16 - 08 - 2024

ثروة تحترق(2) مصر تفقد سنويا 2.5 مليار جنيه يمكن أن تتحقق بتصدير"قش الأرز"

ثروة تحترق(2) مصر تفقد سنويا 2.5 مليار جنيه يمكن أن تتحقق بتصدير

مستثمرفى المخلفات الزراعية يشكو "الجزر المنعزلة" للسلطات عندما فكر فى تصديره لأوروبا.

الفلاح يحرق القش لاستعجال زراعة البرسيم..ولأن تكلفة جمع قش فدان تعدت ال600جنيه.

مبادرة لم تنجح لنقابة الفلاحين لجمع قش الأرز لعدم توفر مجالات لاستثماره.

مسئول بالبيئة السحابة السوداء تشكل 15%من أسباب تلوث الهواء.

ونواجه "ألاعيب الهواء" بـ3 أقمار صناعية وتقارير كل ساعتين

إسهامات علمية حبيسة جدران المعامل.. وخامات وصناعات تبحث عن مستفيد.. وتضارب اختصاصات وتداخلها، كلها عوامل جعلت مصر أسيرةً لـ"السحابة السوداء" لسنوات، رغم نجاح تجارب دولية عديدة في الاستفادة من المخلفات الزراعية، وخاصة قش الأرز..لماذا فشلت مصر فى الإستفادة من قش الأرز سؤال أجاب عنه العلماء فى الحلقة السابقة ونواصل فى هذا العدد البحث عن إجابة فى عقول الأطراف الأخرى، من مستثمرين وخبراء ومزارعين ومسؤولين بوزارة البيئة.

مع اقتراب موسم حصاد الأرز تعلن وزارة البيئة حالة الطوارئ لمطاردة السحابة.. والإعتقاد السائد بين الناس أن هذا الموسم بلا سحابة، بعد تقليص المساحة المزروعة  والحقيقة إن المساحة المحددة 1.8مليون فدان ينتج عنها 3.6مليون طن قش، صورة إعتادها أهل القرى مع مغيب شمس كل يوم تقريبًا يقف المزارعون في حقولهم لرش السولار وإشعال النار في قش الأرز المنتشر بطول الحقل وعرضه في صفوف متوازية بعد الحصاد. وفي لحظات تتصاعد الأدخنة الكثيفة من حقول الأرز مكوِّنةً سحابةً سوداء هائلة تلوث الهواء وتخنق الصدور متجاوزة المسافات وحدود المحافظات .

جزر منعزلة.

أحمد منير - مستثمر ومدير شركة أجنبية تعمل في مجال المخلفات الزراعية تصدرها من دول شرق أفريقيا إلى أوروبا- تواصلت معه أثناء وجوده في القاهرة لإنهاء إجراءات تصدير حاوية من قش الأرز إلى خارج مصر.

يحكي "منير" قصة الصعوبات التي واجهته في أثناء رحلة تصديره قش الأرز "المصري" إلى أوروبا قائلًا: كنت في زيارة للقاهرة منذ 8 سنوات، وتزامنت الزيارة مع موسم حرق القش، كان ذلك في شهر أكتوبر، وهو التوقيت نفسه الذي تتوقف فيه مكابس كبس قش الأرز في أوروبا عن العمل، وهي مكابس يبلغ سعر الواحد منها 5 ملايين جنيه، فكرت وقتها في الاستفادة من المكابس ونقلها إلى مصر خلال فترة توقفها عن العمل في أوروبا لكبس قش الأرز المصري وتصديره لأوروبا، ولكن قبل هذه الخطوة كان يجب تصدير شحنة لعمل التحاليل اللازمة ومعرفة مدى ملاءمة القش المصري للأفران والمحارق الأوروبية التي يتم حرق المخلفات الزراعية فيها".

ويستطرد: في عام 2011، قمنا بتصدير حاوية وزنها 8 أطنان، وقتها كان المسؤول عن جمع القش شركة "كير سرفيس" التابعة لجهاز الخدمة الوطنية، لكن نتائج التحاليل أكدت ارتفاع نِسَب الكبريت والكالسيوم بمعدلات لا تتلاءم مع المحارق الأوروبية، فضلًا عن ارتفاع نسب الكالسيوم والكبريت في القش، والتي تؤدي إلى تآكل المحارق، لذا تراجعنا عن فكرة نقل المكابس من أوروبا خلال فترة توقفها، ولكن جرى تعديل المحارق خلال السنوات الماضية لتتناسب مع مكونات القش المصري، وحضرت إلى القاهرة لتصدير حاوية من قش الأزر لإجراء التحاليل للمرة الثانية ودراسة ملاءمتها للمحارق بعد التعديل، وبالفعل قمنا منذ أيام بتصدير حاوية تزن 8 أطنان إلى أوروبا.

