20 - 10 - 2024

اللواء مختار قنديل يتحدث عن تحرير الأرض: الضباط والجنود كانوا يتسابقون للعبور ومحاربة العدو

اللواء مختار قنديل يتحدث عن تحرير الأرض: الضباط والجنود كانوا يتسابقون للعبور ومحاربة العدو

في ذكرى ، حرب أكتوبر المجيدة كان لنا حديث مع اللواء مختار قنديل، أحد أبطال سلاح المهندسين فى حرب أكتوبر، التحق بالجيش فى منتصف ستينات القرن الماضي لينضم إلى سلاح المهندسين، في لقاء معه والذي رغم تقدمه في العمر إلا أنه يتحدث بحماسة الشباب في ذكر تحرير سيناء، ويتذكر الحرب، كأنها كانت أمس.

روى قنديل ذكرياته مع حرب أكتوبر قائلا: قضيت سنة خدمة في سلاح المهندسين على الحدود المصرية الفلسطينية، وشاركت في حرب "النكسة"، وأمرنا المشير عامر بالقرار الصعب وهو الانسحاب، وبعدها انتقلت إلى قيادة الجيش الثاني الميداني، وكنت في الفرقة 16، وكان المشير طنطاوي برتبة مقدم، وقائد كتيبة داخل الفرقة.

وأوضح أن عنصر المفاجأة الذى تحقق فى حرب أكتوبر 73 كان العامل الرئيسى والأساسى فى تحقيق النصر على العدو المغتصب، بالتزامن مع الخطة الحكيمة التى وضعتها القيادة العامة للقوات المسلحة للعبور إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وتحرير الأراضى المحتلة، فى أكبر عمل عسكرى شهده التاريخ الحديث حتى الآن، لافتًا إلى أن حرب أكتوبر كانت طفرة حقيقية فى استخدام الفكر العسكرى، والتعامل الاستراتيجى والتكتيكى مع العدو، حيث عبرنا قناة السويس بكل ما فيها من موانع فنية وعسكرية، واستطاعنا.

وقال اللواء مختار قنديل، إنه أثناء العبور كنت أجلس على شاطئ القنال ورأيت بعيني أسراب الطائرات وهى تعبر القناة لاستهداف مواقع العدو، بعدها قامت المدفعية المصرية بعمل تمهيد نيراني استمر 53 دقيقة، ثم انطلقت أكثر من 7 موجات من القوارب المطاطية المحملة بجنود المشاة والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي من القناة، تبعه عبور جنود المشاة.

ويتابع: كانت تصدر التوجيهات القيادة، لتوزيع الأدوار على كل الضباط والأفراد ليعرف كل فرد مهمته بشكل دقيق، حيث حملت إحدى موجات القوارب المطاطية طلمبات المياه النفاثة لفتح ثغرة فى جسم خط بارليف، وبالفعل حدثت المعجزة وأحدثنا ثقوباً كبيرة فيه، وقمنا ببناء الكباري بطول قناة السويس فى 6 ساعات وانتهينا منها فى تمام العاشرة مساء، ثم بدأت الدبابات فى العبور.

 ويضيف اللواء قنديل: رغم أنه كان يوجد تسلسل معروف للعبور إلى شرق القناة إلا أن معظم الأسلحة كانت تتسابق للقتال ونيل الشهادة ومحاربة العدو، حيث تراصت الطوابير خلف الكباري، قبل الهجوم كنا قد حددنا بعض أماكن الألغام الإسرائيلية بعد أن حصلنا على بعضها من خلال إرسال أفراد بشكل سرى إلى المناطق المحتلة لمعرفة كيفية إبطال مفعولها، ومع ذلك استشهد عدد كبير من الجنود والضباط بسبب تلك الألغام التي كانت تضعها إسرائيل حول مواقعها الحصينة.

وأشار إلى أن خطة الخداع تضمنت أيضا، إقامة هياكل كباري حتى يشك فيها العدو فكان يضربها ونحن نعبر على الكباري الحقيقية بعيداً عنه، موضحا أن خطة الإعداد الحرب بدءأت بعد النكسة مباشرة، حيث نجهز نفسنا لعبور القنال، وتدربنا على إقامة الكباري وعبورها في النيل والرياح البحري، إضافة إلى أحد فروع القناة بمنطقة الملاحة، حيث كانت تسيطر عليها مصر بعد 67، في البداية تدربنا بمفردنا حتى انضمت إلينا الأسلحة المشتركة للتدريب على كيفية عبور الدبابات والمدرعات من فوق الكوبري العائم.

وأوضح اللواء قنديل أن كثرة التدريبات ساعدت على عدم غرق أي دبابة أو مدرعة في مياه قناة السويس أثناء العبور فى حرب أكتوبر، قائلاً: "انتظرنا 6 سنوات تحت الأرض فى الملاجئ دون تكييف أو مروحة أو كهرباء أو تليفون محمول، كان التليفون المنفلة هو وسيلة الاتصال الوحيدة بنا.

ويتابع: قبل الحرب بأيام كانت كل الشواهد تشير إلى اقتراب موعد الحرب لكننا لم نعرف ساعة الصفر إلا صباح يوم 6 أكتوبر، وتأكد ذلك بعبور طائرات الضربة الجوية، مؤكداً أن الاحتلال عباً ثقيلاً على نفوسنا.

