25 - 06 - 2024

كيف غطى الإعلام وفاة الأميرة ديانا في عصر ما قبل الشبكات الاجتماعية

كيف غطى الإعلام وفاة الأميرة ديانا في عصر ما قبل الشبكات الاجتماعية

خلال السنوات القليلة الماضية، غيرت ثورة المعلومات والاتصالات شكل الإعلام فى العالم كله، وبشكل خاص بعد ظهور الشبكات الاجتماعية وما هو معروف باسم "صحافة المواطن"، جريدة الاندبندت الإنجليزية، وعبر كاتبها "بن كيللى" رصدت كيف غطى الإعلام حادث مصرع الأميرة ديانا عام 1997 وقبل عصر الشبكات الاجتماعية، ويطرح هذا التقرير الكثير من الأسئلة حول ما تغير فى قلب العملية الإعلامية منذ ذلك الوقت وما الذى ثبت دون تغيير، وهى أسئلة كاشفة ومهمة للعملية الإعلامية بشكل عام.

يذكر معظم الإنجليز أين كانوا فى صباح 31 أغسطس 1997، والمكالمات المفاجئة التى تبادلها الكثيرون فى الصباح المبكر لذلك الأحد الساخن، فبينما كان الضوء يشق طريقه إلى العالم فى صباح يوم جديد، كانت أشهر سيدة فى العالم -فى ذلك الوقت- قد رحلت.

إذا حدث ذلك اليوم، سوف نتلقى اخطارا عاجلا بالخبر عبر جهاز الموبايل الذكى فى غبشة الفجر، نستيقظ لنجد عشرات الرسائل غير المقروءة على جروبات واتس آب، وفورا سنبدأ تصفح تغريدات تويتر لنتأكد أنه لم يفتنا تفصيلة من تطورات القصة.

ولكن للعودة إلى الوقت الذى توفيت فيه الأميرة ديانا، فنحن نعود إلى زمن أكثر بساطة، عاشته الغالبية العظمى منا بالفعل، لم يكن طوفان الميديا الرقمية قد انفجر بعد ليقتحم حياتنا، ويدفننا تحت عباءة ثقيلة من التواصل الدائم، بحيث يسيطر الخوف على الإنسان دائما من أن يفوته خبر ما، ورغبة لا يمكن تفسيرها بوضوح فى الرد بشكل فورى على رأى كتبه شخص غريب تماما، وقع ذلك الحادث فى الزمن الذى كان يتعذر فيه التواصل مع معظم الأشخاص إلا عبر التليفون الأرضى.

فى 31 أغسطس 1997، كان يتبقى أمامآ  شبكة BBC ثلاثة أشهر قبل إطلاق خدمتها الإخبارية على مدار الساعة News 24، بينما كانت BBC World هى قناة البث الحي الوحيدة التى تمتلكها الشبكة.

كان مركز تليفزيون BBC الواقع فى غرب لندن خاليا تقريبا فى الواحدة إلا خمس دقائق صباحا، حيث تواجدت "ماكسين ماونى" كمذيعة لفترة العمل الليلية الهادئة بالقناة، ومعها مخرج ومنتج وحيد، فى الساعة 12:58 صباحا، وبينما كانت ماونى تستعد لتقديم عناوين الأخبار لمعت أجهزة "التيكر" بالمكتب: "إصابة الأميرة ديانا فى حادث تصادم فى باريس"، تتذكر المذيعة تلك اللحظة بدقة.

"استدرت حولى باتجاه المنتج وقلت له: هذه قصة مثيرة. هل نشير إليها؟، ورد قائلا: أجل، إذا كان لديك ما يكفى من المعلومات لإذاعته، ودارت موسيقى الأخبار، وقمت بقراءة العناوين، ثم قلت: قبل أن نغادر، تلقينا تقريرا من باريس يفيد أن الأميرة ديانا أصيبت فى حادث تصادم سيارة.. هذا كل ما لدينا، وعبر الميكروفون المثبت بأذنى بدأ المنتج يطالبنى بالاستمرار فى التغطية".

مع عدم وجود أجهزة موبايل، أو إمكانية للوصول إلى الإنترنت، وسطر واحد لتفاصيل الخبر، وجدت ماونى نفسها تملأ الوقت باستخدام مصدر غير تقليدي للمعلومات، "كنت أذهب لمصفف الشعر وأقرأ الكثير من المجلات، لذا فقد كنت أعرف كل ما تفعله الأميرة ديانا، وأين كانت، وعطلة الصيف مع دودى الفايد، ولذا واصلت الحديث، ولم أتوقف".

