16 - 08 - 2024

بالصور والتفاصيل مليون وثيقة تحمل تفاصيل التعذيب والتصفيات للحرب السورية

بالصور والتفاصيل مليون وثيقة تحمل تفاصيل التعذيب والتصفيات للحرب السورية

265 صندوقا كرتونيا، بداخلها نحو مليون وثيقة مهربة، من داخل سوريا، هي وثائق لجلسات عالية السرية تفصل التعذيب الممنهج وقتل الخصوم على مدار السبع سنين العجاف التي عاشتها سوريا ولا تزال.

وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية إنها اطلعت على "الصندوق الأسود" في إحدى المدن الأوروبية، وتحمل معظم الوثائق ترويسة النظام السوري (الصقر الذهبي المنقوش يتوسطه العلم)، وتحمل أخرى توقيع الرئيس بشار الأسد نفسه، فيما تصفه الصحيفة "أكبر مخبأ للوثائق لحرب لا تزال مشتعلة".

ويعد هذا "المشروع السري" لجمع الأدلة بشأن جرائم نظام الأسد وقواته، من بنات أفكار بيل وايلي، 54 عاما، وهو جندي كندي سابق ومحقق في جرائم حرب، من بينها تلك التي اندلعت في رواندا والكونغو ويوغوسلافيا السابقة.

وقال وايلي، الذي كان محبطا من العمل بالمحاكم الجنائية الدولية لبطئها وكلفتها العالية، إن ما جمعه يثبت "بما لا يدع مجالا للشك أن الأسد يسيطر تماما على كل ما يحدث، وهو مسؤول عن القتل بشكل أكبر بكثير من داعش".

وبدأت عملية جمع الوثائق السرية منذ 2011، السنة الأولى من الحرب، بتمويل بريطاني، وبالتعاون مع الجيش السوري الحر، بعد أن درب وايلي 60 متطوعا من داخل سوريا على كيفية الحصول على الوثائق من مصادرها.

وايلي وسط صناديق الوثائق المهربة

وتكشف الوثائق كيف عمل النظام السوري بشكل هرمي محكم في تمرير الأوامر لقمع الاحتجاجات منذ بدايتها في 2011، وكيف كان يوثق إجراءاته بدقة "مثل النظام النازي"، وعادة ما يوقع كبار المسؤولين على كل وثيقة تصل مكاتبهم.

وتشير الوثائق إلى أنه في الأيام الأولى للاحتجاجات في مارس 2011، أسس الأسد خلية مركزية لإدارة الأزمات كنوع من "مجلس الحرب"، وكانت تجتمع كل ليلة تقريبا في مكتب بالطابق الأول من القيادة الإقليمية لحزب البعث وسط دمشق، لمناقشة استراتيجيات "سحق المعارضة".

وطلبت الخلية تقارير مفصلة عن الاحتجاجات من لجان الأمن ووكلاء الاستخبارات في كل محافظة، إذ تكشف الوثائق كيف تنتقل الأوامر من رأس الهرم في الدولة إلى المحافظات، ثم تعود التقارير من المحافظات إلى الرأس مؤكدة نجاح عمليات قمع المتظاهرين.

ويقول وايلي: "السؤال الآن هو، من يتحكم في هذه الخلية؟"، ويضيف: "إن الأدلة دامغة على أنه الأسد، حتى لو لم يجلس في هذه الاجتماعات، فإننا نعرف، من خلال الوثائق، أنه تلقى تفاصيل دقيقة ووقع على توصيات "لقمع الاحتجاجات".

وبعكس التقارير المبكرة التي أفادت بأن السلطة الحقيقية تتركز في يد ماهر الأسد، قائد الحرس الجمهوري، شقيق الرئيس الأسد، كشفت الوثائق أن "وجود الأسد الرئيس ليس صوريا، بل يمارس سلطاته وبقوة".

وقال وايلي: "الكل يتحدث عن ماهر، لكننا لم نعثر له أي ذكر على الإطلاق، بل على العكس، لدينا الكثير من الوثائق بتوقيع الأسد الرئيس، إنها أدلة دامغة ضده بلا شك".

وتظهر الوثائق ترنح نظام الأسد وتخبطه في التعامل مع اتساع رقعة الاحتجاجات، إلى أن طلب في عام 2013 تدخل ميليشيات حزب الله لمساعدته، ومن ثم دخول الروس على خط المواجهات عام 2015 بالقوة الجوية.

وكلف مشروع وايلي لجمع الوثائق حتى الآن 23 مليون يورو، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بميزانية مليار دولار للمحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي دفعه إلى توسيع عمله عام 2014 ليشمل جرائم داعش في سوريا والعراق.

وقد وافقت حكومة بغداد مؤخرا على منح وايلي حق الوصول إلى جميع الوثائق، التي تم الاستيلاء عليها من داعش في العراق، وهي في طريقها الآن للخضوع إلى "عملية رقمية" على غرار ما حدث للوثائق السورية المهربة.

آ ولكن العقبة التي تقابل تلك الوثائق والجهة التي عليها البت فيها، غير متوفرة، ففي حالات الإبادة الجماعية، التي وقعت في البوسنة ورواندا، شكلت محكمة دولية مختصة، ولا توجد حتى الآن محكمة مماثلة للنظر في جرائم الحرب في سوريا، والجهة الوحيدة المخولة بإحالة ملف جرائم الحرب في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي لروسيا فيه حق الفيتو.

لكن وايلي لا يزال مصرا على أن ما قام به من جمع للأدلة ضد الأسد لن يذهب أدراج الرياح، وقال "أعتقد أن الروس سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف مضطرين إلى تحميل الأسد المسؤولية".