19 - 07 - 2024

مصانع الطوب .. عالم آخر في بطن الجبل (تحقيق مصور)

مصانع الطوب .. عالم آخر في بطن الجبل (تحقيق مصور)

طفل عمره 10 سنوات يعمل 17 ساعة مقابل 40 جنيها، وحملة مؤهلات عليا يوميتهم 50 جنيه

أصحاب المصانع: الحكومة صادرت "الرمل" وتجبرنا على شراء الغاز بالدولار 

مازال ملف المصانع المتعثرة مستمراً حتى الآن، بينها مصانع كبيرة وأخرى صغيرة، وبالرغم من وعود الرئيس الكثيرة التى تؤكد على حلها فى القريب العاجل، الا ان واقع مايحدث على الأرض مختلف تماماً, لذلك قررت المشهد دخول المصانع المتعثرة لمساعدة اصحابها ، وتسليط الضوء على مشاكلها.

حينما دخلنا فى صميم الموضوع أكتشفنا مشاكل أخرى يجب مناقشتها والعمل على حلها لأن بدون ذلك لن نستطيع ايجاد حلول جذرية لتلك المصانع، أغلبها تخص العمال الذى لا يلتفت أحد إلى مشاكلهم نهائياً وهذا ما تكشفه السطور القادمة، أصحاب المصانع أيضا يواجهون المشاكل التى تتسبب فى توقف إنتاجهم.

قبل الحديث عن المشاكل، سأروي تفاصيل الرحلة الشاقة التى استغرقت من بداية اليوم حتى نهايته، قمت بركوب خمس مواصلات للوصول الى "عرب أبو سعدة"داخل منطقة "التبين " وحينما وصلت الى تلك المنطقة وسألت عن المصانع الموجودة بها قام العديد من أهالى تلك المنطقة بالرد علي قائلين يجب ان يكون معك سيارة حتى تدخلي الى الجبل لأن هذه المصانع متواجدة داخل الجبال ولن تستطيعى الدخول بمفردك .

بالفعل قمت بتأجير سيارة حتى تقوم بإيصالي الى الجبل، وبدأت رحلتي الأولى مع عبد الرحمن سائق سيارة النصف نقل، الذى سألني: لماذا اتيت لهذه المنطقة ؟ أجبت: أنا صحفية وأتيت لعمل تحقيق عن المشاكل التى تواجه العمال وأصحاب المصانع المتعثرة لتسليط الضوء عليها.

ضحك السائق قائلاً: "على كده مش هتروحى النهارده.. لأن مشاكل العمال لن تستطيعي حصرها فى يوم واحد فقط، يجب ان تقيمي معهم أياماً وليالى حتى تسمعي منهم كل شيء، لأنك لو دخلت المكان لن تستطيعي الخروج منه إلا بمعجزة، وهؤلاء العمال يتمنون ان يروا شخصا واحدا يسمعهم ويعمل على حل مشاكلهم.

حين سألته كيف ترى وضع العمال بالداخل؟ أجاب قائلاً: الوضع سيء للغاية ولا أحد يستطيع ان يحل مشاكلهم نهائياً.. وكان يقصد أن الحكومة لن تلتفت ولو بنظرة شفقه لهؤلاء العمال.

آ منذ عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك وحتى الأن، لم يتحرك أى مسئول لزيارة هؤلاء العمال وربما لا يعلم المسئولون شيئاً عن تلك المنطقة، واذا علم فإنه لن يكلف خاطره ولو لمرة واحدة فقط أن يذهب اليهم، مع العلم ان بدون هؤلاء العمال لن يستطيع أحد بناء عمارة أوفيللا ينعم بالعيش فيها هو وأولاده.

سائق سيارة النصف نقل أكد أن رزقه مرتبط بالعمال، خاصة انه يقوم بتحميلهم فى السيارة من الخلف، ثم يذهب بهم لبطن الجبل لإيصالهم لمكان المصنع الذي يعملون به .

هذا السائق من الإسماعيلية وأب لثلاثة أطفال وجاء ليعمل في هذه المنطقة ليستطيع إطعام زوجته وأطفاله، رغم أن صافي ما يوفره –حسب روايته – لا يتجاوز 500 جنيه فى الشهر، لكنه مضطر للرضا بهذا الدخل المتواضع، لأن البلد ليس بها شغل على حسب قوله

سرنا وقتاً طويلاً بين الجبال والأتربة وعربات النقل والنصف نقل التى تنقل عمالا وتأتى بغيرهم وجميعهم يحدقون في، وكأنهم يريدون سؤالي: من أنت؟؟ ولماذا أتيت إلى هنا؟

بعد مرور أكثر من نصف ساعة وصلت إلى بطن الجبل أو المنطقة التى بها مصانع "الطوب" وانتهت رحلتي مع السائق وأبتدأت رحلة أخرى مع عمال مصنع "السلام" فهذا المصنع يقوم بتصنيع الطوب الأحمر أو "الذهب الأحمر"على حد قول العمال.

وقع نظرى مباشرةً في مدخل المصنع على صف طويل به شباب صغار ورجال كبار فى السن، يقومون برص الطوب الأحمر فوق بعضه على "جرار" يقوم بإيصال كميات كبيرة من الطوب الى عربات النقل.