أما "نيك جوينج" مذيع BBC فذهب إلى السرير فى الساعة 12:30، ليتم إيقاظه بعدها بنحو 40 دقيقة واستدعائه لقيادة فترة التغطية، وقام المذيع بتغطية الساعات عبر الاتصال بماكسين والمراسلين الآخرين ليتحدثوا بالتليفون عن التطورات.

ويشرح "جوينج" الموقف، بأنه حتى فى العام 1997 كان شبح الأخبار الكاذبة يسيطر على وسائل الإعلام: "سمعت فى خلفية غرفة الأخبار حديثا عن إمرأة اتصلت بنا وأكدت رؤيتها للأميرة ديانا وهى تنهض من موقع الحادث وتغادر بعيدا. وكالعادة مع هذه المواقف، عليك أن تفكر، هل نحصل على الحقائق هنا؟ تغطية هذا الحدث بطريقة صحيحة كانت مبنية على المعلومات التى نقوم بجمعها والتحقق منها بأسرع وسيلة ممكنة، ولكن الأمر كان شديد الصعوبة".

أوقفت قناة BBC1 عرض فيم السهرة المتأخر "بورسالينو" فى الثانية إلا ربع صباحا، لتقدم للمشاهدين تقريرا مختصرا عن الحادث، وفى مصادفة مقلقة، توقف بث الفيلم عند لقطة تعرض مشهد جنازة فى فرنسا. ورغم ذلك لم يكن هناك معلومات كافية لتغيير جدول البث المعتاد، واستأنفت القناة عرض الفيلم. 

بالصدفة البحتة، كان نفق ألما فى باريس قريب من المقر الرئيسى لمحطة TF1، ولكن تحريك فريق فى منتصف الليل للوصول إلى الموقع وتركيب معدات البث لم يكن مهمة يمكن تنفيذها سريعا. وعندما ظهرت أخيرا لقطات لحادث التصادم بعد حوالى 3 ساعات، أدركت ماونى أن التقارير التى تتحدث عن إصابة ديانا "بارتجاج، وكسر فى الذراع وجرح فى الفخذ" كانت غالبا لا تصف الواقع.

"عندما ظهرت الصور الأولى، نظرت إليها وقلت: يا إلهى، كيف يمكن لأحد أن يعيش بعد حادث مثل هذا؟" كنا نعلم وقتها أن دودى الفايد قد مات، ولكن عندما رأينا صورة الحادث علمنا أنه حادث مروع".

وبينما مرت الساعات، كانت القنوات من أنحاء العالم تطلب السماح بإعادة بث ما تنقله BBC، وقُدر إجمالى عدد المشاهدين بنحو نصف بليون شخص، مما وضع ضغطا هائلا على فريق العمل المحدود فى لندن، ويظهر فيلم "الملكة" الذى تم تصويره عام 2002 أفرادا نافذين من العائلة المالكة البريطانية يجلسون فى قلعة بالمورال باسكتلندا وهم يتابعون الأخبار من تغطية "جوينج" و"ماونى".

وبينما كان غالبية فريق BBC الذى تم تجميعه لا يمتلك –فى ذلك الوقت- خبرة استمرار البث الحى لساعات طويلة، كانت شبكة Sky News تقوم بهذا العمل منذ 1989. وتم إيقاظ "كاى بيرلى" أحد أهم مذيعاتهم فى الثالثة فجرا. 

"تلقيت مكاملة تقول إن دودى قد مات، وأن ديانا بخير، ولكنهم يعتقدون أنها مصابة فى الساق"، وباستخدام الأخبار العاجلة القادمة من الوكالات الفرنسية بشكل أساسى، حاول فريق "سكاى" تجميع القطع بعضها البعض لرسم صورة عما يحدث. 

"إحدى الوكالات أعلنت أن طائرة وزير الخارجية روبن كوك كانت متوقفة على الأرض فى مطار مانيلا، وأن هناك "بروتوكول" متبع ألا يكون أحد أفراد الحكومة فى الجو عندما يتم الإعلان عن وفاة عضو من الأسرة الملكية، وكانت هذه المعلومة أول إشارة ننتبه إليها، ولكن قيل لنا ألا نذكر هذه المعلومة بسبب خطورة ما يمكن أن تعنيه".