يقول "منير": "واجهنا العديد من الصعوبات عند تصدير القش، منها مطالبة الجمارك بضريبة تحت مسمى "دعم صادر" رغم محاولتنا إقناعهم بأنه قش "أي مخلفات"، ثم جاءت وزارة الزراعة ممثلةً في الحجر الزراعي لتطالب بدخول القش مبخرة للتبخير قبل التصدير، وبذلنا جهدًا كبيرًا لإقناعهم بأن الجهة التي سيصل لها القش لم تطلب شهادة بالتبخير لأنه ببساطة سيُحرق، وأن التبخير تطلبه الجهة المستوردة وليس الجهة المصدرة، ولم يوافقوا إلا بعد أن أرسل شركاؤنا الأجانب شهادات من الاتحاد الأوروبي تؤكد عدم احتياجهم لشهادات صحية من الحجر الزراعي تفيد بتبخير القش. وبعد الانتهاء من الإجراءات رفع المتعهد سعر طن القش من 100 جنيه إلى 250 جنيه، يضاف إليها تكلفة النقل لميناء الإسكندرية بتكلفة 11 ألف جنيه لنقل 7 أطنان قش، وألف دولار لشحنه إلى ألمانيا.

ويصف "منير" تعدُّد الجهات المعنية بالتعامل مع قش الأرز بالجزر المنعزلة، مشيرًا إلى أن المستثمر والمستورد يجب أن يكون تعامله مع جهة واحدة.

ويلخص "منير" مشكلة قش الأرز في مصر قائلًا: من واقع خبرتي في التعامل مع المخلفات، فإن خطة وزارة البيئة المصرية للحد من حريق القش تتمثل في مواجهة 3.5 ملايين طن من قش الأرز من خلال خلق سوق محلي واستخدامه سمادًا بعد إضافة اليوريا، أو علفًا بعد إضافة مركزات البروتين والأملاح، وشجعت الوزارة عملية جمع القش بتوفير معدات وجرارات ومكابس وتأجيرها بأجر رمزي للمتعهد، وتوفير أماكن للتخزين، وهذه حلول ليست كافيةً للقضاء على أزمة قش الأرز، والحل من وجهة نظري يكمن في تصدير قش الأرز، وحتى يتم التصدير لا بد من منظومة لجمع القش في بالات كبيرة لتقليل تكلفة النقل، ووضع سياسات لدعم المخلفات، ودعم النقل البحري؛ لأن نقل القش للتصدير يكون أوفر عن طريق البحر.

ويقدر "منير" العائد الاقتصادي من تصدير القش قائلًا: إن عائد تصدير الطن الواحد من قش الأرز يبلغ 40 يورو، لذا فإن تصدير 3 ملايين طن يحقق عائدًا يبلغ 120 مليون يورو، أي أكثر من مليارين و593 مليون جنيه مصري.

وحول إمكانية نقل المكابس الأوروبية إلى مصر، يقول "منير": "إن هناك صعوبات كبيرة تواجه ذلك، فالمكبس ذاتي الحركة، ويعمل في مساحات زراعية كبيرة تتراوح بين 700 و800 كيلومتر مربع، إذ يقوم جزء من المكبس "اللمامة" بلم القش في شكل خطوط، وهذا لا يتناسب مع مساحات الأرز في مصر؛ لأن تفتيت الملكية والمساحات الصغيرة المتناثرة متنوعة المحاصيل تَعوق عمل هذه المكابس في الدلتا، والحل يكمن في استخدام الجرارات الصغيرة واستخدام مكابس كبيرة ثابتة"، على حد وصفه.

ويضرب "منير" مثلًا بتجربة ناجحة نفذها من خلال الشركة التي يديرها في إثيوبيا قائلًا: أعمل مع شركاء أجانب في مجال تصدير المخلفات الزراعية من دول أفريقيا إلى دول أوروبا لتتحول إلى مصدر طاقة يدفيء المنازل ويسخن المياه، وأنشأنا في إثيوبيا مصنعًا لتحويل المخلفات الزراعية -المتضمنة قش الأرز- إلى صورة يسهل حرقها مثل الفحم، بحيث يتم تكسير القش إلى قطع تتراوح بين 2 و3سم ووضعها في مكابس لتخرج في شكل قوالب “briquetting” أو أصابع“pellets” ، وتصديرها إلى أوروبا لاستخدامها في محطات التدفئة المركزية وتسخين المياه، ودفعَنا إلى ذلك زيادة الطلب العالمي على المخلفات بعد الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لتغير المناخ، واستخدامها مصدرًا للطاقة وبديلًا للمشتقات البترولية التي تسبب التلوث وتزيد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري؛ ونتعامل في الشركة مع كل المخلفات الزراعية، وحتى الحشائش يتم جزها في إثيوبيا وكينيا، ويتم كبسها لتتحول إلى علف تمتد صلاحيته لعامين، وتشتريه منظمة "الفاو" من الشركة لتوزيعه على الفلاحين خلال فترات الجفاف".

