17 - 07 - 2024

نعم يستطيعون

نعم يستطيعون

عاصفة بوح

فقط الأنظمة الاستبدادية تستطيع اقتراف تلك الجرائم خارج نطاق العقل والمنطق والشرعية الدولية، تستطيع ان تفعل اى شيء يعن لخيالها المريض كإصدار قوانين تحمى الفاسدين والقتلة خارج إطار القانون أو تتجاهله وترتكب الجرائم مباشرة فى الخفاء أو العلن حسب درجة استهانتها بشعوبها المحكومة بالحديد والنار، ومن ثم استهانتها بدرجة ردود أفعالهم، بعدما تحكمت أيضا بكم الوعى بتعمدها إضعاف التعليم ونشر الجهل، وإطلاق تيارات دينية عليهم، تنشر بينهم فقه الخنوع والاستسلام للحاكم الظالم، أما الأجهزة النيابية، فحدث ولا حرج، يتم تهجينها فى الأجهزة الامنية، بحيث تصير ظهيرا داعما للأجهزة التنفيذية وليس مراقبا او معاقبا لها إذا ما توغلت على الأجهزة الأخرى أو تجاوزت فى حق مواطنيها!

وما جريمة قتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى إلا مثالا حيا لكل ما سبق.. فعندما يصل فرط الإحساس بالقوة وغرور التمكن والغباء السياسى مداه، بحيث بتم تنفيذ تلك الجريمة آ بغشم لا يرتقى إلى مستوى وعى الأطفال، فإنك تدرك على الفور المدى التى وصلت إليه بعض الأنظمة العربية فى الاستهانة بمواطنيها..هم في نظر تلك الأنظمة عبيد إحسان أو ملك اليمين، إذا ما شاءوا ظلموا وقتلوا وعذبوا وإذا ما شاءوا أعطوا ومنحوا، ولن أقول غفروا، فهؤلاء ينتقمون فقط، خاصة ممن يتطلعون إلى حقهم الدستورى فى آ المشاركة فى الحكم أو نشر فكر تداول السلطة وأسس الديموقراطية الحقة، فالحفاظ على كرسي الحكم دونه الموت.. فليكن إذن موت المعارضين.. هكذا ببساطة!! 

هنا أو هناك و ما وراء البحار، لا فرق حقيقي، نحن فى مرحلة الأخ الكبير الذى يعرف كل شيء والقادر على كل شيء، لذا لا تندهش من عدم اندهاش المواطنين العرب من جريمة مقتل خاشقى.. فهم يعيشون يوميا حوادث القتلآ  تعذيبا فى أقسام البوليس أو القتل عشوائيا لزوم تقفيل القضايا، حتى لا تحرج تلك الدول أمام المجتمع الدولى، الذى يطالب ياللهول بالشفافية والحقيقة فى مجتمعات لا يحاسب فيها رجال السلطة على أي من جرائمهم، إلا إذا انقلبت عليهم تلك السلطة وقررت الاستغناء عن خدماتهم!

إذن المعارضة جريمة الجرائم فى تلك المجتمعات الظالمة، ولا فرق لديها إن كنت تريد الإصلاح من خارج النظام أو من داخله، أو لو كنت معارضا شرسا أو معارضا مستأنسا لينا، أو لا تريد تغيرات ثورية ثبت بالتجربة أن العرب غير مؤهلين لها بعدما فشل ربيعهم آ الرومانسي، بخطط نفذت على نار هادئة فتحطمت على صخرة أول مؤامرة خبرت أصول اللعبة فنجحت فيها!

السؤال هنا، ماذا يفعل المرء إذا رآى خطرا يتهدد مستقبل الوطن؟ هل ينضم الى مجموعة مصلحتى وأمنى الشخصى أو الخلاص الفردي، وليذهب الآخرون والوطن معهم إلى الجحيم أم يحاول إنقاذه بشكل علمي من أجلآ  مستقبل، إذا لم نستعد له، تجاوزنا واختفينا من على الخريطة الإنسانية أو استعبدنا وكلاهم سواء فى سوء المصير!!

للأسف حتى هذا الحل أو التوجه محفوف بالمخاطر، التفكير نفسه يصبحآ  فعلا يهدد حياتك، فالمفكرون والعلماء يتم التنكيل بهم حتى يصبحوا عبرة لمن يعتبر، فلا يفكر أحد مرة اخرى ويجرؤ عليه بلا أمر مباشر من الحكام وفى إطار ما يخدم مصلحته وتأييده على كرسيه!

مرحلة ما كنا نتصورها بعد أحلام ثورات الربيع العربى فى التغيير والحرية، فإذا بنا نجد أنفسنا فى أسوأ كوابيسنا وكأننا عدنا آلاف السنين الضوئية إلى الوراء، بحيث نعيد مصير البشرية فى نضالها من أجل حقوق أولية، تصورنا أننا تجاوزناها بعد دفع ثمتها الغالى من حياتنا ومن مستقبل أولادنا!

 اغتيال جمال خاشقجى ليس استثناء فى منظومة فاسدة من الأساس، فسياسة قتل المعارضينآ  سواء فعليا أو معنويا أو إلقائهم دون محاكمة في غياهب السجون إلى مالا نهاية، هى سياسة منهجية ربما زادت للانتقام ممن قاموا بالربيع العربى حتى لا يتكرر هذا آ الأمر مرة أخرى!

الكل يدرك ذلك، ومن لم يتعلم عليه تقبل أن يصير خبرا مؤسفا فى وسائل الإعلام العالمية وليس المحلية المنضبطة على ساعة جلالته، يتداولونه فى سخرية من فرط توحشهم الساذج الذى لم يكلفوا أنفسهم خاطر الاستعانة بصديق متمرس وهم كثر، لتخريج الجريمة المتكررة لحد الملل فى صورة محترفة، ولكنه مرة أخرى غرور السلطة التى لا تحاسب!

هل هناك أمل فى التغيير والخروج من نفق تأليه آ الحكام؟ لا أعرف حقا، فهل عند أحدكم جرأة المعرفة ؟؟
 -----------------

بقلم: وفاء الشيشيني

منشور في العدد الأسبوعي من المشهد (263)

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة