع العام بالقيمة الدفترية وليس بالقيمة السوقية.. منذ أنْ كان وزير قطاع الأعمال..فكانت مكافأته منصب رئيس الوزراء) وقال لى المراقب المالى بحامعة القاهرة أنّ ضباط الحراسة بالجامعة يجمعون بين مكافآتهم من وزارة الداخلية.. ومكافآتهم من صندوق الجامعة.

وفى عام 2018 تجـدّد موضوع الصناديق الخاصة بمناسبة ما قاله النائب محمد الشريف (وكيل لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب) وذكر أنّ الصناديق الخاصة تشهد حالة من الفوضى.. رغم تقارير الجهازالمركزى للمحاسبات ووزارة المالية. وقال إنّ عشرات الآلاف من هذه الصناديق ليس لها ((ضابط أورابط والكثير منها بلا لائحة وبلا إشراف من وزارة المالية ولا من الجهاز المركزى للمحاسبات (جريدة الشروق المصرية- 3/8/2018) 

ونظرًا لغياب الشفافية فى الحصول على المعلومات، تضاربتْ البيانات الخاصة بحجم ودائع الصناديق الخاصة.. فقـدّرتها وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات بنحو مائة مليار جنيه، بينما بعض الاقتصاديين الوطنيين (مثل الخبير الاقتصادى عبدالخالق فاروق) يرون أنّ الودائع أكثر من ذلك..وكان من رأى الراحل الجليل د. صلاح جودة أنّ الرقم يصل إلى 3 تريليون جنيه.. فى الوقت الذى يستجدى النظام صندوق النقد الدولى للحصول على قرض مُـحمّـل بالشروط القاتلة لغالبية الشعب. 

------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟





اعلان