ويوضح أن "المخلفات الزراعية تُعَد ثروة كبيرة، حتى إن دولةً مثل الصين، وهي أكبر دولة منتجة للأرز في العالم، لا تحرق ولو قشة واحدة منه، إذ تستخدمه مصدرًا للطاقة والتدفئة في شهور الجليد".

وللمزارع رأى.

للمزارعين قصص معاناة لا تنتهي مع "قش الأرز"، على حد وصف محمد نوفل أبو رجيعة، وهو مزارع من محافظة البحيرة.

يقول أبو رجيعة أرفض فكرة حرق قش الأرز، لكن الفلاح معذور؛ لأن جمع مخلفات الفدان الواحد من الأرز يكلفه 600 جنيه بين أجر العامل الذي يقوم بجمعه وقيمة الحبال التي تُستخدم في تربيطه، إذ إن سعر طن الحبال التي تُستخدم في تربيط القش بعد جمعه 50 ألف جنيه، ولا بديل لتلك الحبال سوى استخدام البلاستيك، والذي يمثل استخدامه خطورةً كبيرة على المواشي في حالة تحويل القش إلى علف.

في المقابل، يؤكد أحمد أبو يوسف –الفلاح المثالي على مستوى الجمهورية، وهو مزارع من الدقهلية- انتشار مبادرات فردية للاستفادة من قش الأرز.

يقول أبو يوسف، "انتشرت أنشطة صناعية كثيرة بالدقهلية لمواكبة الاستفادة من قش الأرز، تتمثل في إقامة ورش حدادة في ميت غمر لتصنيع مكابس ودرَّاسات صغيرة تقطع القش إلى قطع لا تزيد عن 20سم ليصبح مثل تبن القمح بما يلائم البهائم، ولم يعد الاعتماد على المعدات التي توفرها وزارة البيئة وحدها، معترفًا في الوقت ذاته، بـ"استعجال بعض الفلاحين وحرقهم القش لتجهيز الأرض لزراعة البرسيم"، على حد وصفه.

ويكشف محمدعنان–الأمين العام لنقابة الفلاحين- عن مبادرة كانت النقابة قد أطلقتها وبدأت تنفيذها في محافظة البحيرة بالتعاون مع وزارة البيئة في عام 2016.

 

يقول عنان "إن المبادرة قامت على مساعدة الفلاحين في عملية جمع القش وتجهيز التربة للمحصول التالي، ونجحت بالفعل في منع لجوء الفلاحين لحرق قش الأرز في عام 2016، لكنها لم تستمر ولم تعمم بسبب عدم وجود مجالات صناعية تستوعب القش كله، وعدم وجود أماكن تكفي لتخزينه، كما أغلقت المحافظة مصنعًا لتدوير المخلفات بسيدي غازي بكفر الدوار، وهو المصنع الذي كان يستقبل بالات القش، وأعلنت عن تأجيره لأحد المستثمرين".

الصورة ليست قاتمة للنهاية

من داخل وزارة البيئة -الجهة المنوط بها مواجهة السحابة السوداء الناتجة عن حرق قش الأرز- إستعرض أيمن شتا –رئيس قطاع الفروع الإقليمية بالوزارة- معنا أحدث تقرير خاص بقش الأرز، قائلًا: "إن الفلاح يستخدم نصف كمية القش في أغراض متنوعة، أما النصف الآخر فيمثل مشكلة نسعى لحلها بعيدًا عن حرق القش، حفاظًا على نوعية الهواء وجودته، خاصةً أن موسم الحصاد يكون في فصل الخريف؛ إذ تضعف عوامل تشتُّت الهواء ويتسم الطقس بالسكون، وتكون الرياح شماليةً شرقية، وكل ذلك يضاعف مشكلة السحابة السوداء.

ويضيف أنه "من العوامل التي تزيد من حجم المشكلة إدخال أنواع آسيوية جديدة من شتلات الأرز يتولد عنها كميات كبيرة من القش، وعدم الالتزام بالمساحات المحددة للزراعة بقرار من وزير الري، وتفتيت الحيازات، وعدم كفاية معدات الجمع والنقل والكبس، وعزوف المستثمرين نظرًا لموسمية جمع القش".

