19 - 07 - 2024

كيف تحول خاشقجي من ناصحٍ أمين في غرفة نوم السلطة إلى معارض خطير؟!

كيف تحول خاشقجي من ناصحٍ أمين في غرفة نوم السلطة إلى معارض خطير؟!

سمير عليش:  طبيعة الأنظمة المماثلة للسعودية لا تقبل معارضة شخص كان "ينام معها في غرفة النوم"

هيثم الحريري: آراء خاشقجي لم تتغير .. الحكام تغيروا والغباء حول الأمر  إلى سكين بارد على رقابهم

عبدالله الأشعل: حصانة القنصلية لها حدود، وتركيا لن تسعى لتدويل القضية نظراً للمصالح المتبادلة مع السعودية


قرابة الأسبوعين على اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشفجي حظيت فيها قضيته باهتمام إعلامي غير مسبوق، من رؤساء دول كبرى ومسؤولين ومنظمات دولية، كما تضامنت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الشهيرة التي كان أحد كتابها مع القضية وخصصت كل أعدادها من بعد الحادثة لتتمحور حول قضية خاشقجي، وعلى مدار سنوات، تبدلت فيها الرؤى بين جمال خاشقجي وبين النظام الحاكم في المملكة، اتفقت أحيانًا واختلفت أحيانًا، ولكن جمال لم يكن ابداً معارضا شرساً، ولم يكن يحب أن يوصف بوصف المعارض بل الناصح الأمين.

عُرف عن خاشقجي رئيس تحرير جريدة "الوطن" السعودية السابق -أحد أكبر الصحف السعودية وأكثرها انتشارًا- قربه للنظام وتحديدًا في فترة حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز،فتاريخه الطويل في العمل الصحفي يشهد له على ذلك، عمله في صحيفة "عكاظ" و " الحياة" ذائعتا السيط وهما أكثر الصحف القريبة والمملوكة من دوائر الملك أعطاه ثقة العائلة المالكة وأمراء نافذين من آل سعود، بالإضافة لعلاقات مع الاستخبارات السعودية بسبب عمله كمستشار إعلامي لرئيسها السابق تركي آل سعود، كل ذلك كان كافيا ليكف يد النظام عن خاشقجي إن غرد خارج السرب قليلاً.

كان خاشقجي على طول الخط مع الرؤى الإصلاحية، أيًا كان الملك، ومكنه ذلك في بعض الأحيان وإن اختلفت رؤيته مع النظام السعودي أن يعبر عن أراءه في مقالاته، ولكن كان من المعروف أيضًا أن نقد خاشقجي كان بسيطًا خفيفًا، لكنه كان مؤثراً

بعد التحولات الأخيره في السعودية وتولي محمد بن سلمان موقع ولي العهد، قام ولي العهد الجديد بحركة اعتقالات في البداية اقتصرت على رجال الأعمال وأمراء الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال ومنهم أصحاب مشروعات تجارية واعلامية كبرى ووضعهم تحت التحفظ في فندق الريتز كارلتون  في قضايا فساد ثم تبع ذلك اعتقالات واسعة في صفوف الدعاة والعلماء والنشطاء السياسيين الليبراليين والمثقفين، وهو ما جعل جمال يشعر بالخوف على نفسه لأنه وجد الكثيرين منهم يشبهونه في مواقفهم، فقرر الهرب الى الولايات المتحدة ومن هناك أصبح صوته الناقد أكثر وضوحًا. 

كثيرون حول الصحفي السعودي أكدوا أنه لم يكن في نيته السفر ومعارضة المملكة من الخارج، كما أعرب لهم في حواراتهم الخاصة عن أسفه من أن الممارسات في المملكة أصبحت غير محتملة إلى الحد الذي دفعه لمغادرة السعودية والعيش في الخارج، كما أنه قال في أول مقابلة له مع إذاعة مونت كارلو الدولية:«أنا مواطن سعودي موالي للدولة، موالي لأولياء الأمر، وخادم الحرمين الملك سلمان، وأرتبط ببيعة، وأحافظ عليها إن شاء الله»، وأخبر زميلته كارين عطية محررة قسم الأراء العالمية في صحيفة Washington Post  عن أنه لم يرغب قط في أن يكون معارضًا من المنفى، أي أنه مازال موالياً للمملكة السعودية ولم يصبح المعارض الفج كسعد الفقيه وغانم الدوسري المقيمان في لندن.

يقول سمير عليش الخبير والمحلل السياسي في تصريحات خاصة لـ"المشهد" أن جمال خاشقجي حالة خاصة عن المعارضين السعوديين في الخارج، وظيفته كصحفي في أبرز الصحف السعودية جعلته قريبًا من دائرة صناع القرار، ومن طبيعة الأنظمة المماثلة أنها لا تقبل من شخص كان "ينام معها في غرفة النوم" أن يصبح معارضًا سواء من الداخل أو من الخارج، وفي حالة خاشقجي فتنطبق عليه أسوأ صفتان للدول المستبدة، المعارض الذي يملك معلومات مهمة وكثيرة قد تضر بالنظام، وكونه بالخارج أي ليس لديهم سلطانا عليه، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن تكون مقالات خاشقجي في الواشنطن بوست جعلت المملكة تخشى منه أكثر من أي معارض آخر وتحاول إسكاته بأي شكل.  

