27 - 06 - 2024

الأصل التاريخى للضريبة على الدخل

الأصل التاريخى للضريبة على الدخل

تــُـتعبرالضريبة على الدخل حديثة نسبيـًـا، بمعنى أنها وليدة العصر الحديث، الذى شهد (الثورة الصناعية) والتوسع فى النشاط التجارى..وما صحب ذلك بالتبعية من (وظائف) لمُـتابعة تلك الأنشطة.. وكما تقرّر تحصيل ضريبة على النشاط التجارى.. وضريبة على المهن المُـختلفة (محامين، مهندسين، محاسبين إلخ) تقرّر- أيضـًـا- تحصيل ضريبة من موظفى الحكومة ومن العمال إلخ. 

ومن هنا بدأ التفكير فى إنشاء هيئة أو مصلحة حكومية، تكون مهمتها تحصيل مجموع تلك الضرائب.. ومع التطور الذى حدث فى الهياكل التنظيمية للدولة الحديثة، الذى نتج عنه إنشاء (وزارة) تكون مهمتها حصر موارد الدولة..ومن خلال هذا الحصر تتكوّن رؤيتها حول (توزيع) تلك الموارد على مؤسسات الدولة وهيئاتها (سواء خدمية أواقتصادية) بهدف الانفاق على مجمل مرافق الدولة.. وما حدث هو الذى أخذ مصطلح (الموازنة العامة للدولة) ومصطلح (الموارد والمصروفات) وكان من الطبيعى أنّ مبالغ الضريبة المُـحصلة من المواطنين، انْ تصب فى الوعاء العام للخزينة العامة أى (وزارة المالية) 

وتأسّـستْ فلسفة (تحصيل ضرائب من المواطنين) على قاعدة: الضريبة مقابل خدمة تقوم بها الدولة.. وهذه الخدمة تتنوّع وتتعدد ومنها على سبيل المثال: تأمين صحى، تأمين اجتماعى، التعليم المجانى (قدرالمستطاع وفى حدود الموارد كما فى تجربة معظم دول أوروبا) وكذلك صرف صحى على أرقى مستوى..والاهتمام بتشجير كافة المدن وأطرافها..إلخ. 

ومن المهم ملاحظة أنّ تحصيل الضريبة تختلف من نظام سياسى إلى نظام آخر..وعلى سبيل المثال فإنّ (ظاهرة التهرب الضريبى) تكاد تكون منعدمة فى الأنظمة ذات التطور حضارى..كما فى دول أوروبا، بينما ينتشر التهرب الضريبى فى الأنظمة التى يسود فيها الفساد السياسى (والأخلاقى) 

فى الأنظمة الأولى فإنّ المواطن يؤدى الضريبة عن طيب خاطر.. وبشكل عفوى وتلقائى لأنه يعلم أنه سيحصد ما دفعه فى (مجموع الخدمات) التى يحصل عليها هو وأسرته.. والدليل على ذلك ما حكته لى الصديقة (د.مرفت عبدالناصر) التى عاشتْ فى لندن 30 سنة..وقالت: كان يـُـقتطع 67%من راتبها لصالح مصلحة الضرائب (مع مراعاة أنها أستاذة جامعية، أى أنها لاتعمل بالتجارة) وعندما قلتُ لها: ألم تشعرى بأى استياء أوبالظلم نتيجة هذا الخصم الكبير؟ قالت: ولماذا أستاء أوأشعر بالظلم وأنا أتمتع بتأمين صحى واجتماعى.. ومرافق حكومية على أرقى مستوى حضارى لعلّ أبسطها (وأجملها) كمية الأشجار فى كل الطرق..وضحكتْ وهى تــضيف: وبالرغم من امتلاكى سيارة فإننى قلــّـما أستعملها، لأنّ مواعيد الباص أوالمترو (بالثانية وليس بالدقيقة) 

