19 - 07 - 2024

صفقة متوقعة قد تخفي الفاعل الحقيقي وإعادة فك وتركيب لقضية اختفاء خاشقجي

صفقة متوقعة قد تخفي الفاعل الحقيقي وإعادة فك وتركيب لقضية اختفاء خاشقجي

مصادر: واشنطن ضغطت بشدة على الرياض لقبول تشكيل لجنة التحقيق المشتركة، وبعدها تسارعت الأحداث

تراجع تركيا المفاجئ عن كشف كثير من الحقائق ثم حماسها مرة أخرى في قضية خاشقجي، هل أدى لتجاوب السعودية أم أثار شكوكا وريبة من حدوث صفقة أو تواطؤ بين السعودية وتركيا لإبقاء عملية الاختفاء طي المجهول.

فمنذ اختفاء خاشقجي كان الاتجاه العام يسير نحو إعلان وشيك للنائب العام التركي، يقدم فيه التفاصيل النهائية لما حدث، بعد أن حفلت وسائل الإعلام على مدار أكثر من أسبوع بكم كبير من التسريبات، عن مصادر متعددة، ما بين أمنية ودبلوماسية وإعلامية، ليس من بينها أي مصدر رسمي. 

ومع نهاية الأسبوع الماضي تغير هذا الاتجاه، بعد أن حصل تطور هام لم يكن في الحسبان من خلال إعلان السلطات التركية عن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، تركية سعودية، لتولي القضية. 

قبل ذلك كانت السلطات السعودية رفضت السماح للشرطة التركية تفتيش منزل القنصل السعودي محمد العتيبي، بعد أن أبدت موافقة على تفتيش القنصلية وبيت القنصل الذي أشارت تسريبات إلى أنه استقبل جثة خاشقجي موضوعة في أكياس كبيرة، بعد أن تم تقطيعه!!. وتحدثت العديد من الروايات عن احتمال إخراج الجثة بسيارة "فان" من بيت القنصل، وكان يجري البحث عنها، ولكن تراجع الحديث لاحقاً عنها في الإعلام، مما يضع هذه النقطة في حساب الألغاز التي يبحث التحقيق عن حلها، ويجعل مصير الجثة – في حال مقتله فعلا- غامضاً حتى اليوم.
 لكن أمس تم تفتيش مقر القنصلية تفتيشا دقيقا، ويرجح أن يشمل التفتيش اليوم منزل القنصل.

وانتقلت القضية رسمياً من مسار التصادم التركي السعودي إلى التعاون، بعد أن وصل وفد سعودي رفيع المستوى إلى أنقرة برئاسة أمير منطقة مكّة، خالد الفيصل، الذي يحتفظ بعلاقات جيّدة مع المسؤولين الأتراك على أعلى المستويات، وكانت تربطه علاقة خاصة مع خاشقجي الذي عمل معه في تأسيس صحيفة "الوطن" في أبها عام 2004، وترأّس تحريرها مرتين، وتم إعفاؤه في المرة الثانية عام 2010 بعد نشر مقال ينتقد السلفية. 

وقال مصدر إعلامي في اسطنبول إنّ الأمير خالد الفيصل التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الخميس الماضي، ونجم عن ذلك الاتفاق على تشكيل لجنة التحقيق المشتركة، وأنّ الفيصل مكلّف من الملك سلمان بهذه المهمة.

وبدأ الوفد مفاوضات مع وزارتي الخارجية والعدل وكذلك النيابة العامة، من أجل تشكيل لجنة التحقيق المشتركة. 

وحسب أوساط إعلامية تركية، فإنّ هناك اتفاقاً مبدئياً على مباشرة عمل اللجنة بأسرع وقت ممكن، وسوف يشمل ذلك مسحاً كاملاً للقنصلية، وبيت القنصل الذي يبعد عنها قرابة 300 متر في منطقة بشتكاش.

ويبدأ العمل وسط حالة من الترقب واستمرار التسريبات بجرعة عالية، حيث نشرت بعض الصحف والوكالات معلومات عن ساعة الـ"آبل" التي كانت بحوزة خاشقجي، ودورها في تسجيل ونقل التفاصيل إلى جهاز هاتف تركه في الخارج مع خطيبته خديجة جنكيز.

