16 - 08 - 2024

"ورطة" جمال خاشقجي .. كيف وفرت السعودية للغرب فرصة نادرة لتغيير خرائط النفوذ

عبدالمنعم مصطفى: أزمة كاشفة قد يجري استثمارها ضمن مدخلات إعادة الأدوار

كامل عبدالفتاح: الصفقة ستتم وتأخير إعلان تفاصيلها للمساومات وتجهيز رد يقنع الرأي العام العالمي

صلاح لبيب: لن تكشف تركيا الحقيقة إلا بعد الضوء الأخضر من أمريكا

منذ الثاني من أكتوبر الجاري تحولت مدينة اسطنبول التركية إلى محور لأحداث متلاحقة٬ يرجح فيها الجزم أكثر من الادعاء٬ ولم يعد جمال خاشقجي مجرد اسم لصحفي وإعلامي سعودي٬ إنما قضية رأي عام عالمي٬ تلتقط وكالات الأنباء أو محطات التليفزيون خبرا من هنا وصورة من هناك، بحسب ما يتم تسريبه من المخابرات التركية٬ وظل العالم على مدار الساعة لما يقارب الأسبوعين، في حالة لهاث متواصل خلف هذه التسريبات٬ بين مفسر ومحلل٬ وما هو منطقي وما هو خارج عن العقل والتصور البشري٬ لخيالات أفلام الرعب٬ والآن بدأت الأنفاس تهدأ٬ ووتيرة الأحداث تتباطأ٬ ونبرة الغضب والاستياء تتراجع٬ ليحل التفاوض والتراضي بين أطراف عدة٬ ويتم التجهيز لتوافقات والبحث عن "أكباش فداء" تعلن للرأي العام أن القضية أغلقت٬ وأن الإنسانية لا تزال تستعيد وحشيتها وجاهليتها الأولى٬ ليظل "صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض" بعد أن قتل قابيل أخيه يرتد صداه اليوم٬ ولن يكون مصير خاشقجي واضحا إلا بعد تأمين مصالح الجميع وهو وحده من دفع ثمن هذه المصالح.

حسابات الساسة

يقول عبد المنعم مصطفى، وهو صحفي وكاتب متابع للشأن السعودي عن كثب، وكان على صلة وثيقة بجمال خاشقجي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما: اختفى جمال، ومعه سر اختفائه، وترك للشكوك والظنون والهواجس مساحات هائلة تمرح فيها غايات السياسة وحسابات السياسيين، لكن أحداً لا يستطيع تأسيس قصة مدققة راسخة القدمين، بشأن دوافع الاختفاء، او الإخفاء، أو حتى القتل.

يضيف: عرفت خاشقجي عن قرب، منذ عام 1985، ورأيته لآخر مرة قبل أربعة أعوام، لم يكن معارضاً لحكم آل سعود، ولا مختلفاً معه لا في المنهج، ولا في منطلقاته، بل ربما كان أحد من استفادوا من قربهم من الأسرة، إذ عمل بقرب الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، ثم مستشارا له، بعدما أصبح الأخير سفيرا لبلاده في واشنطن، كما عمل بقرب الأمير الوليد بن طلال، الذي عينه رئيساً لشبكة تليفزيون العرب تحت التأسيس، وطالت فترة التأسيس لما يزيد على ثلاث سنوات كان خاشقجي يتقاضى خلالها راتباً كبيراً، لم يتوقف رغم عدم افتتاح القناة، التي تقرر بناء على رغبة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أن يكون مقرها بالمنامة دعماً لمملكة البحرين، لكن القناة اغلقت بعد نصف ساعة فقط من البث بسبب تهور واندفاع رئيسها الذي استهل البث بحوار مع أحد القيادات الشيعية البحرينية المناوئة للحكم. 