واستطرد قنديل: بعد الهزيمة بدأت القيادة تفكر وترتب لحرب طويلة تنتهى حتمًا باقتحام قناة السويس، وبالفعل تم تكليف سلاح المهندسين العسكريين بضرورة إنشاء وحدات للكبارى العائمة، والتدريب عليها بشكل مكثف، استعدادًا لمعركة العبور التى استمر التجهيز والإعداد لها 6 سنوات متواصلة، شنت خلالها القوات المسلحة حرب استنزاف طويلة للعدو وموارده منذ عام 1967 وحتى عام 1970، وتكبد العدو خلالها خسائر فادحة فى معداته وأفراده.

ويواصل اللواء قنديل حديثه: "طوال سنوات الحرب الدائرة مع العدو الصهيونى ونحن نعيش فى خنادق تحت الأرض، يتم تمييزها من الخارج ببراميل فارغة، لا يعرف ترتيبها سوى الضباط والصف والجنود العاملين فى تلك الوحدات، حتى يتمكنوا من الوصول إليها، وفى عام 1972، ولكن كان لدينا اصرار وعزيمة واستعداد للحرب لاسترداد الأرض المحتلة.

ويروي اللواء مختار قنديل، قائلا: يوم 25 سبتمبر 1973، كانت قيادة الجيش تعد لمشروع تدريبى كبير تشترك فيه جميع وحدات الجيش وعناصر للتدريب على مهام العبور، وعلمت حينها أن بعض وحدات الكبارى قد تحركت من التل الكبير للمنطقة المركزية بعد أن أنهت تدريبها بالجيش، واستمر العمل على قدم وساق حتى يوم 5 أكتوبر 1973، حيث انتقلنا فى صباح ذلك اليوم من مجموعة الملاجئ المخصصة للفرع الهندسى بمركز قيادة الجيش الرئيسى إلى مركز إدارة هذه القيادة، حيث يوجد رئيس أركان الجيش وضباط العمليات، وتم تخصيص حجرة للوجود فيها بصفة مستمرة لإطلاع القيادة على الموقف الهندسى أولًا بأول.

وواصل اللواء "قنديل" روايته عن حرب أكتوبر: فى صباح يوم 6 أكتوبر تم إعلامنا بأن التمهيد النيرانى للعملية الهجومية سوف يبدأ الساعة 2 ظهرًا، وعلى الرغم من أن التكليفات الرسمية قد صدرت من القيادة العامة للقوات المسلحة، فإن البعض لم يكن يصدق أن ساعة الصفر قد حانت فعلًا، وأيام التدريب الطويلة سوف تنتهى إلى بيان عملى حقيقى على عبور قناة السويس، وقد كان الجميع فى حالة من الفرح الشديد والترقب والخوف فى ذات الوقت، وكانت جميع وحدات المهندسين المكلفة بمهام فتح الممرات فى الساتر الترابى، وكذلك وحدات العبور فى أماكنها طبقًا للبرنامج الزمنى للفتح والتمركز فى أوضاع الهجوم، وأخذ التمام من جميع الوحدات الهندسية بالجيش.

وتحدث عن قائد الجيش الثانى الميدانى، قائلا: إنه أمر بقيام الضباط المهندسين، ومعهم بعض الأفراد ومهندسو الرى، بإغلاق مدخلى ترعة السويس، وترعة بورسعيد المتفرعتين من ترعة الإسماعيلية خوفًا من ضرب العدو لهاتين الترعتين وإغراق مدقات التحرك للقناة، بينما قطع ترعة بورسعيد سيغرق القوات فى القنطرة وإعاقتها أيضًا عن العبور، وسيمنع مياه الشرب عن بورسعيد.

وفى تمام الساعة الثانية وخمس دقائق بدأت تصلنا أصوات المدفعية رغم أننا خلف القناة بنحو 45 كيلومترًا، وبدأت الطائرات تعبر فوق رؤوسنا صوب سيناء تشد من أزرنا، ودارت المعركة، وفى تمام الساعة الثانية والنصف تم عبور الموجة الأولى لجميع قوات المشاة للجيش الثانى، وفى الساعة الثالثة إلا الربع تم رفع علم مصر على طول الجبهة من السويس حتى القنطرة، ثم بدأت تصلنا أنباء تهاوى قلاع العدو الحصينة، وفرار من فيها واستسلامهم، وانسحبت نقطة التمساح فرارًا من قواتنا الزاحفة نحو الشرق، وكذلك العديد من النقاط فى القنطرة شرق، وتم عبور 4 كتائب مشاة من الفرقة 16، وكان قادة هذه الكتائب قد عبروا الموجة الأولى وكانوا أول من وطئ أرض سيناء وفى تمام الساعة الرابعة و20 دقيقة بدأ العمل فى حوالى 50 ممرًا فى الساتر الترابى فى الجيش الثانى باستخدام طلمبات المياه النفاثة بعدما أصبح معظم الشاطئ الشرقى تحت قبضتنا.

ويستكمل "قنديل": وفى يوم 7 أكتوبر توقعت القيادة ضربة جوية من العدو الإسرائيلى للرد على عملية العبور العظيمة التى قادها الجيش المصرى، وبالفعل تم هجوم جوى مكثف على معابر الفرقة 16، لكن العدو لم يتمكن من تنفيذ ضربة جوية شاملة على الجبهة، وتم التركيز على المعابر فقط التى كانت كثيرًا ما تتعرض للإصابة، ثم نعيد إصلاحها مرة أخرى تحت نيران العدو المكثفة، وظل الأمر على تلك الحالة حتى وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر 1973، وتنفيذ القرار بشكل فعلى بعد وصول القوات الدولية على مشارف السويس يوم 28 أكتوبر.