30 - 06 - 2024

في ذكرى ميلاده.. مشروع هيكل الذي لم يكتمل

في ذكرى ميلاده.. مشروع هيكل الذي لم يكتمل

عقد ونصف من حياة الأستاذ محمد حسنين هيكل، وهو يحاول قبل رحيله أن يترك ما يراه بعضا من رد الجميل للعاملين في مهنة انتمى إليها وأعطته بكرم، كان يحمل هم أجيال من الشباب يراهم هم الأمل في مستقبل المهنة، وأنهم يتعرضون لظلم مهني واجتماعي غير مسبوق، ويرى المهنة بدون رعايتهم ذاهبة إلى مجهول.

وأراد أيضًا أن يتيح الوثائق والأوراق التي توافرت له عبر مشوار طويل للباحثين والمؤرخين وأهل المعرفة، باعتبار هذه الوثائق ملك للشعب وحده. كان يبحث عن طريقة مؤسسية مستقلة وآمنة لا يعبث بها أحد تسمح أن تكون مؤسسته نقطة ضوء تساهم في بناء مستقبل أفضل. وامتد بيننا الحوار حول رغبته تخصيص جائزتين سنويًا للشباب باسم الدكتور محمود عزمي ومحمد التابعي، الذي يدين لهما بفضل خاص في تكوينه المهني، ثم تحمس للبدء بعمل دورات تدريبية لشباب المهنة في الداخل والخارج لكنها لم تستمر بعد تعرضه لحملات لا تخفي دلالتها، ثم حاول أخذ مقر للمؤسسة بالإيجار عام ٢٠٠٥ في نقابة الصحفيين، واتخاذ كل الإجراءات القانونية لإشهارها، ثم تراجع بعد أن قطع شوطًا ودفع نصف مليون جنيه مقدمًا تنازل عنه لصندوق المعاشات، وأعلن أسبابًا لذلك اختلفت معه فيها في مقال منشور، ولكنه كان يعلم ما هو غير صالح للنشر أو العلانية في ذلك الوقت.

ولوثائق وأوراق هيكل قصة طويلة أخذت منه كثيرًا من الجهد والعناء ليس لجمعها فقط طيلة مشواره المهني، منذ أوائل أربعينيات القرن الماضي وحتى رحيله، بل للحفاظ عليها في الداخل والخارج  وصونها من التبديد والتربص، خاصة في الفترات العاصفة من علاقته بالسلطة منذ خلافه الحاد مع السادات وخروجه من مؤسسة "الأهرام" عام 1974.

وحتى ندرك مدى الخسارة من إرجاء تنفيذ أحد أهم مشروعات هيكل أنشر نص المذكرة التأسيسية لهذه المؤسسة التي أعطاني الأستاذ هيكل نسخة منها طلبتها مني السيدة العظيمة حرمه، عندما التقيتها عقب رحيله، وكان كل ما يشغلها أن تسعى - قدر ما تستطيع - لتحقيق حلمه ومشروعه المؤجل.

نص المذكرة :

" مؤسسة "محمد حسنين هيكل للصحافة العربية"، مؤسسة أهلية للخدمات العامة، لا تستهدف الربح، منشأة طبقًا لأحكام القانون 84 لسنة 2002، وهدفها السعي مع غيرها من المؤسسات والهيئات والجمعيات المعنية والمشغولة بمستقبل مهنة الصحافة في العالم العربي، بقصد تكثيف جهود الجمعية للتعاون على رقي مهنة الصحافة وتقدمها، اتصالًا بتقاليد سبقت ولحاقًا بآمال تنتظرآ  وسط عالم وزمان اتسعت فيهما آفاق المعرفة ودروس التجربة على نحو لم يسبق له مثيل.

إن المرجو من نشاط المؤسسة أن تقوم على مجموعة من أوجه العمل تساعد على تحقيق الأهداف المأمولة من إنشائها، ومن بينها:

1  مكتبة عامة تحوي ما تجمع لدى "محمد حسنين هيكل" من كتب عن الصحافة والسياسة والحرب والتاريخ والمذكرات والأدب والفن، وغير ذلك من مجالات المعرفة والثقافة.

2 مكتبة مفتوحة تحوي الأوراق الصحفية والسياسية لـ"محمد حسنين هيكل"، بما فيها مجموعات كتبه ومقالاته وأحاديثه ومقابلاته، وما تجمع لديه من أوراق يمكن أن تكون لها قيمة بالنسبة للمشتغلين بالصحافة.

3 مكتبة سياسية يكون استعمالها وفق تصريح من مجلس أمناء المؤسسة، وتضم ما تحصّل عليه "محمد حسنين هيكل" من وثائق (مصرية وعربية وعالمية) بما يلقي أضواء أبعد على مراحل مهمة من التاريخ السياسي الحديث للشرق الأوسط (بالتركيز على مصر والعالم العربي)آ  ثم متابعة ما يمكن أن يضاف جديدًا إلى وثائق سابقة ولاحقة.

4  مكتب مكلف بخدمة مهنية مستمرة، وبلا مقابل حتى تتوافر مصادر ومراجع متجددة، مضافة لمن يشاء من المشتغلين بالمهنة، ويكون بين بنود هذه الخدمة توفير متابعة للإعلام الدولي في أخباره وتحليلاته، بحيث يكون في وقته ولحظته تحت تصرف الراغبين في الاطلاع عليه من الصحفيين، خصوصًا شبابهم، كما يدخل فيه المساعدة على توفير إمكانيات الإنترنت، بحيث تدخل بيسر ضمن وسائلهم الأخرى.