واستطرد عبد المنعم مصطفى قائلاً إن اختفاء جمال على النحو الذي جرى، قد يكون بداية لسلسلة من التفاعلات والتداعيات المدروسة، هدفها ابتزاز المملكة العربية السعودية، التي تتعرض بالفعل لعمليات ابتزاز منهجية، استغل بعضها دخول المملكة لأول مرة في طور انتقال الحكم بها إلى جيل أحفاد الملك عبد العزيز، وحال الهشاشة التي تكون عليها الدول في أطوار الانتقال، تماماً مثل الحالة المصرية بعد الإطاحة بحكم مبارك وطوال طور انتقال ممتد عانت فيه البلاد الأمرين٬ وكل ما يقال عن شبهات قتل، وروايات تعذيب داخل القنصلية، يظل عملاً من أعمال الدراما السوداء(تراجيكوميك) مالم تظهر الجثة وما لم يصدر تقرير الطب الشرعي بشأن ظروف وقوع الجريمة إن وجدت. وحادثة اختفاء الصحفي السعودي، توفرت لها كل عوامل الإثارة والتشويق، وعلى عكس الشائع، فان امتداد زمن غياب الأدلة، لم يحمل متابعي الحادث على الملل، بقدر ما وفر عوامل إضافية للإثارة، ظل هدفها في الغالب، تهيئة المسرح لعملية ابتزاز كبرى للسعودية، تحاكي تلك التي تعرضت لها ليبيا تحت وطأة حادثة لوكربي. 

ويختم عبد المنعم مصطفى تعليقه لـ (المشهد) على حادثة خاشقجي بقوله، أياً كانت الحقيقة، ومهما كان الفاعل، فإن الكشف عن خباياها قد يطول تاركاً فاصلاً زمنياً، تتحرك فيه كافة الأطراف المستفيدة من ترويج سيناريوهات الجريمة، والمتضررة من تلك السيناريوهات، كل يسعى الى زيادة ارباحه او تقليص خسائره، لكن هذه الأزمة الكاشفة عند مفصل إقليمي بالغ الحرج والحساسية، قد يجري استثمارها ضمن مدخلات اعادة رسم خرائط الأدوار في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

الضوء الأخضر

ويقول صلاح لبيب الباحث المختص في الشأن التركي: في تقديري ووفق المعلومات المتناقلة عبر وسائل الإعلام الدولية٬ هذه التسريبات التي تقول أقل مما تعرف٬ تحمل اتهامات مباشرة للسعودية٬ ولكن السعودية لم ترد على الاتهامات التركية باتهامات مضادة٬ والعالم أمام روايات رسمية من قبل مسؤولين من الدول العظمى وفقا للمعلومات الاستخباراتية لكل دولة٬ والتي تشكل في مجملها "قطع الليجو" التي على المحققين أن يجمعوا تناثرها لتكتمل الصورة. وأظن أن الجولة الأولى من تفاصيل الأحداث نجح الأتراك في نشر الرواية غير الرسمية٬ وتناولتها حكومات أجنبية أخرى٬ هذه الرواية أظن أنها الرواية الرسمية المخابراتية٬ ولكن للسياسة أدوات أخرى٬ فالموقف الرسمي للحكومة التركية يلتزم التشكيك دون توجيه اتهام قاطع تخوفا من إجراءات سعودية عنيفة في ظل الموقف الشائك٬ وتركيا لن تتخذ أي موقف رسمي إلا بعد الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.

متشابهات

وأضاف لبيب: من المعروف أن اسطنبول وأنقرة من المناطق التي تشهد نشاطا استخباراتيا واسعا٬ وأبريل الماضي تم اغتيال ناشط إيراني٬ وهي أيضا بيئة نشطة لاغتيال الصحفيين٬ وتاريخيا تتم هذه العمليات بغطاء استخباراتي٬ ومنذ العام 2016 نرصد كباحثين خطف عشرات المعارضين حول العالم خاصة في افريقيا وجلبهم إلى داخل تركيا إما لتعذيبهم أو محاكمتهم أو تقديمهم لدولهم٬ وكلها صفقات تتم بشكل مخابراتي على أعلى المستويات٬ وبعض الدول تلجأ إلى المخابرات التركية للإمساك بمعارضيها وتسليمهم.