حاولت التحدث مع هؤلاء الأشخاص، قالوا لى بإمكانك ان تتحدثي مع الشيخ عبدالرحمن محمد وبالفعل ذهبت اليه وشرحت له لماذا اتيت الى هذا المكان.

بدأ الرجل حديثه قائلاً: "مشاكلنا كثيرة جداً تتلخص فى انخفاض اليومية التي لا تزيد عن 50 جنيها، وتختلف من شخص لآخر، وعدم التأمين علينا، جميعنا مغتربون، ولأننا في حاجة إلى الجنيه الواحد، لا أحد يستطيع الوقوف امام صاحب المصنع، فلو حدث سيأتى بغيرنا على الفور وإذا مرض أو مات أى شخص من هؤلاء العمال لا يعطى له صاحب المصنع أى تعويض ويقول هذا قضاء وقدر ويأتى في اليوم التالي ببديل".

وأكد عبدالرحمن أنه يعمل فى تلك المهنة منذ خمس سنوات، لكن اثناء حديثي معه شعرت انه متعلم، فسألته حضرتك متعلم؟؟ قال نعم انا خريج أصول دين ولست وحدي خريج الجامعة فى هذا المكان، فهناك كثير من العمال الموجودين أمامك من خريجي الكليات، ومع ذلك يعملون هنا لأنهم لم يجدوا مهنة أخرى أو وظيفة يعملون بها.

آ وبعد إنتهاء حديث الشيخ عبدالرحمن تركت المكان ودخلت الى منطقة أخرى داخل المصنع، ورأيت كارثة بكل المقاييس.

"آدم" الطفل السوهاجى البالغ من العمر 10 سنوات، والذى يعمل في المصنع منذ عامين.. بالنسبة لي يمثل هذا الطفل بطلا حقيقيا لأنه ترك طفولته واللعب مع الصغار، وبدأ العمل مع الكبار فهو يعمل يومياً من الساعه الثالثة صباحاً حتى الساعه الثامنة ليلاً!!

هذا الطفل يحمل على كتفيه صفين من الطوب الأحمر يقوم برصهما عكس عكاس لإيصالها إلى لعربات ثم يعود ليحمل غيرها، حتى انتهاء ميعاد عمله، كل ذلك مقابل 40 جنيها فى نهاية اليوم الذي تصل عدد ساعات العمل فيه الى 17 ساعة؟

كل مايتمناه "آدم" ان يري والدته التى لا يراها إلا كل عام مرة، يقضي معها أسبوعين، ثم يعود من جديد إلى هذا المكان المعزول ليري الموت بعينه كل يوم مثل غيره من العمال.

يحلم آدم بمدرسة يذهب إليها، مثل غيره من أبناء قريته، لكن الظروف فرضت عليه أن يكون رجلا يعمل ليرسل نقودا لوالدته تعيش بها، لأن والده مريض لم يستطع استكمال عمله داخل هذا المكان، فاستعان بطفله الوحيد البالغ من العمر 10 سنوات ليحل مكانه ويحمل على كتفيه الطوب بدلاً منه.

انتهى حديثي مع "آدم" أو الملاك كما يلقبه البعض، وبدأت العودة الى موضوعي الرئيسي وهو"المصانع المتعثرة".

مشاكل صاحب المصنع

صاحب مصنع "السلام" الحاج أمين عبد الحليم أكد لى أن مشكلته الرئيسية مع الحكومة، بسبب المادة الخام التى يستخدمها والتى تنقسم الى شقين الأول "الطفلة" والثانيةآ  "الرمل".

وقال عبدالحليم حالياً يضع الجيش يده علي الرمل، هذه تعتبر المشكلة الأولى، وذلك لأن الجيش وضع يده على جميع المحاجر وبعدما كنا ندفع 50 جنيها على النقلة، أصبحنا ندفع 250 جنيها.

والمشكله الثانية مع المحافظة بسبب المواد الخام، فنحن نقوم بدفع رسوم لها وللجيش ونقوم بدفع ميزان مرتين، بمعنى ان كل محافظة نقوم بالمرور عليها ندفع لها رسوما حيث يصل سعر الميزان للجرار الواحد يومياً حوالى 300 جنيه.

وأضاف أن هناك مشكلة أكبر من كل ذلك تواجه أصحاب المصانع، وهي الوقود المستخدم فى الحريق، فهناك نوعان يتم استخدامهما، هما" المازوت ,والغاز" وحالياً لا يوجد المازوت لذلك نقوم بإستخدام الغاز، والحكومة تجبرنا على شرائه بالدولار، بالرغم من أنه فى إرتفاع مستمر، لذلك نمر بمرحلة "كساد" ولن نستطيع رفع الأسعار أو تغطية تكلفة المادة الخام.

وأكد على أن أقل مصنع يقوم بدفع أكثر من 200 ألف جنيه كل 15 يوما للغاز، لذلك فإن الأغلبية العظمى من أصحاب المصانع "متعثرون" بسبب الديون المتراكمة عليهم من قبل شركات الغاز، فهناك أشخاص عليهم أكثر من مليون جنيه ديون للغاز فقط.
 ---------------

تحقيق: بسمة رمضان