19 - 07 - 2024

البديل.. شبح ميدفيديف يتجول في مصر لصعوبة تعديل الدستور!

البديل.. شبح ميدفيديف يتجول في مصر لصعوبة تعديل الدستور!

تكرار تجربة موسكو في القاهرة مرهون باستبعاد أي تعديل دستور
هل تلجأ السلطة لهذا الخيار أم تظل فكرة تعديل الدستور قائمة 

مواد صلاحيات ومدة الرئيس في المقدمة في حال التعديل واختلاف قانوني بين مؤيدين ومعارضين
محمد نور فرحات: لم يمض وقت كافٍ على تطبيق الدستور حتى نلجأ إلى تعديله، والدساتير لا توضع ليتم تغييرها كل يوم 
محمود خليل: أي مساس بالمواد المتعلقة بمد فترة ولاية الرئيس ستحدث إرباكاً للمشهد السياسي في مصر

من وقت إلى آخر تخرج علينا دعوات تطالب بتغيير الدستور، وأخرها ما أعلنه النائب البرلماني مصطفى بكري أن الحكومة ستتقدم خلال شهر يناير المقبل بعدد من التعديلات الدستورية لمناقشتها أمام مجلس النواب، كما ستتضمن إنشاء مجلس الشيوخ بديل عن مجلس الشوري، وجعل انتخاب رئيس البرلمان ووكيله كل عام بدلًا من 5 أعوام، بخلاف "إجراء تعديلات في المادتين 146 و147 الخاصة بتشكيل الحكومة وسلطات رئيس الجمهورية.

وزاد فقال "من المتوقع حال الموافقة على التعديلات إجراء استفتاء عليها في مارس المقبل، وحال الموافقة عليها يتم إجراء انتخابات مجلس الشيوخ قبيل نهاية عام 2019، مؤكداً وجود جهات قانونية تدرس عودة منصب وزير الإعلام ليكون منسقًا بين الهيئات الإعلامية الثلاث".

ولم تتوقف دعوات أعضاء من مجلس النواب بشأن ضرورة تعديل الدستور، في الوقت الذي يستمر فيه الجدل حول جدوى الهدف من التعديلات، وتتسع حالة النقاش بين مؤيد ومعارض، حيث يرى المؤيدون أنها خطوة ضرورية في ظل وجود مواد ملغومة في الدستور، فيما يحذر المعارضون من كون الهدف الرئيسي من ورائها هو تعديل المواد الخاصة بفترة ولاية الرئيس.

ولكن مقابل ذلك، هناك من يذهب إلى طريق آخر للتغيير، بطريقة ديمقراطية ليواصل الرئيس السيسي الحكم، والعودة إلى منصب الرئاسة، وذلك من خلال تكرار تجربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، واللذان تبادلا السلطة بشكل ديمقراطي بعد مرور فترتي رئاسة لبوتين، ثم تولى منصب رئيس الوزراء، بينما نجح ميدفيديف، رئيساً لروسيا، ليعود بوتين مرة أخري.

والحديث عن تغيير الدستور لا يتوقف ومؤخراً قال أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، إن هناك مواد ملغومة في الدستور، داعياً لتعديله، وانضم له عدد من النواب الآخرين، ليزداد الجدل، حول مقترحات لزيادة مدة ولاية الرئيس.

المحلل السياسي الدكتور عمرو الشوبكي، يرى أنه ومن حيث المبدأ لا يوجد نص دستوري مقدس، وبالتالي فإن كل الدساتير قابلة للتعديل، ومن الوارد بعد 4 سنوات من التطبيق أن نجد موادا تحتاج لتعديل، ولكن التعديل الكلي أمر صعب والمبررات مردود عليها.

فيما يرى الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري، أنه لابد من الانطلاق من أن دساتير الدول ليست كتباً سماوية، فهي صناعة بشرية، ورغم أنني كنت من الخبراء العشرة الذين كتبوا الدستور الحالي، فإنني أقول إنه صناعة بشرية قد يشوبها النقصان، ونكتشف بعد فترة من التطبيق أنها غير ملائمة.

وأشار إلى أن كل دساتير العالم وضعت موادا تبين كيفية إدخال تعديلات عليها، فالتعديل أمر دستوري بامتياز، وضارباً المثل بالدستور الفرنسي الذي وضع عام 1958 وتم تعديله 32 مرة حتى الآن، واحدة منها كانت بالمخالفة لإجراءات التعديل في الدستور.

وبين الدكتور فوزي، أنه وحسب المادة 226 من الدستور، فإنه "لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال 30 يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كلياً، أو جزئياً بأغلبية أعضائه".

وتنص المادة على أنه "إذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي، وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد 60 يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثاً عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال 30 يوماً".

في مقابل ذلك يرفض الفقيه الدستوري الدكتور محمد نور فرحات، فكرة تعديل الدستور، مؤكداً أنه ضد المساس بالدستور، فلم يمض وقت كافٍ على تطبيقه حتى نلجأ إلى تعديله، والدساتير لا توضع ليتم تغييرها كل يوم.

ومن جهته يوضح الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، بأن الدستور الحالي تم إقراره بعد استفتاء شعبي، ووافق عليه ما يقرب من 98% من المصريين، وهو أحد المكتسبات الرئيسية بعد ثورتين، لذلك لابد من التعامل معه بحرص، مبيناً أن تعديله خطوة إلى الوراء، ويعود بمصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير، مشيراً إلى أن تعديل الدستور بمثابة رسالة سلبية حول فكرة تداول السلطة في مصر، التي أقرها دستور 2014.