ويعتقد أن الدولتين تركيا والسعودية حليفتان لأمريكا٬ ولن يكون هناك أي موقف من احداهما تجاه الأخرى إلا بإذن أمريكي٬ ولكن التسريبات إنما هي للضغط على السعودية٬ ولكن من المتوقع أن الأمور لن تذهب بعيدا بين تركيا والسعودية ، أو تصل لحد القطيعة.

الآلة الإعلامية

ويفسرالإعلامي كامل عبدالفتاح البعد الإعلامي كونه المحرك الرئيس لقضية اختفاء وربما اغتيال جمال خاشقجي بقوله: القضية لها أبعاد كثيرة٬ أولها الجانب الحقوقي والإنساني٬ والمفترض أن تكون استنادا لقيمة إنسانية ضد الاختفاء القسري أو الاغتيال٬ فجزء من الإعلام العربي بدوافع سياسية تضع "جمال" في تصنيف سياسي٬ ولها بعد دولي ممكن أن يكون قائما على ابتزاز للسعودية٬ وجمال أحد المستجدات في التهديد والابتزاز٬ وهناك جانب يتعلق بأن المصالح قبل القيم٬ وبعض الدول الأوربية انطلاقا من الدفاع عن حماية الصحفيين ورفض الاغتيالات والاختفاء القسري.

والصحافة المصرية لم يكن لها اهتمام موضوعي بما يستحقه الأمر ربما لأسباب داخلية٬ وحقوق الرأي والصحفيين محفوفة بالمخاطر عالميا٬ ومن هنا كانت المتابعة ضعيفة وغير موضوعية٬ ولكن هذا لا يقلل من بشاعة الجريمة -إن تأكد حدوثها بحسب التسريبات-.

لماذا جمال؟

ويؤكدعبدالفتاح - بحسب معرفته المقربة من الإعلامي السعودي- السر في هذا الاختفاء وما يحويه من تسريبات مشينة للإنسانية٬ وهذا الاهتمام العالمي باختفائه أو ربما تصفيته٬ بقوله: جمال صديق عزيز٬ عرفته لسنوات طويلة صحفي مثقف ذو تجربة جيدة في التحقيقات والحوارات الميدانية في أفغانستان والسودان وغيرهما من المناطق التي كانت ملتهبة في نهاية التسعينات٬ وما يمكن أن يوصف به أنه "صحفي مستقل" ليس صحفي دولة بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح٬ وعندما تغيرت الأوضاع في السعودية في 2017 قرر الانتقال للإقامة في الولايات المتحدة٬ وتحول من صحفي سعودي له مواقف انتقادية لحكومة بلاده إلى صحفي دولي يكتب في الواشنطن بوست والجارديان البريطانية٬ ويظهر كمحلل سياسي في عدد من القنوات التلفزيونية٬ وربما لوجوده وسط هذه الأضواء والكيانات الإعلامية المختلفة استشعرت جهة ما الخطر من وجوده وكلامه٬ ولكن كل من عرف جمال يعرف تماما أنه محب لوطنه٬ مخلص للنظام٬ ولكنه مستقل ولديه مساحة للاختلاف٬ هو شخص مخلص لأفكاره واقتناعاته.

رد مقنع

وعلق كامل على التسريبات المتقطعة والتي يترك فيها الجانب التركي حل اللغز وفقا لما يتم تسريبه من أجهزة المخابرات٬ مما يؤكد أن تركيا لديها الحقيقة كاملة٬ ولكن المصالح هي المحرك للموقف٬ وأعتقد أن هناك صفقة ما للانتهاء من القضية دون الإضرار بالمصالح السعودية أو التركية٬ فالقضية تداخلت فيها خيوط كثيرة٬ والراجح أن الاختفاء تحول إلى القتل٬ وربما عدم الإعلان لمزيد من المساومات٬ ولتجهيز رد يقنع الرأي العام العالمي٬ فالصفقة ستتم بغض النظر عن الحقوق والمبادئ الإنسانية. 

 

مشاهدات

- الوفد السعودي الذي وصل تركيا  12 أكتوبر كان برئاسة الأمير خالد الفيصل مستشار الملك سلمان وأمير منطقة مكة المكرمة – آخر الحكماء المقربين حاليا من الملك- ولم يكن بينهم أي من رجال ولي العهد؟!