5  إقامة حلقات مناقشة دورية مكثفة لأهم قضايا المهنة الراهنة والطارئة، رغبة في توسيع دائرة اللقاء على فهم مشترك للمدارس والتيارات المستجدة.

6 دعوة صحفيين من العالم الخارجي لما يمكن تسميته ورش عمل مكثفة عن شواغل العمل الصحفي في مختلف مناحي اهتمامه وتطوره، بما يؤدي إلى التواصل المهني بين الصحافة العربية وصحافة العالم.

7  إيفاد بعثات تدريبية إلى الخارج لفترات مناسبة في صحف عالمية كبرى، بحيث يستطع الصحفيون الشبان أن يتعرفوا ويستوعبوا مستوى وأساليب وأجواء العمل الصحفي في ظروف مستجدة ومتقدمة.

8  إتاحة سجل توثيق مهني يضم تشريعات حرية النشر ومواثيق الشرف، وما يتصل بها من التزامات المهنة وآدابها وتقاليدها، وذلك إلى جانب أهم الآراء وأحدث الاجتهادات في مجال حرية النشر والتعبير.

9  تسهيل حضور عربي مناسب وكفء في اللقاءات والاجتماعات المهنية، التي تقيمها اتحادات الصحف ونقاباتها ونواديها وكليات الصحافة في أماكن متعددة من العالم، بحيث يكون شباب المهنة طرفًا في حوار المهنة عبر الحوار وعبر الثقافات.

10 إصدار نشرة دورية بأهم المستجدات في ميادين التكنولوجيا المتصلة بالعمل الصحفي.

11 إتاحة إمكانية خلاقة للتفاعل بين مختلف التعبيرات الصحفية من الجريدة إلى المجلة إلى الإذاعة إلى التليفزيون إلى وكالات الأنباء، باعتبار أن الصحافة، وهي الإعلام المكتوب، مهمة موصولة بمهام متعددة يقوم بها الإعلام المنظور والمصور والعابر للحدود.

12 تقديم جائزة (أو أكثر) سنويًا للأعمال البارزة في الصحافة العربية.

ويقوم نشاط المؤسسة على وقفية محددة ومتجددة، كافية لتحقيق أهداف المؤسسة يوفرها "محمد حسنين هيكل"، وأسرته دون اعتماد أو مشاركة من أي طرف مصري أو خارجي، ولا يجوز للمؤسسة أن تقبل إسهامًا خارج هذا الإطار في مرحلة التأسيس والإنشاء، وبعد هذه المرحلة فإن المؤسسة لا يجوز لها أن تطلب أي مساهمة من خارجها لأوجه نشاطها، لكن يحق لها بعد التأسيس أن تقبل شاكرة عارفة بالفضل لأصحابه، ما ترى قبوله من مساهمات معلنة.

ويتولى الحفاظ على عمل المؤسسة وأهدافها مجلس للأمناء، يشارك فيه ممثلو الوقفية إلى جانب عدد من الشخصيات المهتمة بالمهنة وبالعمل العام لا يزيد عددهم على سبعة، ويشترط أن يكون بينهم نقيب الصحفيين المصريين، وكذلك أحد الشخصيات العربية المعنية بصحافة العالم العربي، باعتبار تكامل العمل الصحفي على اتساع أوطان المنطقة.

ويختص برسم سياسة المؤسسة ووضع برامجها وإدارة أعمالها مجلس تنفيذي يتكون وتتحدد مهامه وفق لائحة يصدرها مجلس الأمناء.

وتضع المؤسسة كهدف عام لها مستقبل الصحفي العربي من كل وطن من أوطان الأمة، باعتبار أن الصحفي بذاته هو المؤتمن الأصلي على مستقبل المهنة والحفاظ على دوره التنويري ضمن حركة التقدم الشاملة للأمة، والمحافظة على مستوى يساعد على تمكين الصحافة العربية من دور مؤثر في محيطها يتواصل بالزمالة مع قوى التطور الأخيرة في الإعلام الدولي وحركته المتسارعة "

هذه هي تفاصيل المشروع الكبير وحلمه المؤجل الذي أبديت في حينه اختلافي مع الأستاذ، عندما قرر إرجاءه ورغم حوارات جمعتنا حاول فيها أن يشير إلى بعض الأسباب الموضوعية التي يعكسها سلبًا، المناخ العام على أحوال المهنة، ورغم حماسي الذي لم يتوقف لخروج مشروعه إلى النور، إلا أنني بدأت التمس عذرًا لمشاعر الأستاذ هيكل، واستشعاره المبكر بما كنا لا نراه.. فكيف لمشروع يحمل الاستنارة، ويضع أمامنا حقائق من الماضي تساعدنا في صناعة المستقبل يؤتي ثماره وكل هذا الغموض يحيط بهذا المستقبل .. ثورة ملهمة تدخل في نفق اليأس وشعارات الحرية التي رددها الشباب وصدقوها تتحول إلى قيود تلتف حول أعناقهم. وأتصور أنه عندما يستعيد الشعب ثورته، هنا فقط يتحقق حلم الأستاذ ويخرج للنور مشروعه المؤجل.
--------------
بقلم: يحيى قلاش


مقالات اخرى للكاتب

 الغزالي حرب وثقافة الاعتذار





اعلان