ولفت إلى خطورة الإقدام على دعوة الناس للاستفتاء على تعديل الدستور، خصوصاً مع تراجع الإقبال الشعبي على المشاركة في الانتخابات، لأن أي مشاركة ضعيفة في استفتاء دستوري ستكون علامة سلبية في تاريخ مصر الإنتخابي.

وسبق أن برر أسامة هيكل تعديل الدستور، من خلال قوله بأنه من المستحيل تطبيق مواد المرحلة الانتقالية في الدستور، فمثلاً المادة 241 تنص على المصالحة، وفي ظل الأوضاع الحالية، لا يجرؤ أحد في مجلس النواب أو في أي جهة أخرى إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان.

ويرد عليه الرافضون للتعديل، ومن بينهم عمرو الشوبكي، بأنه الدستور لا يتحدث عن المصالحة مع "الإخوان"، فالمصالحة إجراء سياسي، لكن الدستور يتحدث عن العدالة الانتقالية، بمعنى حل أي مظالم ترتبت على التغيير السياسي الذي حدث بعد 30 يونيو، ومعالجة جروح المجتمع الناجمة عن حالة الانقسام الشعبي في أعقاب الثورة، وهذا يتطلب "عدالة انتقالية".

وأوضح فوزي، أن المواد التي تضع شروطاً محددة بالأرقام فيها مشكلة، فمثلاً المادة 236 التي تتحدث عن التنمية الاقتصادية في الأماكن المحرومة بمشاركة أبناء المناطق النائية مثل النوبة خلال عشر سنوات، وتحديد مدة معينة أمر متعب.

ويتفق مع أخرين أن النص الدستوري الذي يقول "بعودة أهل النوبة خلال 10 سنوات إلى موطنهم الأصلي"، يضع أمام كارثة دولية، إذا لم يتم تعديله.

وهذا الكلام يرد عليه نور فرحات بقوله "إن التخلف أو التخلي عن تنمية النوبة وايجاد أماكن بديلة لهم في موطنهم الأصلي" مسؤولية الدولة، وعليها أن تناقش معالجة عدم تنفيذ تعهداتها، بدلاً من الدعوة إلى تغيير الدستور".

وتبقى مواد صلاحيات الرئيس ومدة الرئاسة من الأمور الأكثر جدلاً في دعوات تعديل الدستور، حيث يطالب المؤيدون مثل أسامة هيكل، وصلاح فوزي بزيادة مدة ولاية الرئيس من 4 سنوات إلى 5 سنوات، لتكون متناسبة مع فترة ولاية مجلس النواب، ولأن فترة الأربع سنوات غير كافية لتحقيق إنجازات وتنفيذ المشروعات.

وهنا يقول الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن الجدل حول تعديل الدستور يركز بالأساس على المواد المتعلقة بمد فترة ولاية الرئيس وفتح مدد الرئاسة، وأي مساس بهذه المواد سيحدث إرباكاً للمشهد السياسي في مصر، ولكن علينا أن ندرك أن هذا الدستور من أهم مكتسبات الثورة وأهم ما فيه إقرار مبدأ تداول السلطة، ولا يوجد عاقل يمكن أن يفرط في هذا المكتسب.

كما يرى دكتور نور فرحات، أن المواد الخاصة بمدد الرئاسة وفترة ولاية الرئيس محصنة ضد التعديل بموجب الدستور، وتعديلها يُعد تحايلاً على الدستور، كما أن الرئيس السيسي نفسه قال في أحد لقاءاته التلفزيونية في الولايات المتحدة "إنه ضد زيادة مدد ولاية الرئيس عن مدتين"، لكن يبدو أن بعض أعضاء النواب يسعون للمزايدة على الرئيس نفسه لإثبات ولائهم، مطالباً بالعدول عن هذه الفكرة.

نموذج بوتين وميدفيديف

المحللون يرون أنه في ظل حالة الجدل حول الدستور، والأفكار الخاصة بتعديله من عدمه، يظل التفكير في تجربة "بوتين وميدفيديف" بشأن تبادل السلطة بين الرئاسة ورئاسة الحكومة، هي الفكرة الأقرب للتكرار في البلاد، ليبقى السيسي رئيساً لأطول فترة ممكنة، دون المساس بالنص الدستور، أو ارتكاب حماقات تخالف القانون.

ولكن سيبقى السؤال المهم والذي يشغل السياسيين هو من سيتم اختياره للقيام بهذه المهمة، والتي تصل إلى درجة الإنتحار، وفقاً لما يقول الدكتور مصطفى سليمان أستاذ القانون في جامعة عين شمس، مشيراً إلى أن مثل هذا الإختيار غالباً ينحصر في شخص يتمتع بعلاقة وثقة عالية لدى القيادة وصناع السياسة، وغالباً ممكن أن يكون من المؤسسة العسكرية.

وسبق أن دار نقاش حول هذا الشأن حول رئيس الأركان الأسبق الفريق محمود حجازي، الذي تربطه صلات عائلية بالرئيس السيسي، إلا أن هذا الحديث اختلف بعد تشكيل الحكومة الجديدة عقب انتخابات الرئاسة الأخيرة، وفي المقابل ما زال الأمر مرتبط بجدل سياسي في العامين المقبلين، إن لم يتم حسم التعديل الدستوري الذي يسعى إليه برلمانيون.
 -----------------

تحقيق - رامي الحضري