- لم يوسم جمال مطلقا بالعميل أو يتهم بالخيانة ولكن دائما ما يوصف بالمنتقد وليس المعارض

- على قناة سعودي 24 فسر أحد المشتغلين بالقناة أن سبب التصفية قرب خاشقجي من بعض أفراد العائلة المالكة المعادين لولي العهد.

- أحد المحللين يقول بأن جمال خاشقجي كان المرشح الأقوى لأن يكون أول رئيس للسعودية بعد إنهاء الحكم الملكي!!.

- يعتقد أن السفر المفاجئ للأمير خالد بن سلمان سفير المملكة في واشنطن يرجع إلى تجهيزه لولاية العهد عوضا عن أخيه محمد. 

- شمعة صغيرة وسط خلفية سوداء على حساب جمال خاشقجي في تويتر

- منذ الثاني من أكتوبر جعلت "طليقته" الدكتورة آلاء نصيف دائرة سوداء بديلا لصورتها على الواتس آب

- انهارت ابنته نهى ودخلت في غيبوبة بأحد مستشفيات دبي

- التزم الابن الأكبر صلاح الدين خاشقجي بتفويض حكومة المملكة لإجراء التحريات والتحقيقات لمعرفة ما حدث لوالده 

- تسوية قضية مقتل جمال خاشقجي تسير باتجاه البحث عن "كبش فداء" ووضع القضية بعدها طي النسيان بحسب المحللين السياسيين.

من هو جمال خاشقجي

- جمال بن أحمد بن حمزة خاشقجي

- واحد من أشهر الإعلاميين العرب٬ عمل مديرا عاما ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية التي تم وقفها٬ كآخر منصب رسمي له في السعودية٬ ولد في المدينة المنورة 1958 ودرس في جامعة ولاية إنديانا الأمريكية. في بداية مسيرته الصحافية عمل في صحيفة سعودي جازيت٬ ثم مراسلا لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية في الفترة الممتدة من 1987 إلى 1999 اشتهر كمراسل ميداني غطى أحداث عدة أبرزها الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي٬ والتحول الديمقراطي قصير الأجل في الجزائر وحرب الكويت. كما عرف كمتابع للحركة الإسلامية٬ نشرت له تحقيقات عدة من السودان وتركيا واليمن ومصر والأردن.

- في 1999 عين نائبا لرئيس تحرير صحيفة عرب نيوز٬ في 2003 تولى رئاسة تحرير صحيفة الوطن اليومية٬ والصحيفة الإصلاحية الرائدة في المملكة العربية السعودية٬ غير انه لم يعمر فيها طويلا.

- عين بعدها مستشارا إعلاميا للسفير السعودي في لندن ثم واشنطن الأمير تركي الفيصل واستمر في منصبه لغاية 2007 ليعود بعدها لرئاسة تحرير جريدة الوطن السعودي٬ ليتركها مرة أخرى مايو 2010.

- بعد أسابيع قليلة اختاره الأمير الوليد بن طلال ليقود تأسيس وإدارة قناة العرب الإخبارية الجديدة والتي انطلقت في 1 فبراير 2015 ثم توقفت مرة أخرى لظروف سياسية. كان يكتب مقالة اسبوعية كل سبت في صحيفة الحياة. 

- له 3 مؤلفات: السعودية بعد 11 سبتمبر عنوانه "علاقات حرجة" صدر عن دار رياض نجيب الريس و "ربيع العرب٬ زمن الاخوان" عن مدارك٬ صدر في فبراير 2013٬ "احتلال السوق السعودي" صدر عن دار مدارك ايضا 2014. 

- تزوج مرتين الأولى من السيدة راوية التونسي أم أولاده صلاح الدين وعبدالله ونهى٬ والثانية من الدكتورة ألاء نصيف وله منها ثلاث أبناء أيضا: محمد ونور وفاطمة. وتم طلاق الزوجتين.وكان على وشك إتمام الزواج من خديجة جنكيز الشاهدة على اختفائه في تركيا.
 ------------------

تحقيق – آمال رتيب

لمشاهدة الصور .. اقرأ على الموقع الرسمي