أما فى أنظمة الفساد السياسى فإنّ المواطن لايشعر بالخدمة (حتى فى حدها الأدنى) مقابل الضريبة التى أداها للدولة.. خاصة مع فشل وزارة التعليم فى القيام بواجبها.. والاعتماد على (الدروس الخصوصية) كما تعجز ميزانية المستشفيات وميزانية هيئة التأمين الصحى عن أداء الخدمة المطلوبة للمريض.. وفقــًـا للمعايير العالمية (وأنا أكتب عن تجربة شخصية فى تعاملى مع التأمين الصحى) وعندما طلبتُ شطب اسمى من سجل المُـستفيدين.. وبالتالى يتوقف الخصم من معاشى، تأشرعلى طلبى بالرفض.. وقال لى موظف ابن نكته: إنت دخلتْ (معتقل التأمين الصحى) وعاوزهم يفرجوا عنك وتضيع عليهم الفلوس اللى بياخدوها منك؟ آآ 

جانب آخر منتشرفى أنظمة الفساد السياسى وهوالعديد من الأنشطة التى تستحق أداء ضريبة عليها..ولكن مصلحة الضرائب تتجاهلها (عن عمد أوإهمال) وكنتُ- منذ عدة سنوات- أعرف مدير مكتب مصلحة الضرائب.. وسألته عن الممثلين الذين يعملون فى السينما والمسلسلات والمسرح والاعلانات، هل تحصلون منهم على ضريبة على هذا التنوع؟ فقال لى أرجوك لاتتكلم فى هذا الموضوع..وعندما حاولتُ أنْ أعرف السبب قال لى: إنت لاتعرفنى وأنا لا أعرفك. آآ 

والأطباء والجراحون مثال آخر: تعرّضتْ أختى لمرض خبيث أسفل الضرس، ذهبنا لعيادة طبيب مشهور.. حوّلها لمستشفى قصرالعينى الفرنساوى لإجراء الجراحة.. طلب25 ألف جنيه لنفسه غير تكاليف الاقامة وفتح حجرة العمليات إلخ. ولما طلبتُ منه فاتورة بالمبلغ الذى تقاضاه رفض.. وبالرغم من كل المحاولات أصرّ على الرفض..وأمثال هؤلاء- وهم بالآلاف- هل لدى مصلحة الضرائب الآلية التى بموجبها يتم تحصيل حق الدولة.. ونفس الشىء ينطبق على (مافيا الدروس الخصوصية) وبينما يعيش هؤلاء عيشة مرفهة، فإنّ ملايين البسطاء الذين يؤدون الضريبة، يعيشون عيشة الفقر والعوز(سواء أصحاب محلات التجارة الصغيرة أوالورش أوالموظفين المنزوع منهم كل وسائل التهرب، لأنّ الخصم يتم (من المنبع) آآ 

والأنظمة المتحضرة ابتدعتْ منطومة لتحقيق العدالة اسمها (الضريبة التصاعدية) فليس من العدل أنْ يـُـخصم من موظف راتبه ألف دولار فى الشهر نفس النسبة من قيادى حكومى مجموع دخله مائة ألف.. وليس من العدل تحصيل مبلغ من تاجر صغيريـُـحقق أرباحـًـا سنوية عشرة آلاف أوعشرين، بنفس النسبة من صاحب شركات يـُـحقق الملايين أوالمليارات. 

فلماذا لايتم تطبيق الضريبة التصاعدية فى النظام الضريبى المصرى؟ وإذا كان البسطاء هم الذين يـُـمولون خزانة الدولة من خلال الضرائب، فإنّ أبناء شعبنا الذين تحملوا (مرارة الغربة) وعملوا فى الدول الأجنبية، فلهم الفضل فى سد العجز فى الموازنة العامة للدولة.. وقد أعلن البنك المركزى المصرى أنّ إجمالى تحويلات المصريين العاملين خارج مصر بلغ 5ر26 مليار دولارخلال العام المالى2017/ 2018 (أهرام 31/8/2018)آآ  

وذكر أ.خالد محمد خالد فى كتابه (من هنا نبدأ) الصادر عام 1950 عن دار النيل للطباعة أنّ انجلترا (وهى دولة ليست شيوعية) فرضتْ نظام الضريبة التصاعديةآآ  التى تصل أحيانـًـا إلى 94% (ص90)
 -----------------------------

بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟





اعلان