17 - 07 - 2024

الفيلسوف المصرى الفلاح

الفيلسوف المصرى الفلاح

إيقاع مختلف

" لقد وجدت جنتى على الأرض ودخلتها، وهأنذا أخطر بين رياضها، جنتى اسمها الإنسانية، نعم، آ أنا أفكر فى الإنسانية، وأجد متعتى فى خدمة الإنسانية، وهذه هي جنتى اليوم "

كان هذا مضمون الكلمات التى سمعتها من الطبيب المصرى العالمى الجليل مجدى يعقوب، هذا العالم المصرى الذى يوشك يتم عامه الثالث والثمانين بعد عشرة أيام من الآن.

هذا العالم الذى نراه نحن فخراً لمصر والعرب جميعاً، وتمنحه بريطانيا أيضاً وسام "فخر بريطانيا"، وكأننا وهم نتنافس على الزهو به، تمنحه مصر قلادة النيل العظمى، فتمنحه بريطانيا وسام الاستحقاق البريطانى، ويرونه "السير" مجدى يعقوب، وتراه مصر الابن البار، ثم نجتمع نحن وهم على لقب "ملك القلوب"، لا لأنه أشهر جراحيها على الأرض، ولكن لأنه ملك قلوب متابعيه بإنسانيته المدهشة وتواضعه الشامخ.

كانت هى المرة الأولى التى أستمع إليه فيها متحدثاً، لكننى فى الحقيقة لم أجد أى لون من ألوان المفاجأة، فهكذا رأيت الرجل طوال عمرى، نعم هكذا رأيته، ولا أقول تصورته، كنت بطريقة غامضة أدرك أنه يحمل روح فيلسوف حقيقى فلاح ، فيلسوف فلاح، نعم، كنت أدرك هذا بطريقة بالغة الغموض والخفاء معا، لذلك لم أجد أى لون من ألوان الدهشة حين سمعته يقول إنه لو لم يكن جراحاً لتمنى أن يكون فلاحاً؛ فكلاهما ينذر نفسه من أجل فكرة الحياة: الجراحة تساعد الأحياء، والفلاح يتفاعل مع النباتات الحية، وهو دائما يفكر فى الحياة باعتبارها شيئاً جميلاً جداً. 

على أننى لم أجد أية درجة من درجات التناقض، ولم أشعر بأية درجة من درجات التكلف أو الادعاء أو رفع الشعارات حين سمعته يقول ببساطة موجعة: إن الحياة فى ذاتها صعبة مؤلمة، ونحن نزيدها صعوبة وإيلاما، الإنسانية معذبة، والأطفال يعانون، ونحن نضيف إلى عذابات الإنسانية عذابات أعمق، لابد أن يكون تفكيرنا فى كيفية خدمة الإنسانية دون أى لون من ألوان التمييز، فجميعنا ننتمى إلى الإنسانية".

اليوم يقسم د. مجدى يعقوب حياته إلى ثلاثة أقسام: ثلث فى أسوان حيث حلمه الكبير ومشروعه الطبى النبيل، وثلث فى لندن حيث عمله وارتباطاته العلمية، وثلث متنقلاً بين عواصم العالم فى مؤتمرات طبية لا تتوقف من ناحية، وحلم سلسلة الأمل الساعى إلى نشر الخير فى العالم، وهو يقول: لكم يؤلمنى أن يكون هناك من يملكون والذين لا يملكون، لابد أن تكون هناك طريقة لتقديم الخدمات لمن لا يملكون.

أقلب أوراق السيرة الذاتية لمجدى يعقوب فأقرأ: 

"في عام 1983 قام بعملية زرع قلب لرجل إنجليزي يدعى آ آ (John McCafferty)آ ليدخل بسبب تلك الجراحة موسوعة جينيس كأطول شخص يعيش بقلب منقول وذلك لمدة 33 عاما حتى توفى جون في 2016."

وأقرأ أيضا:

"حين أصبح عمره 65 سنة اعتزل إجراء العمليات الجراحية واستمر كاستشاري ومُنظر لعمليات نقل الأعضاء، وفى عام 2006 قطع الدكتور مجدي يعقوب اعتزاله العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعى. حيث لم يزل القلب الطبيعي للطفلة المريضة خلال عملية الزرع السابقة والتي قام بها السير مجدى يعقوب."

هذا هو الفيلسوف المصرى الفلاح مجدى يعقوب الذى يسطع كنموذج إنسانى نبيل.
 -------------------------

بقلم: السيد حسن


منشور في العدد الأسبوعي من المشهد (263)

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة