29 - 06 - 2024

عن معصوم مرزوق.. ماذا تربح السلطة من إسكات المعارضين؟

عن معصوم مرزوق.. ماذا تربح السلطة من إسكات المعارضين؟

سواء كنت تصادق السفير معصوم مرزوق أو تعاديه، تتفق معه أو تختلف، فأنت لاتملك رفاهية الاختيار في احترام الرجل، تاريخه ومواقفه، هو ابن وفي لمؤسستين تمثلان جوهر الوطنية المصرية، للمؤسسة العسكرية، كضابط بسلاح الصاعقة شارك في حرب الاستنزاف وفي حرب أكتوبر 73 واستبسل ونفذ مهاما بطولية أوجعت العدو، ونال وسام الشجاعة من الطبقة الأولى، ثم لمؤسسة الخارجية المصرية، التي ترقى فيها حتى أصبح مساعدا لوزير الخارجية ورئيسا للنادي الدبلوماسي المصري. ولا تملك إزاء اعتقاله (اليوم 23 أغسطس 2018) إلا أن تردد معه أبيات مظفر النواب: "ويسألني:من أنت؟ / خجلت أقول له:/ ( قاومت الإستعمار فشردني وطني)".

كان يمكن لمعصوم أن يختار لنفسه طريقا مريحا في شيخوخته (فالرجل تجاوز السبعين)، متكئا على ماقدمه في شبابه من تضحية وبطولة وخدمة وطنية تجعله في سجل الامتياز، كان يمكن أن يفعل كما فعل غيره، أن يصمت ويهادن، يتفرغ لحفلات الطبقة المرفهة وينحاز انحيازاتها، ينتظر منصبا رفيعا قد يأتي في أي وقت، ولم لا، وقد كان من أول من أسسوا جبهة الإنقاذ التي أزاحت جماعة الإخوان عن السلطة وأتت بالحكم الحالي، لكن ماذا يفعل الغيورون الذين يحسون أن ثرى هذه الأرض هو بعض لحمهم ودمهم وهسيس أرواحهم، ماذا يفعل الغيورون وهم يرون سلطة تبدد كل الأحلام الشعبية المشروعة في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ويرون مصر العملاقة الضاربة بجذورها في أعماق الحضارة والتاريخ، وهي تتحول إلى تابع لأقزام، يطلب منها التخلي عن أرض سالت عليها دماء شهدائها، فتتخلى .. بل تعاكس كل المألوف في النزاعات وتتولى (وهي المتنازلة عن أرضها) اختراع ذرائع ومستندات ووثائق تثبت أن الأرض ليست أرضها.

معصوم بسبب مواقفه المبدئية، حبا للوطن وغيرة عليه، أغلقت في وجهه كل المنابر، منع من الكتابة في الأهرام ثم في اليوم السابع والمصري اليوم، ولم يجد منبرا حرا يمكن أن يواجه العاصفة غير المشهد، وظل يخشى من إسكات صوت الصحيفة الوحيدة الذي يعلو مواجها القهر والاستبداد وارتهان القرار السياسي لتسلط غير مقبول ولا مناسب لمصر بحضارتها وتقاليدها وكونها دولة وحيدة تليدة حرة القرار وسط مجموعة محميات أجنبية، أو دول أشبه بإقطاعيات.

ما الذي كان يضير معصوم مرزوق، ويضير غيره ممن اختاروا السير في طرق المعارضة الشائكة، والذين أصبحوا قلة لاتتجاوز أصابع اليدين، في وطن تعداده مائة مليون؟

على المستوى الشخصي، لا يستفيد المعارضون شيئا، غير التشويه وأحاديث الإفك السياسي والشخصي، تسد أمامهم كل الطرق والمنافذ ويحاصرون، ويحسون بالوحدة، ويخشى أقرب الأصدقاء من وصلهم والاطمئنان عليهم، تغلق في وجوههم الصحف والقنوات، ويضيق عليهم عيشهم.. بغية إفقارهم والضغط عليهم ليصمتوا، ويضاف إلى ذلك كله، تهديدهم الدائم بهدف النيل منهم، ومن أسرهم في بعض الأحيان.

على المستوى العام لسان حالهم تلخصه مقولة تشي جيفارا:"إن الطريق مظلم وحالك فاذا لم أحترق أنا وأنت فمن سينير الطريق".

إذن.. ماذا تربح السلطة من إسكات المعارضين، سواء بممارسة ضغوط لا تحتمل عليهم أو اعتقالهم أو إغلاق منابر تمثل متنفسا للناس، غير مراكمة سجل سيء في حقوق الإنسان يتيح لجهات أجنبية ممارسة ضغوط (ليس من أجل هذا المبدأ النبيل) وإنما من أجل مصالحها، المتعارضة في الغالب مع المصالح الوطنية؟ ماذا تستفيد غير أن يحل الظلام ، فيتاح للفاسد أن يعمل باطمئنان وللمتجاوزين أن يضربوا عرض الحائط بالدستور والقانون، وأن يفقد عامة الشعب الأمل في غد.

لم يرتكب المخلصون لهذا الوطن، والذين يضحون بأمنهم الشخصي واستقرارهم، جناية، غير التنبيه إلى أننا نضيع فرصة تاريخية في بناء دولة مدنية متقدمة، دولة جاذبة لأبنائها، مستقلة بقرارها، عينها على مصالحها العليا، تسترد مجدها الضائع.

لكن السلطة المستبدة لاترى دوما إلا ماتحت قدميها، متناسية أن "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

معصوم مرزوق لم يفعل شيئا سوى أنه اجتهد في ايجاد مخرج من مأزق سياسي نعيشه، وكانت لديه شجاعة إعلان ما وصل إليه تفكيره، سواء كان صحيحا أم خطأ، واقعيا أم رومانسيا حالما، كان يجب أن يكون نداؤه تنبيها لايقاظ الغافلين في أجهزة الدولة عن شعبية تآكلت وأوضاع ساءت، لئلا تقع مصر أخرى في يد من يردونها إلى عصور الظلام. 

وأختم بما قال أمل دنقل في قصيدة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، التي كتبت في زلزال هزيمة 1967:

قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ 

فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار!

قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار

فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار!

التسلط هو الأب الشرعي لكل الهزائم، فافيقوا قبل الأوان وأطلقوا سراح معصوم مرزوق وكل المتيمين بعشق مصر. فعاقبة إسكات المحبين المخلصين وخيمة.
  --------------

بقلم: مجدي شندي

مقالات اخرى للكاتب

ومتى يعتذر بقية الأحياء من تحالف كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام؟





اعلان