ويشير إلى أن "الصعوبات السابقة واجهتها جهود عديدة لخفض معدلات الحرق، تمثلت في تشجيع إعادة استخدام المخلفات الزراعية في صناعة السماد والأعلاف من خلال بروتوكول تدوير المخلفات الزراعية (المزارع الصغير) لتحويل 220 ألف طن قش إلى أعلاف وأسمدة.

واستطرد: توفر وزارة البيئة مستلزمات التدوير من يوريا وبلاستيك، وتدعم عمليات الجمع من خلال برتوكول مع وزارة الزراعة لدعم متعهدي القش في محافظات (الشرقية– الغربية- الدقهلية- البحيرة- كفر الشيخ)، ويتم من خلاله جمع 350 ألف طن قش أرز، كما تقدم دعمًا ماليًّا يبلغ 50 جنيهًا، مقابل جمع كل طن من قش الأرز، فضلًا عن توفير معدات جمع القش وكبسه ونقله، وقد بلغ عدد معدات الوزارة المتاحة بأجر رمزي للمتعهدين 880 معدة، ما بين جرارات ولودرات ومقطورات ولمامات ومكابس ومفارم.

كما تبنت وزارة البيئة برنامجَ تمويل متعهدي جمع المخلفات الزراعية من خلال بروتوكول وقعته مع الصندوق الاجتماعي للتنمية لشراء معدات للجمع والكبس والفرم والنقل، وبلغ إجمالي التمويل 30 مليون جنيه مرحلةً أولى، بحد أقصى مليون جنيه لكل متعهد بفائدة 4%، ومدة سداد 5 سنوات، بالإضافة إلى العمل على خلق سوق فعلي للمخلفات الزراعية، وذلك باستكمال برتوكول تعاون بين الوزارة وشركة لافارج للأسمنت؛ إذ يهدف البرتوكول إلى تسهيل التعاقد بين متعهدي جمع المخلفات وشركة الأسمنت، وبموجب البرتوكول سيورد المتعهدون كميات تتراوح بين 400 و600 ألف طن مخلفات زراعية، من بينها قش الأرز؛ لاستخدامها بديلًا للطاقة.

لكن "شتا" يؤكد، في الوقت ذاته، أن "جهود وزارة البيئة في منع الحرق تحتاج إلى تضافر جهود وزارات أخرى، وأنه لن يتم منع حرق قش الأرز بشكل نهائي إلا بتوجيه القش لصناعات تدر عائدًا، وذلك بتنفيذ البحوث العلمية ودراسة تجارب الدول التي تحول القش فيها إلى ثروة".

ليست سوداء

"الصورة ليست قاتمة، وليست بلون سحابة القش السوداء"، بهذه الجملة بدأ "صلاح الشريف" -مستشار وزير البيئة- حديثه لـي، موضحًا أن "أزمة السحابة السوداء بدأت وشعر بها الناس موسم 1997-1998 بعد أن أوقفت شركة "راكتا" خطوط إنتاج لب الورق من قش الأرز، واتجهت لإعادة تدوير الورق، ومن وقتها اعتادت وزارة البيئة إعلان حالة الطوارئ مع موسم الحصاد لوقف حرق القش، مستخدمةً عدة خطط استراتيجية، منها توقيع عقوبات على المخالفين، وتوعية الفلاح بمخاطر الحرق على صحته وصحة أولاده، وتوعيته بالقيمة الاقتصادية للقش، وتدريبه على الاستفادة منه بتحويله إلى علف لماشيته وسماد؛ إذ توجد مسارات عدة يسير فيها القش الناجي من الحريق، إذ يستخدمه الفلاحون في تغطية الخضراوات والفواكه في فترة الشتاء، وتصنيع علف وسماد بمعالجة بسيطة، فضلًا عن توجيه القش إلى مصانع الأسمنت".

ولا ينكر "الشريف" أن الحرق لا يزال قائمًا رغم الجهود، مضيفًا أن "هناك -في الوقت ذاته- صورًا إيجابية، منها التصنيع المحلي للمعدات اللازمة للتعامل مع القش مثل المفارم؛ إذ انتشرت الورش الصغيرة في عدة أماكن، منها منطقة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وأنتجت مفارم صغيرة تناسب الحيازات الزراعية الصغيرة، ولا يتعدى سعر المفرمة 20 ألف جنيه، ومن الصور الإيجابية عودة الفلاحين للفرن البلدي واستخدام القش وغيره من المخلفات الزراعية مصدرًا للوقود، وذلك لمواجهة ارتفاع سعر أنبوبة البوتاجاز، ووعي بعض الفلاحين وتعاونهم في جمع القش".

نلاعب الهواء

يصف "وليد ترك" –الباحث بوزارة البيئة- جهود وزارة البيئة في مواجهة السحابة السوداء الناجمة عن حرق قش الأرز بأنها أشبه بمباراة في مواجهة "ألاعيب الهواء".

يوضح ترك وصفه قائلًا: "نلاعب الهواء للتغلب على التلوث والحفاظ على نوعية الهواء، وما يهم وزارة البيئة في قضية قش الأرز هو تأثير حرقه على نوعية الهواء وجودته؛ إذ تشكل السحابة السوداء من 10 إلى 15% من أسباب تلوث الهواء، ويتزامن موسم الحصاد مع فصل الخريف (سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر)، إذ يضعف تشتُّت الهواء وتتركز الملوثات ويزداد الإحساس بالمشكلة، فلو جرى حرق قش في كفر الشيخ، فإن السحب الناجمة عنه تصل إلى القاهرة في شكل دوامات خلال 3 أيام، لذلك استعانت الوزارة بـ3 أقمار صناعية تراقب جو مصر وهواءها، وتصدر تقارير كل ساعتين بهدف توجيه ضربات استباقية على الأرض؛ لأن قوة الوزارة محدودة على الأرض، فإجمالي عدد العاملين بالوزارة على مستوى جميع المحافظات لا يتعدى 3400 شخص، ومن الصعب عليهم مطاردة سحابة تنطلق من عدة محافظات، لذلك تجري متابعة الهواء لحظة بلحظة من خلال غرفة طوارئ تعمل 24 ساعة".

ويضيف أنه "على مدى يومي 11 و12 أكتوبر من العام الماضي، تعرضت مصر لرياح جنوبية غير متوقعة، ونزلت فرق البيئة إلى منطقة عرب أبو ساعد بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة) لوقف تشغيل المصانع هناك لحين انتهاء الرياح، وإذا هبت رياح من الصحراء الشرقية ونويبع تتحرك فِرَق البيئة لوقف أي مصدر تلوُّث، سواء حرق المخلفات أو الأنشطة الصناعية"، موضحًا أن "حركة الهواء والرياح هي التي توجه جهود فِرَق البيئة على الأرض لمواجهة التلوث والحفاظ على نوعية الهواء وجودته، ويصدر عن الإدارة المركزية لإدارة الأزمات والكوارث البيئية تقرير يومي عن حالة الهواء في أثناء فترة نوبات تلوُّث الهواء الحادة لمضاعفة الجهود المبذولة للتحكم في التلوث والحد منه في ضوء الأحوال الجوية".

د.كمال دسوقي -رئيس المنظمة العربية للتنمية المستدامة- " يقول  من خلال المؤتمرات والأبحاث نقلت المنظمة تجارب الدول الأخرى في استغلال القش مثل اليابان والصين وإيطاليا، والذين ينتظرون موسم حصاد الأرز للحصول على القش الذي يدخل في تصنيع الخشب والورق وتوليد الطاقة، وتبنت المنظمة إقامة مهرجان سنوى لأول مرة لقشش الأرز إستعنا بفن الأراجوز لتوصيل رسالة عن مخاطر حرق القش ،وأشرفت على تنفيذ تماثيل من القش ..المهرجان شارك فيه مزارعين وباحثين ورجال صناعة.

 

ويقول وليد أبو بطة –الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الزراعية وأمين عام المنظمة- "إن قش الأرز يمكن تحويله من سحابة سوداء إلى ثروة باستخدامه في تصنيع الأخشاب والورق وزراعة عيش الغراب، وتوليد الطاقة، وتصنيع طوب للبناء بخلط القش مع الأسمنت، وكل ما سبق توجد أبحاث علمية خاصة به ونفذته دول بالفعل، ولكن تطبيقها في مصر يواجه صعوبات لأسباب تتعلق بالتشريعات، مثل كود البناء المصري الذي لا يعترف بالمخلفات، والتشريعات الخاصة بالطاقة وسياسات دعم الطاقة، وتداخُل الاختصاصات بين الجهات التنفيذية والعلمية.

--------------------

العدد المقبل: نستعرض تجربة إنشاء مصانع لتوليد الطاقة من القش وتوصيلها للمنازل فى محافظة المنصورة والشرقية وأسباب فشلها وخطة الوزارة هذا الموسم.

---------------

تحقيق: نجوى طنطاوى

تم نشره بترتيب خاص مع موقع للعلم scientifice American