مراسل BBC نيكولاس ويتشل، الذى كان يسافر مع روبن كوك، اتصل بلندن ليكشف أن ديانا فارقت الحياة بحلول الساعة الرابعة فجرا، ولكن دون تأكيد رسمى من قصر باكينجهام لم يكن ممكنا بث الخبر، وتذكر ماونى اللحظة التى اُعلن فيها الخبر التاريخى.

"كانت هذه إحدى اللحظات التى لا يمكن نسيانها على الإطلاق، كنت مستمرة فى التغطية الحية عندما سمعت الكلمات فى أذنى، لقد ماتت، وأحسست بالقشعريرة فى ذراعى، وحل الصمت تماما فى غرفة الأخبار. عند هذه النقطة كنا نحتاج لتغيير نبرة التغطية، كنا نحتاج للتهدئة تماما، وهكذا فإن توقعات الجمهور انخفضت قليلا، ولكن دون أن نقول بوضوح إنها ماتت".

ولفترة اقتربت من الساعة، استمر جوينج فى الحديث التليفونى مع ستيفن جيسل، أحد المراسلين، من شقته فى باريس، كان كلاهما يعلمان أن ديانا قد ماتت، وكانا يحاولان تهيئة المشاهدين لسماع الأسوأ وهما فى انتظار الضوء الأخضر لإذاعة الخبر، أصدقاء جوينج الذين كانوا يتابعون التغطية من جزر الكاريبى أخبروه لاحقا إنهم علموا أنها ماتت من تعبيرات المذيع رغم عدم صراحته.

واخيرا، بعد موافقة مسؤول كبير بالقناة، وفى الرابعة و41 دقيقة فجرا، استشهد جوينج بإعلان نقابة الصحفيين وفاة ديانا، وفى الخامسة وعشرين دقيقة صدر التأكيد الرسمى من قصر باكينجهام.

وبحلول الوقت الذى يستيقظ فيه معظم البريطانيين، كان مارتين لويس يقدم برنامجا خاصا على BBC1، ومن خلال هذا البرنامج علمت الغالبية العظمى الخبر المأساوى للمرة الأولى، واستمرت التغطية المتلاحقة، وأكدت ردود الفعل الهائلة من المشاهدين كم كان حجم القصة ضخما.

وبعد عشرين عاما من هذه الأحداث، من الغريب أن نتخيل كيف كان الخبر سينتشر لو ماتت ديانا فى الوقت الحالى، فى العالم المهووس بالشبكات الاجتماعية، بوجود سنابشات والبث الحى لفيس بوك من موقع الحدث، دون الإشارة إلى التغريدات المحتومة من البيت الأبيض.

وفاة الأميرة ديانا كانت قصة أتت عشية الثورة الرقمية التى قدر لها تحويل الإعلام والعالم كما كنا نعرفه. فى ذلك الوقت، كان أقل من 10% من البريطانيين يستخدمون الإنترنت فى المنازل، مقارنة بنحو 90% فى عام 2017. عندها، كان الإعلام التقليدى هو الملك، بينما اليوم فإن أى معلومة متاحة يمكن الوصول إليها فى نفس اللحظة. ولكن فى عام 1997، ما عرفناه بعد ذلك باسم صحافة المواطن كان ما يزال فى بداية الطريق، وهو أمر يقول "نيك جوينج" أنه شاكر له كثيرا. 

"كان هناك الكثير من الناس يتسكعون بالقرب من الحادث"، تحدث عن نفق ألما فى تلك الليلة، "إذا كان بمقدورك تخيل ما كان سيحدث إذا بدأ الناس فى تشغيل أجهزة آيفون وتصوير فيديو للأحداث، كانت الأفلام سيتم تحميلها على الإنترنت خلال دقائق، وكان الأمر سيكون مخيفا، وقد اُنقذنا من هذا الموقف. وأتصور أن عدم وجود الشبكات الاجتماعية فى تلك الليلة كان يعنى عدم حاجتنا لاتخاذ قرارات تحريرية صعبة".