من جهته قال هيثم الحريري السياسي وعضو البرلمان المصري أن الأمر لم يعد في الأساس لخاشقجي وتصريحاته ومقالاته عقب خروجه من السعودية فهو ليس بالمعارض الشرس، أو يمكن القول أنه ليس معارضًا من الأساس، فآراءه لم تختلف كثيرًا عن الفترة أثناء تواجده في المملكة، لكن طبيعة الحكم في السعودية الآن هي التي اختلفت، وأصبح الأمر مرتبطاً بشخصية ولي العهد في السعودية، والنظام الآن لديه حساسية أكثر من سابقيه تجاه المعارضة من الخارج، وأصبح لا يقبل النقد تحت أي ظرف، حتى لو كان نقدا بناء يخرج من صحفي كان يومًا مقربًا للنظام داعمًا له، وربما يكون الهدف من قتل خاشقجي هو رسالة لكل المعارضين في الخارج بأن نهايتهم ستكون مشابهة إذا ما استمروا في معارضة المملكة، خاصة أن السعودية تمر بظروف استثنائية في نقل السلطة من ولي العهد الملك سلمان إلى ابنه ولي العهد محمد بن سلمان، وبالتالي كان من المهم لمحمد بن سلمان أن يثبت نفسه طيلة الفترة الماضية ليمَهد له الطريق ليكون ملكًا للسعودية، لكن فشله في القضية اليمنية والسورية جعلت منه محل انتقاد كبير لدى معارضي المملكة من السعوديين ومن أمريكا نفسها. 

وأوضح عضو مجلس النواب في تصريحات خاصة لـ"المشهد" أن ما فعله محمد بن سلمان مع رجال الأعمال السعوديين من اعتقالهم و وضعهم في إقامة جبرية في فندق "ريتز كارلتون" بحجة الفساد ومطالبتهم بتقديم الأموال حتى يتم الإفراح عنهم، يعد حدثًا غريبًا لا يمكن السكوت عنه كما يعد خرقًا للقانون والدستور، فالدولة عندما تريد ان تقاضي شخصا ما بسبب الفساد تضعه رهن الاعتقال وتعرضه على القضاء، لكن من الممكن أنه –أي محمد بن سلمان- عندما وجد صمتًا عالميًا تجاه ما فعله مع الأمراء ورجال الأعمال، جعله يعتقد أن باستطاعته فعل أي شيء في مواطنيه في أي مكان دون أن يُسأل، حتى أوصله ذلك لورطة جمال خاشقجي. 

وأوضح أن ما حدث يعد نتاجا لتولي الحكم لمن هم ليس لديهم الحد الأدنى من الكفاءة السياسية والاقتصادية، فالغباء جعل من شخص معارض لا يعبر سوى عن رأيه إلى قضية رأي عام دولي، ويتحول إلى سكين بارد على رقاب الحكام في السعودية. 

كما طالب الحريري بتغيير القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بالسفارات والقنصليات التي تمنع الدولة المضيفة للسفارة أن تقتحهما في حالة ثبت ارتكابها لجريمة، ولعل مقتل خاشقجي جعلهم ينظرون للقوانين التي وضعوها وجعلها محل جدل من جديد.  

أما عن حدود سيادة القنصليات والسفارات في الدول الأخرى، فيوضح السفير عبدالله الأشعل المساعد السابق لوزراة الخارجية في تصريحات خاصة لـ"المشهد"، اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963 هي المرجعية الأساسية لمسألة حدود السفارات والقنصليات في الدول المستضيفة، وبموجب الاتفاقية فإن أرض القنصلية حتى لو كانت مملوكة للدولة المرسلة هي مازالت إقليما تابعا للدولة المستضيفة، وحتى لا تجور الدولة المستضيفة على عمل القنصلية نشأت الحصانات الشخصية وحصانة المقر، لكن برغم الحصانة الدبلوماسية لمقر القنصيلة فهي لا تمنع الدولة المستضيفة من اقتحام المقر لو ثبت لديها بالدليل القاطع أن هناك جريمة تدبر في الداخل، وهذا يسمى الجرم المشهود، وفي حالة الجرم المشهود لا حصانة لأحد، وتكون الحجة هي منع وقوع الجريمة على أراضيها، لكن في حالة وقوع الجريمة بالفعل لا يمكن للسلطات اقتحام مبنى مقر السفارة.  

وهذا ما حدث مع مقتل الصحفي السعودي في تركيا، فالسلطات التركية لم تستطع اقتحام مقر القنصلية ، ودخلت تراضيا أمس بإذن مسبق من السلطات السعودية، كما بدأت التحقيق مع الموظفين  فيها، لأن الحالة الوحيدة المسموح بها بدخول السلطات التركية للقنصلية السعودية هو التعاون مع السلطات السعودية وتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في القضية، مشيرًا إلى أن خاشقجي لو كان لاجئًا سياسيًا كان الوضع سيختلف تمامًا، وكان سيحق للسلطات التركية إجراء تحركات أكثر حدة، من محاصرة السفارة ومنع الدخول والخروج لأي شخص.

وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق أن تركيا تستطيع مقاضاة السفارة والسعودية بشكل عام إذا أرادت تدويل القضية ورفع قضية أمام المحكمة الدولية، وهي قطعًا ستنتصر في القضية وتفرض على السعودية غرامات مالية هائلة لأسرة الضحية، لكن تركيا لا تريد فعل ذلك نظرًا للعلاقات الاقتصادية القوية التي تربطها بالسعودية، ولأنه يضر بالمصالح المتبادلة بينهما في عدة قضايا.