30 - 06 - 2024

أكشاك المخلفات.. كيف استقوى المصريون بالقمامة لمواجهة غلاء المعيشة؟

أكشاك المخلفات.. كيف استقوى المصريون بالقمامة لمواجهة غلاء المعيشة؟

وسط مجموعة من الميادين المهمة بقلب العاصمة المصرية القاهرة، وقفت أكشاك مصنوعة من الألومنيوم والفايبر، لجمع بعض المنتجات المفصولة من القمامة من المواطنين العاديين، وجدتها الدولة فرصة سانحة لتشجيع المواطنين على فصل قمامتهم قبل أن تمتلئ بها الشوارع، فيما وجدها المواطنون فرصة مواتية لزيادة دخولهم، دون الحاجة إلى رأس مال مبدئي.

"القمامة لن تكون مشكلة.. بل مصدر دخل"، شعار كتب على الأكشاك لتشجيع واستقطاب الجمهور، فقط، أنت في حاجة لأحد "الأجولة" البلاستيكية، لجمع ما يصادفك من زجاجات مياه غازية فارغة أو عبوات بلاستيكية أو حتى كرتون وأوراق وجرائد، لبيعها بالكيلو لأحد منافذ شراء المخلفات الصلبة من المواطنين، التي ظهرت للنور قبل أكثر من عام ونصف، كتطبيق لتجارب فصل المخلفات من المنبع التي تطبق في العديد من دول العالم، والحصول على ثمنها بشكل فوري، بعد وزنها أمام عينيك وحساب ثمنها وفقا لقائمة معلقة على باب الكشك.


من كل مكان، أتت أعمار سنية مختلفة، حاملة أجولة أو عبوات ممتلئة بما جمعته على مدار أيام، اصطفت في طابور متوسط لاستبدال مقتنياتها بالمال، بعد وضعه على ميزان كهربائي ضخم، قال عنه مسؤول الكشك إنه "معتمد من جانب المحافظة، وما بيفوتش هفوة"، مطالبا الجميع بالحفاظ على دورهم وهدوئهم حتى انتهاء الجميع من مهمتهم بسلام.

الطالب أحمد الزغبي، القاطن بمنطقة عين شمس شرقي القاهرة، عمل بمهن عديدة خلال الإجازات الصيفية من المدرسة، إلا أنه استقر منذ بداية الصيف الحالي على ركوب دراجته يوميًا، وجمع أكياس من عبوات "الكانز" عليها، ليؤكد لـ"المشهد" أنه يتحصل يوميا على 30 – 50 جنيها حصيلة بيع العبوات الفارغة يوميًا، ليتمكن من مساعدة نفسه وأسرته على تحمل تكاليف المعيشة والدراسة، حيث يدرس بالصف الثانيالإعدادي، إضافة لشقيقين أحدهما أكبر منه، والأخرى في الصف الثالث الابتدائي.

وعن مصدر عبواته، لفت الزغبي إلى اتفاقه بشكل ودي مع مجموعة من المقاهي في محيط منزله على ترك أجولته بها ليضع روادها العلب الفارغة بها، إضافة لبعض أكشاك المواد الغذائية، التي يكثر بها بيع تلك العبوات والزجاجات.


واضطرت ظروف المعيشة المواطن الخمسيناتي "أبو هاجر"، لجمع العبوات الفارغة لبيعها وزيادة دخله، "بعد ما خرجت معاش مبكر في إحدى الشركات، صعب أشتغل دلوقتي في السن ده، لأن معظم الوظائف عايزة شباب يشتغلوا أمن أو في المحلات الكبيرة".

وحكى لـ"المشهد" عن اعتياده الجمع خلال وقت متأخر من اليوم، في جنح الظلام بعيدا عن رؤية أي ممن يعرفونه بالمنطقة، منعا لشعوره أو أيا من أفراد أسرته بالحرج من تلك المهنة، وهو الأمر الذي عرضه لسرقة أحد الأجولة الممتلئة بعبوات البلاستيك والصفيح، بواسطة اثنين من النباشين، عقب أن هدداه بمطواة خلال سيره في أحد الشوارع خلال عودته لمنزله بعد انتهاء الجمع.

وتأتي عبوات "الكانز" الفارغة في صدارة الأسعار بالأكشاك، حيث يباع الكيلو منها مقابل عشرة جنيهات، فيما يزداد سعرها إلى اثنى عشر جنيها لدى التجار الموازيين ببعض المناطق، ثم البلاستيك الشفاف بجنيهين ونصف، والبلاستيك الثقيل بجنيه ونصف، والورق والكتب والجرائد مقابل ثمانين قرشا للكيلو جرام منها، وأخيرا قطع الكارتون مقابل جنيهن، بينما تصل في السوق السوداء إلى 2.5 جنيه.

"أم محمد"، زوجة حارس عقار بكوبري القبة، فلجأت لعقد اتفاق مع سكان العقار، بالحصول على البلاستيك كزجاجات مساحيق الغسل والمياه وعلب الكانز والورق، في كيس منفصل إلى جانب كيس القمامة المتبقية، لبيعها لأكشاك المخلفات الصلبة، لافتة لحصولها على حوالي سبعين جنيهًا في الأسبوع، تسهم بها في شراء مواد غذائية لأسرتها. وعقبت على عملها، الذي قد يستهجنه البعض بقولها: "الشغل مش عيب طول ما هو حلال، والرزق يحب الخفية".


كذلك "عم عبود"، صاحب كشك بمصر الجديدة والقريب من أحد أكشاك شراء المخلفات، وضع صندوق قمامة أمام كشكه، لمساعدة المارة في إلقاء القمامة، وفي نهاية اليوم يفصل المخلفات الصلبة ويبيعها بجانب صناديق الحلويات الفارغة الخاصة به، حيث يصل دخله الأسبوعي إلى 250 جنيهًا، دون مجهود يذكر.

في نهاية عام 2017، كشف تقرير جهاز شئون البيئة، أن مصر تنتج مصر سنويا نحو 90 مليون طن من المخلفات الصلبة، بواقع 55 ألف طن يوميًا، ويبلغ إجمالي المخلفات البلدية "القمامة" منها نحو 20 مليون طن، فيما تخرج العاصمة القاهرة وحدها 15 ألف طن يوميًا.

مهنة لا تحتاج رأس مال وأرباحها فورية

مشروع فصل القمامة من المنبع وجد معارضة شرسة من جامعي القمامة بقيادة شحاتة المقدس، نقيب جامعي القمامة بمصر، الذي أكد أن الحكومة لن تستطيع بناء أكشاك تستوعب ملايين الأطنان، إضافة إلى أن فصل المخلفات هي مهنة آلاف العمال منذ عشرات السنوات، والذين يتركز وجودهم بشكل كبير في منطقة منشاة ناصر بالقاهرة، وتأثير المشروع على حياتهم.

ورغم ذلك، توسعت الحكومة في إنشاء أكشاك الفصل بمناطق عدة في القاهرة، بعدما وجدت إقبالًا كبيرًا من المواطنين على أكشاك حيي النزهة ومصر الجديدة، وتجاوز سعر طن القمامة 6 آلاف جنيه، كانت تصب كلها لدى جامعي القمامة، الذين يفصلون المخلفات لصالح مصانع التدوير الأجنبية، دون تدخل من أحد.

ولفت محمد الإبراهيمي، عامل جمع قمامة تابع لقطاع شرق القاهرة، إلى اضطرار الظروف الاقتصادية الصعبة والرواتب الضعيفة، معظم جامعي القمامة لفصل المكونات التي تباع بالكيلو، لزيادة دخولهم، إلى جانب عملهم العادي في جمع القمامة من الشوارع ومن المحال، لا سيما الأكشاك والمقاهي، التي تمثل المصدر الأساسي للمواد المباعة، وعقد اتفاق مع أصحابها بالمرور يوميا عليهم للحصول على القمامة، إلى جانب "جوال" خاص بالأوراق والعبوات.

وعن أبرز المشكلات التي يواجهها عمال جمع القمامة، أكد أن نباشين القمامة يتولون فرزها للحصول على المكونات القابلة للبيع، مقابل بعثرة باقي المواد غير الصالحة خارج الصناديق، ما يتطلب جهدًا أكبر لوضعها في السيارات المخصصة لذلك.

ووفقا لما أعلنته هيئة نظافة وتجميل القاهرة، يتم جمع نحو 65% من قمامة العاصمة المصرية وحدها بواسطة الهيئة، و15% بواسطة جامعي القمامة، والـ20% الباقية لا يتم جمعها، ما يجعلها مشكلة تؤرق الحكومات المتعاقبة، لا سيما مع الزيادة السكانية التي تجاوزت 2.25% سنويًا بمصر، حسبما أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، في آخر تعداد سكاني له، أواخر سبتمبر 2017.

وتسعى الحكومة المصرية لحل أزمة تراكم القمامة، بمشروع قانون تتم دراسته حاليا، للقضاء على تلك الأزمة خلال 3 سنوات، يقسّم مصر إلى 300 منطقة، كل منطقة تحوى 300 ألف نسمة، على أن يتم إنشاء محطة ترحيل لكل منطقة، ومصنع تدوير للمخلفات في كل منطقتين، ومدفن صحي لكل 6 مناطق.

وبموجب المشروع المقدم، يتم إنشاء جهاز تنظيم إدارة المخلفات يتبع وزارة البيئة، يفرض القانون رسومًا إضافية على المواطنين مقابل جمع القمامة، بناء على استهلاكهم من التيار الكهربائي، تبدأ بـ5 جنيهات وتنتهي بـ 100 جنيه، كما ينزل القانون عقوبات قاسية بمن يلقون المخالفات في الشوارع، وتصل العقوبة إلى الحبس والغرامات بما يتراوح بين 100 ألف جنيه وخمسة ملايين جنيه مصري. كما يسمح القانون بإنشاء شركات وطنية ومنح متعهدي جمع القمامة التراخيص اللازمة، على أن يتم ذلك تحت إشراف جهاز تنظيم إدارة المخلفات.






اعلان