ومن الإشارات الهامة عن العصر التناظرى analogue فى تلك الليلة، أنه لم تُعرض إعلاميا أى صورة من صور "البارباريتزى" المشاهير التى تم التقاطها فى هذه اللحظة المدمرة، ومن غير المتصور على الإطلاق إمكانية منع انتشار محتوى من هذا النوع فى هذه الأيام، مع الأخذ فى الاعتبار سهولة التقاط هذه الصور للحظات الأميرة الأخيرة الآن مقارنة بالصعوبات التى وجدها مصورى "البارباريتزى" وقتها.

وتؤكد كاى بيرلى، إن "التطورات الكبيرة فى عصر الشبكات الاجتماعية يعنى بلا شك أن خبر موت الأميرة كان سيتاح للعامة فى وقت أبكر بكثير مما حدث وقتها"، وحتى قبل انطلاق الشبكات الاجتماعية، فهى تقول إن تطور الاتصالات والعصر الرقمى فعل "تأثير ضخم" فى الطريقة التى استطاعت بها "سكاى" تغطية أحداث سبتمبر 2011 فى الولايات المتحدة بعد أربعة أعوام فقط من وفاة ديانا، عندما بدأ البث الحى للأحداث حول العالم خلال دقائق.

ولكنها لا تعتقد أن الموارد المتاحة اليوم كانت ستغير كثيرا من طريقة التغطية لحادث وفاة الأميرة ديانا، "لا توجد أى وسيلة أخرى يمكن أن تتجاوز التغطية الشاملة التى قمنا بها فى ذلك الوقت، والصدمة التى عانت منها الأمة لم يكن بالإمكان تعميقها أكثر من ذلك".

ماثيو شو هو كبير محررين فى BBC، والذى كان منتجا مبتدئا فى 1997، حضر للمساعدة فى ذلك الصباح، مرسلا الفرق إلى باريس، ألثورب، ساندرينجهام وأى مكان آخر مرتبط بالأميرة ديانا. وهو يعتقد أن الشبكات الاجتماعية لم تكن لتغير طريقة التغطية بشكل كبير.

"إذا وقع هذا الحادث اليوم، أعتقد أننا سنحتاج إلى المزيد من المراسلين، وذلك لأن لدينا المزيد من الخدمات التى نحتاج لتغطيتها بالمحتوى –أخبار المملكة المتحدة، الأخبار العالمية، تحديثات الموقع، صفحة فيس بوك- ولكن أنا أعتقد أن التغطية فى حد ذاتها ستكون مماثلة تقريبا لما قدمناه وقتها".

عندما تحدث مأساة اليوم ونستطيع مقارنتها بما حدث لديانا – سواء كان هذا الأمر وفاة شخصية شهيرة، أو هجوما إرهابيا مروعا- يعتاد الناس حاليا الذهاب إلى الشبكات الاجتماعية للتفاعل وإبداء الرأى. يتم توظيف "الهاشتاج" وتغيير صورة البروفايل كتعبير عن الاحترام، قبل أن يغمر طوفان الحزن الشبكة بحيث يشعر الناس أنهم يحتاجون للانضمام إلى الحالة العامة.

قبل عصر السوشيال ميديا، كان هذا هو السلوك الطبيعى الذى يحدث فى الحياة الحقيقية، بذهاب الأمواج البشرية إلى أماكن المنازل والقصور الملكية، وترك الأزهار، وكتابة التعازى، واحتضان الغرباء، والتعبير عن مشاعرهم أمام كاميرات التليفزيون بطريقة لم يشاهدها أحد من قبل. ويعتقد ماثيو أن التغطية التليفزيونية القديمة كانت "المحفز" لهذا الأمر. 

اليوم، تغير الإعلام بشكل لا رجعة فيه، نحن نعرف الأخبار لحظة حدوثها، ونراها فى صيغتها الخام دون تعديل وفى بث حى، سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ. ومع ذلك، ومع كل الموارد الرقمية والتكنولوجية المتاحة عند أطراف أصابعنا، فإن الأفكار التى نشاركها عبر وسائل التواصل الإجتماعى تصير "شخصية"، وأكثر انفتاحا –وعندما تدعو المناسبة لذلك- تصبح أكثر عاطفية، التعبير عن الحزن علانية هو شىء تعودنا على القيام به، ويمكن تتبع هذه الممارسة مباشرة إلى اللحظة التى علم بها الناس بوفاة الأميرة ديانا.
_______________

بقلم: إيهاب الزلاقي -حصري للنيوزليترآ آ آ آ آ آ آ 






اعلان