18 - 07 - 2024

القضاء العرفي لايزال "سيد قراره" في القرن الـ21.. محكمون كلمتهم مسموعة وأحكام ناجزة

القضاء العرفي لايزال

له قوانين خاصة غير قانون الدولة وأبرز عقوباته "حمل الكفن" والتغريب والتغريم 

نائب برلماني: "مُحَكِّمون عُرفيون غير حاصلين على شهادات .. لكن كلمتهم مسموعة" 

رجال قانون: ليس هناك دولة متقدمة تطبقه.. تختلف عن قوانين الدولة

مواطنون: القضاء العُرفي مُنجز.. بينما القضاء الرسمي يستغرق سنوات 

ثبت نجاحه وكان له دور كبير في إنهاء خصومات كبيرة وشهيرة، يذكرها التاريخ نذكر منها على سبيل المثال: عائلتي "أبو عزام وأبو خضر"آ  الخصومة التي راح ضحيتها عشرات الرجال، وكان أبرز ضحايا هذه الخصومة محافظ الجيزة الأسبق عبد الفتاح عزام أحد أحفاد عبد الوهاب باشا عزام مؤسس جامعة الدول العربية،آ  ونذكر- أيضًا- "الهلال والدابودية" في أسوان القضية المعروفة، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ضحية العصبية، لم تنته هذه الخصومات وغيرها إلا بالقضاء العُرفي أو كما يُطلق عليه التحكيم العُرفي.

فما هو القضاء العُرفي: يعرف بأنه قضاء خاص يختلف عن قضاء وقوانين الدولة، فهو يعتمد في أحكامه على العادات والتقاليد والبعد الاجتماعي، وقواعده غير مكتوبة وتتوارثها الأجيال. 

ويلجأ المصريون إليه لسرعته في إصدار الأحكام بعكس القضاء الرسمي الذي قد ينظر في قضية لسنوات طويلة.

وهو وسيلة متعارف عليها للحكم بين الخصوم ، عبر عقود من الزمن، غير أنه خلال السنوات القليلة الماضية تنامى دوره في التعامل مع الصراعات القبلية والطائفية، خاصة في ظل تباطؤ القضاء العادي نتيجة لقلة عدد القضاة والمحاكم أمام أرقام القضايا الضخمة، فهناك حوالي 32 ألف قاضٍ وما يُقارب 7 آلاف محكمة تَفصل بين 30 مليون مواطن مصري في أكثر من 5 مليون قضية مدنية وحوالي 13 مليون و500 ألف دعوى جنائية، في حين تستقبل محاكم الأُسرة مليونًا و500 ألف دعوى سنويًا.

تتناول "المشهد" في هذا التحقيق قوانين التحكيم العُرفي وكيفية الحكم وتطبيقه ومعايير اختيار القاضي العُرفي أو المُحَكِّمآ  العُرفي ورأي النواب ورجال قانون ومواطنين.

تبدأ رحلة القضاء العُرفي من "سايرة الخير" وهم مجموعة من الرجال عادةً ما تكون منآ  المُحيطين بطَرَفيّ النِّزاع، سواءً كانوا جيرانًا أو أقارب أو أطراف خارجية تسعى للصُلح، وأول شيء تقوم به هذه "السايرة" هو أخذ وعد بوقف التعديات لحين الجلوس ومعاقبة المخطئ بالعُرف، و ينتهي دورهم بالاتفاق مع أطراف النزاع على اختيار كُل منهم لمُحَكِّمَيْنِ أو ثلاثة أو يزيد، ثم اختيار المُرجح أو ما يُسمى بـ"صاحب البيت" من بين ثلاثة اختيارات تُطرح عليهم، لأن هيئة التحكيم العُرفي تكون عددًا فرديًا، يبدأ من القاضي الوحيد، ثم ٣ أفراد أو يزيد، وذلك لترجيح الحكم".

• رأي النواب:

ولأنهم ضمن السلطة التشريعية والرقابية للدولة كان لا بُدَّ من معرفة آراء بعضهم، وبالأخص نواب جنوب الجيزة. قال النائب بكر أبوغُريب عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان: أن التحكيم العُرفي سلاح ذو حدين ولا غنى عنه في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن تجد رجلا بلا شهادة أكاديمية، ولكن يتم الاستعانة به في المحافظات هنا وهناك، للحكم بين الناس وله كلمة مسموعة ومستجابة وتأثير كبير. 

يضيف "أبو غُريب": التحكيم العُرفي يساعد الدولة كثيرًا ويحل أزمات كبيرة في كافة المحافظات، والقضاء المصري في بعض الأوقات يعترف بما وصل إليه التحكيم العُرفي، على سبيل المثال: إذا سلم أحد طرفي عائلة متخاصمة الكفن إلى العائلة الأخرى، يدون كل هذا في ملف الجلسة ويسمى هذا الملف بالمشارطة، وتسلم المشارطة، للمحكمة ويساعد هذا في تخفيف الأحكام، وربما البراءات في بعض الحالات.

ويؤكد النائب صبحي الدالي عضو لجنة الشئون العربية بالبرلمان أنه إذا وقعت مشاجرة ما في أي مكان، واضطر رئيس المباحث للقبض على طرفيها، في حالة تدخل التحكيم العُرفي من الممكن أن يفرج رئيس المباحث عن المتهمينآ  قبل عرضهم على النيابة ويعد كل هذا اعتراف بالتحكيم العُرفي ولكنه اعتراف غير رسمي.

• معايير اختيار المُحَكِّم العُرفي

يقول المُحَكِّم العُرفي رضا الكفراوي من مركز الصف بمحافظة الجيزة، والملقب بدينامو التحكيم العُرفي: أنه يتم اختيار القاضي العُرفي بناءً على معايير معينة كالوراثة .

فهناك العديد من الشخصيات داخل القبائل (كبير القبيلة) اشتهرت بالحكمة ومجابهة الظلم ومناصرة الحق، ما دفع الناس إلى اللجوء إليهم في مظالمهم. وقد توارث أبناؤهم القضاء العُرفي والحكم بين الناس.

وأشار "الكفراوي" إلى أن القاضي العُرفي لا بُدِّ أن يكون صاحب خبرة وملمًا بأعراف القبيلة ومتابعًا بشكلٍ جيّد لأحوال الأهالي ومستجدات النزاعات والأحكام الصادرة لحلّها في منطقته والمناطق المحيطة، وهو عادةً يكون حسن الخلق ويتميز بعلاقة جيدة مع الجميع ويجيد التحدث بلباقة وغير عصبي ومتّزنًا صاحب كلمة نافذة، لا يتلوّن أو يكذب لإرضاء أحد.

ويناشد "الكفراوي" الشباب باحترام الأكبر سنًا وكبار عائلاتهم لأن أغلبهم من بعد الثورةآ  لا يستجيبون لكبار عائلاتهم، وأصبح الشباب صعوبة تواجه التحكيم العُرفي في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى دور الأمن والقضاء المصري في التعاون قائلًا: "إنهم متعاونون لأقصى درجة وأحب أن أشكرهم من خلالكم".

ولفت رضا الكفراوي إلى شرطين أساسيين، وهما من أهم شروط إتمام الجلسات العُرفية "إيصالات على بياض" و "التنازل عن القضايا"

- الشرط الاول: يوقع الطرفان إيصالات على بياض. حيث تستند المجالس العُرفية في قوة تنفيذ أحكامها على إيصالات الأمانة والاشتراطات المأخوذة على الطرفين قبل بدء الجلسة العَرفية، وغالبًا ما تكون على بياض أو مبالغ مالية ضخمة، وفى حالة إن أَخَلَّ أحد الأطراف بالتنفيذ، يتم تحرير محضر بتلك الإيصالات وتقديمها إلى القضاء .

- الشرط الثاني: التنازل عن القضايا و يقوم الطرفان بالتوقيع على الموافقة على الحكم قبل أن يسمعاه، وهناك بند في المحضر - أيضًا - يضمن التنازل عن القضايا بين الطرفين خلال أسبوع من تاريخ حكم الجلسة.

• أحكام القضاء العُرفي :

يقول صابر قُرني فرحات، وهو مُحَكِّم عُرفي معروف بجنوب الجيزة، أن أحكام القضاء العُرفي عديدة وأبرزها حمل الكفن والتغريب والتغريم.

- حمل الكفن: في حالات القتل يحكم المُحَكِّمون العُرفيون على القاتل أو والده أو شقيقه بحمل الكفن إلى العائلة الأخرى في سرادق كفن يحضره مئات من العائلتين وأهل البلد .

- التغريب: وهذا معناه أن يتم طرد الأسرة خارج البلد بحكم المُحَكِّمين العُرفيين، ويستخدمون هذا الحكم في حالة أن يتناول أحد عرض فتاة أو سيدة أو كل ما يخص الشرف، والتغريب له نوعان أحدهما مدى الحياة والآخر لفترة معينة ثم العودة وذلك يحدده القاضي العُرفي بعد المشاورة حسب الحالة.

- التغريم: وهذا معناه دفع مبلغ مالي حسب الحالة على سبيل المثال: في حالة تكسير منزل أحد أو الاعتداء على أحد الأماكن يتم تشكيل لجنة من قبل المُحَكِّمين العُرفيين وتحديد تكلفة الخسائر ويدفعها المعتدي، وحالات أخرى مثل الإصابات يتم الاطلاع على تقرير الكشف الطبي وتحديد المبلغ من قبل التحكيم العُرفي.

• رأي رجال القانون والمواطنين 

يقول المستشار سيد عبد الكريم: أن الجلسات العُرفية شكل من التخلف الاجتماعي الذى يضرب بعض ربوع مصر، ولا بُدِّ أن تسعى الدولة إلى فرض القانون على الجميع بدلًا من أن تترك التخلف، بل وتتعايش معه وتسانده أحيانًا.

وفي نفس السياق يؤكد حسن عادل، حاصل على ليسانس حقوق ويعمل بالمحاماة : أنه لا يصح أن تستمر في دولة عصرية يحكمها القانون هذه الطرق القديمة قائلا: لا يوجد بلد متطور في العالم لديه جلسات عرب ويعمل بنظامين قضائيين، أحدهما تقليدي والآخر قبلي .

واستطلعت "المشهد" الآراء في الشارع المصري وكان رأي الأغلبية: أن القضاء العُرفي مُنجز عن القضاء الرسمي، حيث يصدر حكمه في وقت قصير، وذلك كما ذكرنا نظرًا لكثرة عدد القضايا وقلة المحاكم والقضاة مما يتسبب في بطء الإجراءات.

آ - يقول المواطن أحمد فريد (40 عامًا) من الفيوم أن عائلته وعائلة أخرى كانتا متخاصمتين بسبب خلافات أدت إلى مشاجرة راح ضحيتها 3 قتلى من العائلتين، وكان من الممكن أن يزيد بجوار الـ 3 صفر ليصبحوا ثلاثين قتيلًا ، لولا فضل الله ثم تدخل المُحَكِّمين العُرفيين وتحديد جلسة عُرفية والحكم على العائلة المدانة بتسليم الكفن وتغريمهم تكلفة علاج المصابين وإنشاء سرادق الكفن.

- ويقول المواطن فريد فرج (35 عامًا) من بني سويف: أن التحكيم العُرفي أحكامه كلها عادلة ومن الشرع، وتطبيقها يتم بالرضا، وفيه شيء طيب يجب أن يُدَرَّس في المدارس، وهو التقدير وتوقير الكبير، حيث نجد كل كبير عائلة كلمته سيف على عائلته والمُحَكِّمين العُرفيين يكون حكمهم لكبير العائلة وهو من يقنع عائلته بتنفيذها.

- بينما كان لشيماء الأشقر من محافظة الأسكندرية رأي أخر: حيث رأت أن الدولة بدلًا من مساندة القضاء العُرفي الرجعي والمعتمد في أغلب الوقت على المجاملات؛ تطوير القضاء العادي وزيادة عدد المحاكم وإتاحة فرص لزيادة عدد القضاة، حتى تصبح المنظومة كاملة مكتملة، حتى لا يكون هناك أي بطء في الإجراءات، وتابعت "الأشقر" أنها رأت حالة خاصة ظلمها التحكيم العُرفي ظلمٌا شديدًا مجاملة للطرف الذي كان من عائلة كبيرة ومن أثرياء القوم، على حساب رجل من عائلة بسيطة ومن العمال وهذا ظلم بَيِّن تم تنفيذه على أيدي المُحَكِّمين العُرفيين.

في هذا التحقيق نشرت "المشهد" جميع الآراء المؤيدة والمعارضة للفكرة، بتجرد وحيادية وللقارئ الحكم.

------------------
تحقيق- أحمد صلاح سلمان