ويقول بعض المراقبين أنّ وصول الوفد السعودي بدأ يغيّر استراتيجية أنقرة للكشف عن تفاصيل قضية خاشقجي، بعد أن اعتقد البعض أنه لم يبق شيء إلا وتمّ الكشف عنه، وصارت هناك رواية متكاملة العناصر لا تحتاج سوى إلى الإعلان الرسمي عنها.

ويجري الحديث عن احتمال التوصّل إلى صفقة سعودية تركية تلعب فيها الولايات المتحدة دوراً رئيسياً. 

وأكدت مصادر أنّ "واشنطن هي التي ضغطت على الرياض لقبول تشكيل لجنة التحقيق المشتركة، وستكون قريبة من عملها على صعيد المشاركة في المسح الميداني". 

وهذا يؤكّد الحديث عن مشاركة وفد من "مكتب التحقيقات الأميركية الفيدرالي" (إف بي آي) المتخصّص بجرائم من هذا النوع، رغم النفي التركي الذي نقلته وكالة "الأناضول"، لوجود أيّ مشاركة أمريكية في التحقيقات.

وتفيد أوساط مطلعة بأنّ القضية سوف تسير في شقين: الشقّ الجنائي، والشقّ السياسي. 

وتقول المصادر إنّ القضية سوف تأخذ مجراها في الشقّ الجنائي حتى النهاية، وسيتم الكشف عن تفاصيل قضية الاغتيال كافة. وهذا أمر يكتسي ضرورة قصوى بالنسبة للرأي العام المحلي والخارجي الذي يريد أن يعرف ماذا حصل لخاشقجي، وهذا هو المنتظر من لجنة التحقيق المشتركة.

أمّا في الشقّ السياسي، فتبدو القضية أكثر تعقيداً، ويتداخل فيها أكثر من ملف، ولكنها تحتمل هي الأخرى أكثر من قراءة.

 فإذا كان الغرض هو اختطاف خاشقجي فقط من تركيا إلى السعودية، وأنه مات تحت التخدير، فإنّ المسؤولية هنا تقلّ عن حجم المسؤولية في حال كان القرار أساساً بالقتل، وصادر عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مثلما سبق أن تداولت وسائل إعلام ومنها رواية صحيفة "نيويورك تايمز". 

وفي الحالة الأولى يمكن للادعاء العام أن يكتفي بتوجيه الاتهام إلى المنفّذين المباشرين، ويترك للمستوى السياسي تحديد بقية التبعات.

 ولكن في جميع الأحوال، سوف تطلب أنقرة تسليم المتهمين المباشرين كي يحاكموا حسب القانون التركي على أراضيها.

وفي حال ثبت أنّ أوامر القتل صدرت عن بن سلمان، ففي هذه الحالة سوف يترتب على الادعاء توجيه المسؤولية المباشرة إليه، ومن المرجح أيضاً أنّ هذا الأمر متروك للمستوى السياسي التركي الذي يتوقّف عليه تقدير مدى خطورة الأمر، وما يترتّب عليه من آثار ونتائج، خصوصاً أنّ الأيام الماضية حفلت بشحن إعلامي وسياسي واسع ضدّ ولي العهد السعودي، على اعتبار أنه يقف وراء الجريمة في المحصلة النهائية.

وتقول مصادر إنّ تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لا يعني أنّ المسألة توقّفت هنا، أو أنها سارت في طريق الحلّ السريع. 

وترى المصادر أنّ هذه الخطوة ليست سوى البداية، ويترتّب على مدى تفاهم الطرفين، حسن سير وتقدّم عملها. ويضيف المصدر أنّ أنقرة حذرة جداً من المماطلة السعودية التي يبدو أنها انتهت عبر تدخل أمريكي مباشر، ولذا ستواصل تحقيقها الخاص بالقضية إلى جانب التحقيق المشترك، وستكون جاهزة لإعلان نتائج تحقيقها الخاص متى وجدت أن الضرورة تقتضي ذلك.
 --------------

تقرير-
 محمد الغرباوي