17 - 07 - 2024

لعنة دماء خاشقجي تقلب مخططات المنطقة وتغييرات جذرية تجاه اليمن وصفقة القرن

لعنة دماء خاشقجي تقلب مخططات المنطقة وتغييرات جذرية تجاه اليمن وصفقة القرن

سمير غطاس: إنهاء الحرب على اليمن أول ملفات التحلل الغربي من الدعم السعودي 

هويدي: سواء تمت إدانة ولي العهد السعودي أو إغلاق الملف.. القضية أضعفته 

صفوت الزيات: "صفقة القرن" انتهت وتأثير سلبي كبير على مشروع الناتو العربي

نبيل البكيري: الوساطة الباكستانية لن تأخذ حظها في هذا التوقيت


يبدو أن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي٬ لن يتم إغلاقها كجريمة تمت بكل وحشية ضد الأعراف الدولية فحسب٬ وإنما يبدو أن دماءه ستكون أداة تغيير قوية في المنطقة٬ وتحولات لتحالفات جديدة؟ 

وكأن الدول العظمى كانت تتحين ذريعة لتلجم بها حرب ولي العهد السعودي في اليمن٬ وفك الحصار عن قطر والذي كانت تعتبره دول أوربية عديدة لا مبرر له٬ وغيرها من الملفات الساخنة في المنطقة، وفي المقابل هل تزعزع القضية مشروعات إسرائيل العظمى٬ كونها تعتبر MBS أو محمد بن سلمان" حليفا استراتيجيا" كما وصفه بنيامين نتنياهو؟

حرب اليمن

يؤكد النائب البرلماني الدكتور سمير غطاس٬ أن هناك حراك وتغيرات في المشهد الإقليمي والدولي بعد قضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي٬ ولكن علينا أن ننتظر حتى انتهاء الانتخابات النصفية الأمريكية وما ستسفر عنه من نتائج٬ لأنها ستؤثر على مسار الأحداث والحراك بمنطقة الشرق الأوسط ككل.

وقال غطاس: هناك ملامح واضحة لا تقبل الشك في تطور الموقف الأمريكي والغربي تجاه حرب اليمن، ومطالبات دولية واضحة بوقف هذه الحرب المأسوية، وما يسمى بقوى التحالف، والبحث عن مخرج مشرف للسعودية وحلفائها، خاصة بعد أن أصبحت عبئا على العالم، في وضع لم يعد يحتمل في دولة هي الأفقر عربيا، وإذا حصل وأحكمت قوى التحالف قبضتها على الحديدة فهذا يعني موت ملايين اليمنيين، وهو أمر غير مقبول دوليا، فحرب اليمن على طاولة البحث الجدي لإيقافها وكف العبث بمقدراتها، وهذا يعني توقف الولايات المتحدة عن الإمدادات العسكرية للسعودية والبحث عن الحل السياسي.

أما محرر الشؤون الدبلوماسية البريطاني باتريك وينتور ، فكتب في تحليل له عن تأثير الضغوط على السعودية عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي على تدخلها في اليمن يقول: إنه بمجرد ربط الأحداث التي تتالت بعد مقتل خاشقجي إلى احتمال وقف إطلاق النار في اليمن يبدو أن الاتهامات التي طالت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أضعفت العقل المدبر لهذه الحرب، بحيث أصبحت هناك فرصة متاحة أمام الدبلوماسيين لإيقاف عجلة المعارك التي تهدد بكارثة إنسانية في اليمن.

ويضيف وينتور أن الفرصة أصبحت أكبر بعد مطالبة وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو بوقف الحرب خلال فترة 30 يوما، مشيرا إلى أن جولة مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، في فرنسا وبريطانيا، وتزامنها مع التطورات الدرامية في قضية خاشقجي، وأثرها في تغيير وجهة نظر الساسة في أوروبا وأمريكا.

وساطة باكستانية

وفاجأ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والذي كان يزور الرياض الأسبوع الماضي، الجميع بإعلانه عزم بلاده على الوساطة بين جماعة الحوثي والمملكة لوقف الحرب في اليمن، في خطوة غير مسبوقة ولافتة في هذاالتوقيت.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي اليمني الدكتور نبيل البكيري: إن "هناك مؤشرات خطيرة دوليا فيما يتعلق بقضية خاشقجي، يثيرها الإعلام الغربي بقوة، وتشير، كما سربت المخابرات الألمانية، إلى أن هذا الرجل لا يصلح أن يكون حاكماً، بسبب تاريخهآ المرضي حيث كشفت وسائل إعلام ألمانية أنه يعاني من الصرع"٬ وخروج تقارير كهذه مقدمة للضغط على الأسرة الحاكمة السعودية والملك سلمان لإعادة النظر في ولاية العهد، مؤكدا أنآ "المسألة ستخضع للمساومة السياسية بين الأطراف الدولية والملك سلمان بخصوص بقاء نجله محمد".

كما لفت إلىآ أن "ملف الحرب في اليمن دخل في تعقيدات، خصوصاً في ظل تراجع الدورالسعودي لحساب الإمارات نتيجة الأزمة الحالية في المملكة، وربما بشكل كبير باتآ  الأمر بيد أبوظبي خصوصاً في المناطق المحررة جنوباً".

وتوقع أنه "إذا ما حصلت تسوية بخصوص قضيةخاشقجي، واستطاعت بموجبها أن تزيح اللوبي الإماراتي المتحكم بالقرار السياسي في المملكةآ فستحل الأزمة في اليمن" ،لكنه في نفس الوقت اعتبر أنآ الوساطة الباكستانية لن تأخذ حظها في هذا التوقيت، لأنها تعتمد على ماآ ستنتهيآ إليه الأزمة في الرياض".

ولفت أيضاً إلى أن الأزمة مع قطر ستتأثر أيضاًآ  بما ستنتهي إليه قضية خاشقجي، مضيفاً أنه "ربماحمل خطاب بن سلمانآ إشارة إيجابيةآ لكن لا يمكن الحكم عليها الآن"، وأكد أنآ  "الموقف القطري بات قوياً في هذه الأزمة".

الوضع السوري

وبالنسبة للوضع السوري والذي وصفه غطاس بالمتفق عليه قائلا: هناك إجماع دولي على بقاء بشار الأسد رئيسا لسوريا في الوقت الحالي٬ والمطالبات بصياغة دستور جديد يقسم سوريا إلى دولة فيدرالية٬ وهو ما يرفضه النظام السوري ويتمسك بوحدة سوريا ودستورها الحالي كدولة واحدة٬ ولكن المشكلة السورية مؤجلة حتى حلول الشتاء٬ خاصة وأن العمليات البرية ستكون صعبة٬ بالإضافة إلى عدم وجود حل واضح للجماعات الإرهابية المتواجدة على الأراضي السورية٬ ورفض كل الدول التي تنتمي لها هذه الجماعات العودة إلى بلادها الأصلية لأنها تشكل خطرا حقيقيا٬ فهل سيتم تصفيتها أم نقلها إلى منطقة أخرى والاستفادة منها في تأجيج الصراع في منطقة مختلفة؟ الأمر غير واضح.

الداخل السعودي

أما الوضع في السعودية فاعتبره الدكتور سمير غطاس أنه مرشح لعدم الاستقرار الداخلي٬ خاصة مع عودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز٬ وما يتم الآن من ترتيب للوضع الداخلي في العائلة المالكة٬ ولكن كما يقول د. غطاس: «لا اعتقد أن محمد بن سلمان سيصبح ملكا» ٬ فالسعودية تشهد ضغطا خارجيا غير مسبوق، وصراعا داخليا محموما.

في حين يوضح باتريك وينتور أن التاريخ حافل بلحظات التحول الجذري في السياسات الدولية، مثلما يحدث الآن خاصة لو تزامن ذلك مع مهارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كشف الحقائق تباعا والاحتفاظ ببعضها للتسريب في أوقات لاحقة.

ويوضح وينتور أن تفاصيل مقتل خاشقجي غير مكتملة حاليا بالنسبة للناس، لكنها واضحة للساسة في أوروبا وأمريكا وهذا الأمر "هو ما يجعل الاسرة المالكة السعودية تترنح".

ويوضح وينتور أن إنقاذ ابن سلمان وهو الهدف الرئيسي يقابل بثلاث مطالب من الغرب الأول هو أن يتشارك السلطة مع أمراء آخرين، مضيفا أن عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى الرياض قد تؤشر على تحول محتمل.

ويقول وينتور إن المطلب الثاني يتمثل في إجبار ابن سلمان على إعادة النظر في مقاطعة قطر الدولة التي تضم احتياطيا هائلا من الغاز وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، ويرى البعض أنها تشكل أفضل مثال للتمدن في الخليج، أما المطلب الثالث فهو محاولة إنهاء الحرب في اليمن والتي طالما أخبر الغرب الرياض بأنها لا تستطيع تحقيق النصر فيها عسكريا.

صفقة القرن

واتفق الدكتور سمير غطاس مع عدد من المحللين الأجانب فيما يتعلق بصفقة القرن٬ التي تعد أحد أحلام «ترامب» لحل الصراع العربي الإسرائيلي، فقد تتعرض حسب مراقبين لـ«ضربة قاضية» بسبب قضية مقتل «خاشقجي» والإشارة بأصابع الاتهام إلى تورط محمد بن سلمان فيها.

وقال: إن مقتل خاشقجي يهدد الخطط الطموحة لـ«ترامب» في الشرق الأوسط، بما فيها خطة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .وقد تضع حدًا لـ«صفقة القرن» التي من المفترض أن يلعب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الدور الرئيسي فيها عبر تقديمه الغطاء الدبلوماسي لطرفي النزاع. وذكر أن ترامب قد يراجع استراتيجيته الإقليمية في ظل التساؤلات الكثيرة فيما إذا كان الأمير السعودي متورطا في مقتل الصحفي.

وأضاف غطاس: أما إسرائيل فمنزعجة مما يحدث للسعودية، لأنها كانت على مرمى حجر من تحقيق حلمها، وبدأت حالة مصالحة علنية مع دول الخليج كلها ولم يتبق سوى السعودية وهي الدولة الخليجية الأهم بالنسبة لإسرائيل، فهي الدولة الأكبر والأغنى خليجيا، والتي من خلالها تحقق مطامعها في الحصول على نصيب من ثرواتها، بالإضافة إلى المكسب الأهم وهو إقامة علاقة مع الدولة التي تزعم أنها أكبر دولة إسلامية. والأثر السلبي الأكبر لأزمة «خاشقجي» وتأثيرها على السعودية وأميرها الشاب يتم الحديث عنه بشكل أساسي داخل إسرائيل، فمحمد بن سلمان كان الأكثر اندفاعًا في الدفاع عن التقارب مع إسرائيل، وهناك بالتالي تخوف كبير من الجانب الإسرائيلي مما قد تؤول إليه السياسة السعودية تجاهها من بعد بن سلمان.

ويصل الدكتور سمير غطاس في تحليله للمشهد إلى الصراع التركي – السعودي٬ ويفسر الضغوط التركية بأنها تريد الوصول إلى أعلى المكاسب٬ بعقد صفقة لعشرين عاما تحصل فيها على البترول السعودي مقابل 25دولارا للبرميل، وهو ما ترفضه السعودية حتى الآن٬ فهناك مزايدة وممانعة يغلق بعدها ملف قضية جمال خاشقجي.

الضعف مصير

ويرى الدكتور فهمي هويدي أن هناك انعكاسات مأسوية على العالم العربي، بمعنى أن التغيرات مثيرة لأن الخليج الآن يتوافق مع تحولات العالم٬ وما كان يدار سرا أصبح في العلن وأمام كاميرات العالم كله.

وأوضح هويدي أن التحقيقات لم تنته بعد٬ لذلك فالتوقعات كلها محض استنتاجات وفرضيات سياسية غير جازمة، وقال: في حال اثبات تركيا تورط محمد بن سلمان في جريمة القتل وأفصحت عن اسمه صراحة، أو لم تسمه، في كل الأحوال سيشكل ذلك اضعافا لولي العهد السعودي٬ وستظل الجريمة والاشتباه في ضلوعه فيها ملاحقا له، وإذا لم يثبت، قد تشكل نقطة تحول على الصعيد الداخلي السعودي، وأيضا على صعيد العلاقات السعودية الخارجية.

وتوقع هويدي أن التحالف الرباعي بين السعودية ومصر والبحرين والإمارات سيتم تفكيكه، مؤكدا أن التغيرات السياسية تأخذ وقتا أطول في تفاعلها لتحدث تأثيرا ملموسا. 

شيطنة

على جانب آخر قال الأمير تركي بن فيصل آل سعود الرئيس السابق للاستخبارات السعودية إن "شيطنة" بلاده في الولايات المتحدة، بسبب قضية جمال خاشقجي، تهدد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.آ 

وقال الأمير تركي في خطاب أمام المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية وهو منظمة دعم غير ربحية "نحن نقدر علاقتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ونأمل في الحفاظ عليها، ونرجو أن ترد الولايات المتحدة بالمثل".

وأشار الأمير تركي، الذي كان خاشقجي مستشارا له يوما، أن العلاقات الأمريكية السعودية تخطت أزمات سابقة على مدى أكثر من 70 عاما، وأضاف "ها هي هذه العلاقة مهددة اليوم من جديد".

