18 - 07 - 2024

التأمين الصحي الجديد.. تهرُّب للدولة من مسؤولياتها ومصيرٌ غامضٌ لمستشفيات الحكومة

التأمين الصحي الجديد.. تهرُّب للدولة من مسؤولياتها ومصيرٌ غامضٌ لمستشفيات الحكومة

هيثم الحريري: القانون الجديد يعفي الحكومة من التزامها بتخصيص 150 مليار جنيه لقطاع الصحة آ لتصل لـحوالي 20 ملياراً فقط وهذا ينافي الدستور

حسن خليل: مصر ستصبح الدولة الأولى والوحيدة عالمياً التى يبلغ اشتراك العامل في التأمين الصحي ضعف اشتراك رب العمل

منى مينا: القانون يفتح الطريق لخصخصة الصحة و تحول المستشفيات الحكومية للإدارة بشكل خاص

من مبارك إلى السيسي، مرورًا بثلة من الوزراء الذين تولوا منصب وزارة الصحة، والمصريون يسمعون عن نظام جديد للتأمين الصحي، وأصبح مع مرور الوقت وكثرة الحديث عنه بمثابة حلم يراود كل المصريين ولو لم يعلموا مآلاته، نظام تأمين بهيكل قانوني جديد وهيئات محددة ومصادر مستدامة للتمويل، الهدف منه أن يغطي كافة الأمراض والطوارئ لكل المصريين. 

كان قد صدر قانون التأمين الصحي الشامل في أواخر عام 2017، وفي الخامس من مايو 2018 صدرت اللائحة التنفيذية للقانون، وأصدر لاحقًا الرئيس السيسي في الخامس من يوليو قرارًا بإطلاق المرحلة الأولى من تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، وبالرغم من إصدار القانون والأمر بتنفيذه إلا أنه إلى الآن لم يدخل النظام الجديد حيز التنفيذ. 

وفقًا لإحدى الدراسات فإن التكلفة المتوقعة للنظام الجديد حوالي 140 مليار جنيه سنويًا، تتحمل الدولة 10% فقط من التكلفة الإجمالية، وهي النسبة التي حددتها الدولة لغير القادرين، التي قدرتهم الدولة بحوالي 20 مليون مواطن، كما حدد القانون غير القادرين بأنهم الذين يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور وهو 1200 جنية، وهذا يعني أن كامل ما تتحمله الدولة من مساهمات مالية لن يتجاوز الـ 14 مليار جنية. 

أما عن المساهمات فهي عبارة عن رسوم يدفعها المريض نظير تلقي الخدمة وهيآ  100 جنية للزيارة المنزلية، و 10% من تكلفة الدواء بحد أقصى ألف جنية وترتفع النسبة إلى 15% في السنة العاشرة لتطبيق القانون، و10% من إجمالي قيمة الأشعات وكافة أنواع التصوير الطبي، و20% بحد أقصى ألف جنية للتحاليل الطبية والمعملية، أما بالنسبة للأقسام الداخلية فتمثل التكلفة 7% بحد أقصى ألف وخمسمائة جنية للمرة الواحدة. 

أثار القانون الجديد جدلا كبيرا بين مؤيد ومعارض، مؤيد يرى أن القانون يمثل نقلة كبيرة في مجال التأمين الصحي وهو بمثابة هدية للشعب المصري حيث سيشمل وفقًا لمخططه كافة المصريين على مدار سنوات تنفيذه،فيما يؤكد المعارضون ان القانون الذي يؤسس للنظام الجديد مخالف للدستور، وأنه يعفي الدولة من التزامها بتوفير تأمين صحي شامل كما أنه ينقل العبء الأكبر على المواطنين وليس الدولة، بالإضافة لطول مدة تنفيذ القانون -15 عاما- وهي مدة طويلة جدًا، وسيشعر المواطنون في المحافظات الذي تخلف تنفيذ النظام فيها بإهمال الدولة لهم، كما أن مصطلح "غير القادرين" الذي نص عليه القانون والذي ستتكفل الدولة بعلاجهم مصطلح مطاطي لم يحدد بالظبط مَن هم غير القادرين؟ 

يرى هيثم الحريري عضو مجلس الشعب، أن القانون الجديد به مخالفة دستورية، حيث ورد في نص المادة 18 من الدستور المصري التي "ألزمت الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين، يُغطي كلّ الأمراض"، بينما يعد قانون التأمين الصحي الجديد تهربا للدولة من مسئوليتها، حيث أنه يعفي الحكومة من التزامها بتخصيص نسبة 3% على الأقل من الناتج القومي الإجمالي المقدر بحوالي 5 تريليون جنية، لقطاع الصحة، أو تحسين أوضاع الأطباء، وهيئات التمريض، والعاملين في الصحة، أي أن النسبة المقدرة للرعاية الصحية حوالي 150 مليار جنية، القانون يجعل الحكومة تخفض من حصة الرعاية الصحية لتصل لـحوالي 20 مليار جنية فقط والمخصصة لغير القادرين، وهذا ينافي الدستور.آ  

وأضاف عضو البرلمان في تصريحات خاصة لـ "المشهد" أن القانون الجديد سيحمّل المواطنين أعباء مباشرة وغير مباشرة، المباشرة هو استقطاع جزء قد يصل إلى 10% من الراتب الشهري كإشتراك في التأمين الصحي الجديد بالإضافة إلى رسوم الخدمات المقدمة له في مبنى التأمين الصحي من كشوفات وتحاليل وغيرها، أما غير المباشرة فسيتحملها جميع المصريين، لأنه من المخطط إنشاء صندوق خاص لتمويل المشروع ومن المفترض أن يكون من ضمن مصادر التمويل رفع أسعار بعض السلع والخدمات، علي سبيل المثال، سيتم فرض رسوم إضافية على السجائر والسيارات والحديد والأسمنت، وغيرها من السلع والخدمات التي يستفيد منها كافة المواطنين وليس فقط المشتركين في التأمين الصحي.آ  

وأشار الحريري إلى أن 15 عاما لتنفيذ قانون التأمين الصحي الجديد ليعمم على مستوى كافة أنحاء الجمهورية، أمر غير مقبول وغير منطقي لأن المدة طويلة جدًا، ومن ضمن المغالطات، أن مَن في القاهرة أو الاسكندرية سترتفع عليه أسعار السلع لتمويل المشروع الجديد دون الإستفادة منه فعليًا، والتي ربما تطول لـ10 سنوات. آ 

وقال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أن قانون التأمين الصحي الجديد يلقي بأعباء كثيرة على كاهل المواطن، حيث تضاعف اشتراك العامل حتى فاق اشتراك رب العمل، فأصبح العاملآ  يدفع 1% اشتراكا لنفسه، و3% لزوجته إذا كانت لا تعمل، و1% لكل طفل ممن يعولهم، بعد أن كان اشتراك العامل لا يزيد على 1% من راتبه الشهري، واشتراك صاحب العمل 3%، بالإضافة إلى 3% اشتراك إصابات العمل، تدفع ضمن التأمينات الإجتماعية لكل طرف، بينما اقتصر اشتراك صاحب العمل على 4% فقط عبارة عن 3% اشتراك و1% فقط إصابات عمل. 

واستنكر حسن خليل النسبة التي يدفعها العامل من راتبه حيث أن العامل الذى يعول أربع أطفال، يدفع 8% من راتبه تحت بند اشتراك تأمين صحى، مشددًا على أن مصر ستصبح بذلك الدولة الأولى والوحيدة عالميا التى يبلغ اشتراك العامل في التأمين الصحي ضعف اشتراك رب العمل، رغم أنه الطرف الأضعف اقتصاديًا في المعادلة.

وأوضح منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أن الأمر لا يقتصر على ما يدفعه العامل في الاشتراك، ولكن يزيد عليه أيضًا من نسب المساهمات؛ أي نسبة من سعر كل خدمة يحصل عليها، وتتوزع على 10% من سعر الأدوية، ومثلها من سعر التحاليل والأشعات، بحد أقصى 750 جنيها لكل منها فى كل شهر وفى كل عيادة وعند كل زيارة، وإذا احتاج المواطن إلى الكشف فى عيادتين فى نفس الشهر، فإنه مُطالب بسداد حد أقصى 2250 جنيها فى كل عيادة، أي نحو 4500 جنيه، وفى العمليات داخل الأقسام الداخلية والحجز بالمستشفى، يدفع 5% من قيمة الفاتورة، بحد أقصى 350 جنيها فى الزيارة الواحدة.

فيما أعربت الدكتورة منى مينا وكيل نقابة الأطباء سابقًا عن قلقها من قانون التأمين الصحي الشامل، حيث يفتح القانون الطريق لخصخصة الصحة و تحول المستشفيات الحكومية للإدارة بشكل خاص، بالإضاف إلى أنه وفقًا للنظام الجديد سيكون تقديم الخدمة من خلال التعاقد سواء مع مستشفيات القطاع الحكومي او الخاص بعد الحصول على شهادة الجودة، وبالتالي يصبح مصير المستشفيات الحكومية وجميع الأطباء والعاملين بها حال عدم اجتيازها معايير الجودة غامض إلى الآن.آ  

و أوضحت مينا أن الفكرة الأساسية من التأمين الصحي هو الأمان الذي يعطيه الاشتراك في التأمين للمواطن مادام ملتزما بدفع الاشتراك بشكل منتظم، وبالتالي يجد تغطية لنفقات علاجه وقت الحاجة إليه، دون ان يضطر لدفع مبالغ باهظة، قد يعجزه عدم توافرها عن تلقي العلاج، لذلك كانت قد اقترحت النقابة سابقا الاكتفاء بمبلغ رمزي عند الكشف في العيادة الخارجية أو صرف الدواء، على أن تكون وظيفة المبلغ الرمزي منع سوء استخدام النظام ولا يعتبر وسيلة أساسية للتمويل، والامتناع تماما عن فرض اي مساهمات على التحاليل والاشعات وتكلفة العلاج بالاقسام الداخلية.

وعن سبب تأخير تنفيذ القانون الجديد على الرغم من إعطاء السيسي الأوامر بالبدء في تنفيذه منذ حوالي 4 أشهر، أشارت عضو مجلس نقابة الأطباء في تصريحات خاصة لـ"المشهد" أن الحكومة تتحدث عن النظام الجديد قبل أن نعد الأساسات لتنفيذه، كإيجاد وحدات لطب الأسرة وأطباء بالعدد الكافي والمستلزمات الطبية والأدوية، وتسجيل المواطنين في قاعدة البيانات الأساسية، وإذا أرادت الوزارة العمل بشكل جدي لتنفيذه أن تؤسس له بشكل جيد من البداية بدلًا من الحديث عنه ومداعبة أحلام المصريين، كما يجب أن يأتي المشروع الجديد إستكمالاً لنجاح المنظومة الصحية، وليس العكس. 

من جانبه قال النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، وهو أحد المؤيدين لقانون التأمين الصحي الجديد، أن البرلمان سيمارس دوره الرقابي في مراحل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ومتابعة إنشاء الهيئات التي نصّ عليها القانون، ومتابعة تطبيق القانون بالمحافظات وتجهيزات المستشفيات.

كما عدّد أبو العلا إيجابيات القانون بقوله إن أي مواطن يحصل على كارت أمان صحي من حقه التوجه لأي مستشفى حاصل على الجودة للعلاج فيه، على أن تكون التغطية شاملة الأسرة وليس الفرد كما في النظام الحالي، وإتاحة ودعم حرية المؤمّن عليه في الاختيار بين أي من مقدمي الخدمة الصحية سواء في القطاع الحكومي أو غير الحكومي المدرَجين، وأصاف أن القانون هدية للشعب المصري.
 -----------------------

تقرير - عبدالرحمن العربي