18 - 07 - 2024

أمهات مصر بين الفيس بوك والتعليم

أمهات مصر بين الفيس بوك والتعليم

إذا كان لأم حول العالم أن تحصل على جائزة الصبر والكفاح والتفانى فى خدمة أسرتها وأبنائها ، فهى بلا منازع وبلا تردد الأم المصرية .

أقول ذلك بسبب ردود الافعال الغاضبة التى سيطرت على الأمهات المصريات بعد تصريحات الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم التي تطرق فيها إلى صفحة "اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم"، بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلًا: "أمهات مصر اللي عايشين 24 ساعة على الفيس، معناه أنهن مش فاضيين لتربية أولادهم .

معالى الوزير ضاق صدره بنقد بعض الأمهات المصريات لسياسات وزارته إزاء تطوير التعليم ، فصب جام غضبه عليهن، وألهب ظهورهن بسياط تصريحاته الجارحة.

يبدو أن الوزير لا يلقى بالا لانتقادات المجتمع المصري حول السياسة التعليمية الحالية لوزارته بزعم أنه ليس لدينا وقت لنضيعه.

نعلم أننا فى مرحلة حرجة وفارقة تتطلب توحيد الجهود لدفع عجلة التنمية قدما للأمام ، لكن ليس معنى ذلك أن نلوذ جميعا بالصمت، وأن نكمم الافواه ولا نتمكن من الإدلاء بآرائنا إزاء أخطر قضية تواجه المجتمع المصري ، وهى قضية تطوير التعليم .

قد يقول قائل : ليس لكل من هب ودب الحق بأن يدلى بدلوه فى قضية التعليم وهى قضية متخصصة ينبغى أن تكون مقصورة على الخبراء والمتخصصين، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، فالتعليم قضية جوهرية تهم كل أطياف المجتمع المصري بما فيهم أولياء الأمور خاصة الامهات المعنيين فى الأساس بالإشراف المباشر على أبنائهن .

الغاية التى تسعى إليها وزارة التعليم هى غاية نبيلة بكل تأكيد، وهى تطوير التعليم وتخليصه من آفة الحفظ والتلقين التى تفرز لنا خريجين غير مؤهلين لسوق العمل ، لكن الوسائل التى تنتهجها الوزارة لتحقيق هذا الهدف العظيم ..هل هى مناسبة لمجتمعنا المصرى؟ وهل تسير الوزارة فى الاتجاه الصحيح لتحقيق أمنية أمنيات المصريين فى تأهيل وتعليم وتدريب الطلاب على تكنولوجيا العصر ؟؟ هل البنية التحتية للمدارس مؤهلة لتطبيق رؤية الوزارة فى توظيف التكنولوجيا كمحور اساسي من محاور العملية التعليمية ؟ هل ستؤتى هذه الرؤية ثمارها فى وقت تكتظ فيه الفصول بالتلاميذ ب١٠٠ طالب فى الفصل الواحد وفى ظل بنية تعليمية مهترئة ومتهالكة ؟ وكيف نوفر ١٣٠ مليار جنيه كما قال الوزير لبناء ١٥٠٠ فصل دراسى جديد ؟ 

كل هذه أسئلة مشروعة تدور فى خلد الامهات المصريات الصابرات ، واللاتى لايردن من الدنيا سوى أن يرين ابنائهن متسلحين بالعلم والمعرفة الحقيقية لمواجهة تحديات الحياة.

لا نشك على الإطلاق فى دور وزارة التعليم الوطنى للارتقاء بمستوى التعليم فى مصر، والانطلاق به لمواكبة أنظمة التعليم العالمية التى قطعت شوطا بعيدا فى هذا المجال ، انعكس بكل تأكيد على تقدم ورخاء هذه الدول وانتعاشها على كافة المستويات.

لكن من المستحيل أن تتبلور رؤية تعليمية متكاملة دون النظر بعين الاعتبار لكل آراء الخبراء والمتخصصين بما فيهم أولياء الأمور ، المعارضين منهم قبل المؤيدين لسياسات الوزارة التعليمية ، لأن الآراء الناقدة - وليست الهادمة والمحبطة بكل تأكيد - هى التى تبنى الأوطان، لا التى تكيل المديح وتؤكد أن كل شيئ تمام وعال العال .

يبدو أن معالى وزير التعليم يتحدث عن أمهات اخريات فى المجتمع المصري واللاتى بقضين ٢٤ ساعة على الفيس بوك، الأم المصرية تكدح ليلا ونهارا فى عملها وبيتها لتؤازر زوجها لمواجهة الحالة المعيشية الصعبة وطوفان غلاء الأسعار ، ليس لديها رفاهية الجلوس على الفيس ولو لساعة كاملة وإلا لما وجدت ثمن الغذاء والدواء والدروس الخصوصية لأبنائها وبناتها ، الأم المصرية تبحث عن سويعات محدودة تخلد فيه إلى النوم استعدادا لجولة شاقة ومستمرة من الكد والتعب والعطاء لتوفير لقمة العيش لأسرتها .

تصريحات الوزير الصادمة تصيب المجتمع المصري بالغضب ، فقد قال الوزير أيضا منذ أيام قليلة :" الناس عندها استعداد تدفع لأي مركز نصاب أفاق ، لكن للحكومة لأ، حفلة عمرو دياب وصلت لـ 20 ألف جنيه للتذكرة، واحنا مش لاقيين فلوس نطور بيها التعليم، ولما نتكلم عن مجانية التعليم و ضرورة إعادة النظر في هذا المصطلح، الناس ممكن تحدفنا بالطوب".

والسؤال من يذهب إلى حفلات عمرو دياب؟ هل هم المصريون الكادحون الذين يقضون بقية عشائهم نوما من شدة التعب والإرهاق جراء مواصلات عامة يقضون بها الساعات حتى يصلوا منهكين لبيوتهم ؟، أم أولئك الذين يتحصلون على جنيهات معدودات شهريا نظير عمل شاق يقضون فيه أكثر من ثمان ساعات يوميا ؟ لن أتطرق لمن يذهب لهذه الحفلات المخملية وهم لايشكلون نسبة تذكر من المجتمع المصري ، فالله يسهل لعبيده ، ولن أناقش سعر تذكرة حفلة عمرو دياب التى أراها مبالغا فيها جدا ، فهذا ليس من شأنى .

مايهم المجتمع المصرى هو حقه الدستورى فى إبداء رأيه حول الاستراتيجية التى تنتهجها الوزارة إزاء تطوير التعليم، وألا يضيق صدر الوزير من اى نقد بناء بزعم أن المصريين لايعرفون مصلحتهم !!

قضية تطوير قضية رأى عام لاينبغى أن ينفرد بها الوزير أو أن يناقشها فى غرف مغلقة ، بل إن العلنية وتصويب الأخطاء، وتقييم التجربة أولا بأول، والاستماع بعناية للأصوات المعارضة هى أمور حتمية وضرورية لوزير التعليم ..فالتعليم هى قضية الماضى والحاضر والمستقبل ..هى قضية شعب بأكمله .
--------------------------
بقلم: محمد عويس

مقالات اخرى للكاتب

فتيات البحيرة واللغز المحير!