وأضاف أن قتل خاشقجي "المأساوي غير المبرر هو موضوع الهجمة على المملكة العربية السعودية وشيطنتها بنفس نمط الأزمات السابقة. شدة الهجمة والجلبة المحيطة بها جائرة بنفس القدر". وتابع "إخضاع علاقتنا لهذه القضية أمر غير صحي على الإطلاق".
وكرر الأمير أن المملكة ملتزمة بتقديم المسؤولين عن قتل خاشقجي للعدالة "هم وكل من لم يلتزم بالقانون“. وقال الأمير تركي إن العلاقات الأميركية السعودية "أكبر من أن تفشل".
وأشار إلى أن هذه العلاقات تتخطى الإنتاج النفطي والتجارة ومبيعات الأسلحة والاستثمار إلى التعاون في جهود السلام بالشرق الأوسط وتحقيق الاستقرار بأسواق النفط ومحاربة الإرهاب وتحجيم إيران.

تغيير التحالفات

ويقول العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن العالم أمام جريمة قتل متعمد اعترف بها القضاء السعودي، وأنه إذا ما تم حدوث تغيير في القيادة السعودية حسب ما تريده تركيا وأمريكا، وخاصة شخص ولى العهد محمد بن سلمان، وهو شخصية محورية في الكثير من الملفات من أهمها عملية الانفتاح على إسرائيل وصفقة القرن وحصار قطر ومواجهة إيران، ومقاومة جماعات التطرف وحركة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية، ربما سيؤدي ذلك إلى إجهاض هذه الملفات، في ظل وجود ضغوط هائلة من الجانب الخطير في أمريكا المتمثل في الكونجرس والإعلام لفرض عقوبات على السعودية.

وأضاف: كما أن تغيير محمد بن سلمان نتيجة لهذه الجريمة، سيكون له تأثير سلبي كبير على التحالف الرباعي بين القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة نتيجة غياب محمد بن سلمان، كما أن مشاريع أمريكا في المنطقة ستتأثر، لأن الولايات المتحدة كانت تعتمد في هذه الملفات على شخصية ولي العهد الأمير، كما أن غياب ولى العهد السعودي عن المشهد سيحجم كثيرا من نفوذ أمريكا في المنطقة، وبالتالي المنطقة العربية أمام امتحان عسير وعملية قتل تاريخية، لاسيما وأن السعودية تواجه أخطر قوى موجودة في واشنطن، وهي الكونجرس والإعلام الأمريكي، وبالتالي الحملة ضد المملكة لن تهدأ في واشنطن

الناتو العربي

وأكد الزيات، أن هذه القضية سيكون لها تأثير سلبي كبير على مشروع الناتو العربي، لاسيما أن فكرة الناتو العربي هي فكرة مشوهة من البداية، الذي جاء بعد قيام أمريكا وأطراف عربية حليفة للقاهرة بإجهاض فكرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنشاء قوة عربية مشتركة، وكذلك فشل فكرة التحالف الإسلامي، وبالتالي الناتو العربي سيلقى مصير القوة العربية المشتركة والتحالف الإسلامي، وهذا المصير تزايد بعد قضية «خاشقجي» وحالة التردي للنفوذ الأمريكي في المنطقة وزيادة الانقسام في الصف العربي والإسلامي.

وأشار الزيات إلى أن الأيام القادمة صعبة على السعودية، وأن المنطقة في حالة غليان وحالة عدم استقرار، وأكبر مؤشر على ذلك أن مديرة المخابرات الأمريكية ذهبت إلى أنقرة، وتعرفت على التسجيلات والأدلة لدى الأجانب التركي، والرئيس الأمريكي منذ أيام صامت تماما بعد أن أخذ موقفا مدافعا عن القيادة السعودية في بداية الأزمة، وبالتالي العالم أمام حدث تاريخي كبير، والشرق الأوسط أمام اختبار صعب لا يستهان به.

وعن صفقة القرن قال: «صفقة القرن متعثرة ولن ترى النور، وهناك رفض فلسطيني عام للصفقة»، مشيرا إلى أن النفوذ السعودي الذي كان يمثله بزوغ نجم ولي العهد السعودي الجديد لتنفيذ الصفقة وتقديم حوافز للجانب الفلسطيني، أصابه قدر من الوهن بسبب مقتل جمال خاشقجي، وبالتالي صفقة القرن ستبقى مجرد حديث، ومآلها في النهاية هو الفشل.

---------------------------------
ملف من إعداد – آمال رتيب